كما في نهاية كل صيف في العامين الأخيرين، تبدأ التساؤلات حول مصير العام الدراسي الجديد، بداية بسبب جائحة كورونا التي فرضت الحجر المنزلي و مبدأ التعليم عن بعد، مرورًا بالأزمة السياسية والإقتصادية المستفحلة وبأسعار البنزين اليوم وصولًا إلى رواتب الأهالي التي فقدت قيمتها مقارنة مع الغلاء الفاحش والأقساط المدرسيّة التي قد تترتّب عليهم كتداعيات مستمرة للأزمة.
طالعنا منذ يومين وزير التربية طارق المجذوب بقرار عودة التدريس الحضوري إلى المدارس كافة العامة والخاصة، وقد حمل في مطالعته بعض الحلول للمدارس الرسميةّ من دون أن يتطرّق في حديثه إلى تسهيلات تطال تلك الخاصة!!
كلنا، كأهل وكقطاع تعليمي، نسلّم جدلًا ان انقطاع الكهرباء وفقدان المازوت للمولدّات يسببان انقطاع الإنترنت وبالتالي استحالة التعليم عن بعد!
كلّنا كأهل، نتمنى العودة الحضورية لأهميتها بالدرجة الأولى في عودة حياة الأطفال بالحدّ الأدنى إلى طبيعتها من جهة ولضمان تحسّن مستوى اكتساب التلاميذ في الدرجة الثانية وضمان عودتهم إلى خط التعليم الصحيح لكل مرحلة على حدة من جهة أخرى.
ولكن .. بغض النظر عن قرار وزير التربية، ورغبتنا كأهل وتخوّف أركان القطاع التربوي وخصوصّا المعلمين منهم من كيفيّة تطبيق العودة الحضورية في ظل انقطاع البنزين وارتفاع سعره مقارنة برواتبهم.. أسئلة كثيرة تفرض نفسها:
أولاً طوال عامين دراسيين من التعليم عن بعد، عادت وزارة التربية بقرار التعليم الحضوري من دون أي خطّة لمكافحة مختلف الآفات التي تعصف بمجتمعنا، ف”كورونا” لا تزال معنا ولا بد من التعايش معها، هل من خطّة رسميّة لضمان صحة الاساتذة والتلاميذ معًا؟
قطاعنا الاستشفائي متهالك والأدوية في مستودعات المحتكرين والمستشفيات باتت بغالبيتها_ كي لا نظلمها كلها_ أشبه بدكاكين قد تضطرّ لبيع كليتك قبل الدخول لمعالجة كسر في أصابع يدك!!
أين خطة الوزراة التي يجب ان تلتزم بها إدارات المدارس لضمان عدم انتشار كورونا في ظل هيمنة الدلتا على غالبية الإصابات في لبنان؟
سنتان ونحن نتعايش مع فيروس خبيث ، لم تجهّز الوزراة فيها أي خطة جديدة للتعامل معه، ناهيك عن المشاكل الإقتصادية والإجتماعية …ومتطلبات المدارس من زيّ مدرسي وقرطاسية وزيادة الأقساط ،وليس أخيرا حاجتها الدائمة للكهرباء!!
ماذا عن المنهج الدراسي؟ فطبيعة الحال تفرض اختصاره قدر المستطاع… هل طرحت الوزارة الخطط اللازمة لحصر البرنامج التعليمي بمادة دون أخرى أو درس دون آخر؟ وهل تترك للمدارس حرية الإختيار؟ كيف سيكون مستقبل الأولاد بعد سنوات ؟ ومن سيتمكّن من تقييمهم بالشكل الصحيح والعادل؟
في المقابل، هل من خطط معدّة من قبل المدارس كإدارات؟ هل رسمت أي سيناريوهات لكيفية التعليم المطروح من حيث خفض أيام التدريس مثلًا، حصر برنامج التعليم بالأساسيات اللازمة دون غيرها من الحشو؟ التخلّي عن الزي المدرسي؟ حصر القرطاسية تمامًا كما حصل في التعليم عن بعد من دون تقاضي مبالغ طائلة ومضخّمة كما تفعل سنويّا؟ تسهيل شراء الكتب عبر فتح المدرسة أبوابها للتبادل بين التلاميذ والصفوف وتفعيل خيار تصوير الكتب إن تطلّب الأمر؟
العلم للأولاد أولويّة، ومستقبل البلاد رهن الخطط التي يجب اتباعها اليوم، مطالب الأهل بالتعليم الحضوري حق، تمامًا كهواجسهم تجاه توفّر البنزين من جهة ورفع الأقساط من جهة أخرى..
مطالب الأساتذة بإيجاد حلول لأزمة المحروقات حق تمامًا كرفع رواتبهم التي فقدت قيمتها بسبب الغلاء المستفحل وارتفاع أسعار الدولار.
ولكن في المقابل، لكي تتأمّن هذه الحقوق، يجب تعاضد مختلف الجهات المسؤولة وزارة العمل، التربية، الصحة والطاقة، لإيجاد حل سريع وضروري وإلا فإن الجهل والأمية قد يطرقان باب لبنان بقوّة!
بالدرجة الأولى، فإنه على وزارة الصحة ضمان العودة الآمنة من خلال الكشف على خطة كل مدرسة في اعتماد سبل الوقاية اللازمة لمكافحة انتشار كورونا بين الأفراد. أما وزراة الطاقة فعليها النظر بإمكانية تأمين المازوت الضروري للمدارس لسدّ حاجاتها الأساسيّة من جهة وإعطاء أفضليّة للأساتذة أو إيجاد طريقة آمنة لضمان حصول الطاقم التعليمي على المحروقات لضمان وصوله إلى المدرسة من جهة أخرى.
في المقابل، على وزارة العمل والحكومة مجتمعة أن تقرّ رفع الحد الأدنى للأجور ليتماشى مع ارتفاع الأسعار، وإن لم يتوفّر هذا الحل، فلا بد من العمل على تقديمات معيّنة للقطاع الخاص تسمح للأهالي بإبقاء أولادهم في المدارس الخاصة خصوصاً مع أسعار البنزين المرتفعة من جهة والتلويح برفع الأقساط من جهة أخرى.
في النهاية، إن العودة إلى التدريس الحضوري يتطلّب حلولًا جذريّة من مختلف الجهات وإذ كان لا بد للمدارس من رفع أقساطها كي تلبّي مصاريفها وترفع من رواتب أساتذتها، فكيف للأهالي أن ينصاعوا لهذه الزيادات وأجورهم هي نفسها منذ بدء الأزمة؟ وكما يسري على أركان القطاع التعليمي فقدان قيمة أجورهم بسبب ارتفاع الأسعار وخصوصًا المحروقات منها، يسري الأمر نفسه على الأهالي الموظفين الذين فقدوا هم أيضًا قيمة رواتبهم.. وبالتالي فإن الحلّ الأساسي يكمن في رفع رواتب وأجور القطاع الخاص بشكل كامل كي يتناسب مع تضخّم الأسعار من مختلف الإتجاهات.. والبحث عن استراتيجية عودة منظّمة إلى التدريس الحضوري الذي يعيد العلم في لبنان إلى المستوى المنشود!