لا يتطلب الأمر عالِم فلك لمعرفة أن الفضاء مكان غريب. ولكن مدى غرابته هو ما قد يفاجئنا ويجعلنا نشعر بالكثير من الدهشة.
وتهيمن على الفضاء قوى كهرومغناطيسية غير مرئية لا نشعر بها عادة. كما أنه مليئ بأنواع غريبة من المادة التي لم نشهدها أبدا على الأرض.
ونشرت وكالة ناسا عبر موقعها على الإنترنت قائمة تضم خمسة أشياء تحدث بشكل حصري تقريبا في الفضاء الخارجي.
1. البلازما
على الأرض، تكون المادة عادة على شكل إحدى الحالات الثلاث التالية: صلبة أو سائلة أو غازية.
ولكن في الفضاء، تكون نسبة 99.9% من المادة في شكل مختلف تماما، وهو البلازما.
وتتكون هذه المادة من أيونات وإلكترونات حرة، وتكون في حالة فائقة الشحن تتجاوز الغاز الذي يتم إنشاؤه عند تسخين المادة إلى درجات حرارة قصوى أو يتم دمجها بتيار كهربائي قوي.
وتتكون معظم النجوم في سماء الليل، بما في ذلك الشمس، من البلازما. حتى أنها تظهر أحيانا على الأرض في شكل صواعق من البرق.
ويمكن للبلازما أن تعمل بشكل جماعي، مثل الفريق. وهي توصل الكهرباء وتتأثر بالحقول الكهرومغناطيسية. ويمكن لهذه الحقول التحكم في حركات الجسيمات المشحونة في البلازما وإنشاء موجات تسرع الجسيمات إلى سرعات هائلة.
ويمتلئ الفضاء بمثل هذه الحقول المغناطيسية غير المرئية التي تشكل مسارات البلازما.
وحول الأرض، نفس المجال المغناطيسي الذي يجعل البوصلة تتجه شمالا يوجه البلازما عبر الفضاء حول كوكبنا.
وعلى الشمس، تطلق الحقول المغناطيسية توهجات شمسية وانتفاخات مباشرة من البلازما، تُعرف بالرياح الشمسية، وتنتقل عبر النظام الشمسي. وعندما تصل الرياح الشمسية إلى الأرض، يمكن أن تقود عمليات نشطة، مثل الشفق القطبي والطقس الفضائي، والتي إذا كانت قوية بما فيه الكفاية، يمكن أن تلحق الضرر بالأقمار الصناعية والاتصالات.
2. درجات الحرارة القصوى
تشهد الأرض نطاقا واسعا من درجات الحرارة. وتوضح السجلات أن درجات الحرارة القصوى قد تصل إلى نحو 57 درجة مئوية حتى -89 درجة مئوية.
ولكن ما نعتبره متطرفا على الأرض هو متوسط ما يسجل في الفضاء. فعلى الكواكب التي ليس لها غلاف جوي عازل، تتقلب درجات الحرارة بشدة بين النهار والليل. ويرى عطارد بانتظام أياما تبلغ فيها الحرارة نحو 449 درجة مئوية، وليالٍ شديدة البرودة تصل إلى -171 درجة مئوية.
ويشار إلى أن الأقمار الصناعية والأدوات التي ترسلها ناسا إلى الفضاء مصممة بعناية لتحمل تطرفات الطقس الفضائي.
كما أن بزة رواد الفضاء تصمم لتحمل درجات الحرارة من -157 درجة مئوية إلى 121 درجة مئوية. وهي بيضاء لتعكس الضوء أثناء التعرض لأشعة الشمس، ويتم وضع سخانات في كامل البزة من الداخل لتدفئة رواد الفضاء في الظلام. وهي مصممة أيضا لتوفير ضغط وأكسجين متسقين، ومقاومة الأضرار الناجمة عن النيازك الدقيقة وأشعة الشمس فوق البنفسجية.
3. الكيمياء الكونية
في الوقت الحالي، تضغط الشمس على الهيدروجين وتحوله إلى هيليوم في لبها. وتسمى عملية الانضمام إلى الذرات معا تحت ضغط ودرجة حرارة كبيرين، وتشكيل عناصر جديدة، بـ”الاندماج”.
وعندما ولد الكون، كان يحتوي في الغالب على الهيدروجين والهيليوم، بالإضافة إلى اندفاعة من بعض العناصر الخفيفة الأخرى.
ومنذ ذلك الحين، زود الاندماج في النجوم والمستعرات الأعظمية الكون بأكثر من 80 عنصرا آخر، بعضها يجعل الحياة ممكنة.
