يعيش مصابو متلازمة داون في العراق وذووهم صعوبات كبيرة بسبب نظرة المجتمع الدونية لهم وضعف المؤسسات الصحية والاجتماعية المختصة برعايتهم وتأهيلهم.
وفي اليوم العالمي لمتلازمة داون الذي اعتمدته الأمم المتحدة في 21 مارس/آذار من كل عام بهدف تحسين نوعية حياة المصابين الذين يعانون من متلازمة داون وتلبية احتياجاتهم ودمجهم في المجتمع، التقت الجزيرة نت الصيدلانية تالة معن أحمد الخليل من مؤسسة أكاديمية المحاربين في محافظة البصرة جنوب العراق والتي تطوعت لرعاية أطفال متلازمة داون وتأهيلهم من خلال فنون الموسيقى والرسم وغيرها.
بين الصيدلية والفنون
وتقول الخليل إنها بدأت رحلتها التطوعية عندما كان عمرها 19 عاما حيث فتحت مدرستين الأولى للأطفال المصابين بالسرطان والثانية لذوي الاحتياجات الخاصة، وكان الموضوع في بدايته صعبا من الناحية الصحية، كما تعرضت للفصل من الجامعة بسبب انشغالها قبل أن تعود من جديد.
وتضيف الصيدلانية العراقية للجزيرة نت أن الفكرة في بدايتها كانت تكمن في أن “هذا الطفل يمتلك قابليات بسيطة، ففكرنا كيف يمكن أن نعزز ثقة الطفل، واستخدمنا الفن وسيلة تعبر عن ذاته مثلا لما يرسم الطفل المصاب بمتلازمة داون وهو قليل التعبير بلسانه، لكن عن طريق اللوحات والألوان صار الطفل يرسل رسائل ونستطيع فهم كثير من المشاكل عن طريق لوحاته”.
وتشير الخليل إلى أن المركز في البدء كان لأطفال السرطان، وكانت التجربة الدراسية الأولى هو استخدام الفنون لأجل رفع مناعة الأطفال سواء الطفل المصاب بالسرطان أو متلازمة داون من فاقدي المناعة، فثقة