وتعد الشمس والنجوم الأخرى آلات اندماج ممتازة، حيث أنه في كل ثانية، تدمج الشمس نحو 600 مليون طن متري من الهيدروجين، وهذا بحجم هرم الجيزة الأكبر بنحو 102 مرة.
وإلى جانب تكوين عناصر جديدة، يطلق الاندماج كميات هائلة من الطاقة وجزيئات ضوئية تسمى الفوتونات، والتي تستغرق نحو 250 ألف سنة لتصل إلى نحو 700 ألف كيلومتر، لتبلغ سطح الشمس المرئي من اللب الشمسي. وبعد ذلك، يستغرق الضوء ثماني دقائق فقط لقطع 150 مليون كيلومتر إلى الأرض.
وتم عرض الاندماج، وهو التفاعل النووي المعاكس الذي يقسم العناصر الثقيلة إلى عناصر أصغر، لأول مرة في المختبرات في ثلاثينيات القرن الماضي، ويستخدم اليوم في محطات الطاقة النووية.
4. انفجارات مغناطيسية
كل يوم، يُحدث الفضاء المحيط بالأرض بانفجارات عملاقة. وعندما تدفع الرياح الشمسية، تيار الجسيمات المشحونة من الشمس، ضد البيئة المغناطيسية التي تحيط وتحمي الأرض، الغلاف المغناطيسي، فإنها تتشابك مع الحقول المغناطيسية للشمس والأرض.
وفي نهاية المطاف، تنطلق خطوط المجال المغناطيسي وتعيد تنظيمها، وتطلق الجسيمات المشحونة القريبة. ويُعرف هذا الحدث المتفجر بإعادة الاتصال المغناطيسي.
وبينما لا يمكننا رؤية إعادة الاتصال المغناطيسي بأعيننا المجردة، يمكننا رؤية آثاره. من حين لآخر، تتدفق بعض الجسيمات المضطربة إلى الغلاف الجوي العلوي للأرض، حيث تثير الشفق القطبي.
وتحدث إعادة الاتصال المغناطيسي في جميع أنحاء الكون أينما توجد مجالات مغناطيسية ملتوية.
5. الصدمات الأسرع من الصوت
على الأرض، تتمثل إحدى الطرق السهلة لنقل الطاقة في دفع شيء ما. ويحدث هذا غالبا من خلال الاصطدامات، مثل عندما تتسبب الرياح في تمايل الأشجار. ولكن في الفضاء الخارجي، يمكن للجسيمات أن تنقل الطاقة دون أن تلمسها. ويحدث هذا النقل الغريب في هياكل غير مرئية تُعرف بالصدمات.
وفي حالة الصدمات، يتم نقل الطاقة من خلال موجات البلازما والمجالات الكهربائية والمغناطيسية. على سبيل المثال، تخيل الجسيمات كقطيع من الطيور تحلّق معا، وإذا التقطت الرياح الخلفية الطيور ودفعتها، فإنها تطير بشكل أسرع على الرغم من أنه لا يبدو أن أي شيء يدفعها إلى الأمام. وتتصرف الجسيمات بنفس الطريقة عندما تواجه فجأة مجالا مغناطيسيا. ويمكن أن يمنحها المجال المغناطيسي بشكل أساسي دفعة للأمام.
ويمكن أن تتشكل موجات الصدمة عندما تتحرك الأشياء بسرعة تفوق سرعة الصوت، أي أسرع من سرعة الصوت.
وإذا واجه التدفق الأسرع من الصوت شيئا ثابتا، فإنه يشكل ما يُعرف بظاهرة صدمة القوس، التي تحدث عندما يتفاعل الغلاف المغناطيسي لجسم فيزيائي فلكي مع البلازما المحيطة المتدفقة القريبة مثل الرياح الشمسية.
وتظهر الصدمات في أماكن أخرى من الفضاء، مثل المستعرات الأعظمية النشطة التي تقذف سحبا من البلازما. وفي حالات نادرة، يمكن إنشاء الصدمات مؤقتا على الأرض، ويحدث هذا عندما ينتقل الرصاص والطائرات أسرع من سرعة الصوت.
ويشار إلى أن جميع هذه الظواهر الخمس الغريبة شائعة في الفضاء. ورغم إمكانية استنساخ بعضها في حالات معملية خاصة، إلا أنه لا يمكن العثور عليها في الغالب في الظروف العادية هنا على الأرض.
وتدرس وكالة ناسا هذه الأشياء الغريبة في الفضاء حتى يتمكن العلماء من تحليل خصائصها، ما يوفر نظرة ثاقبة على الفيزياء المعقدة التي يقوم عليها كوننا.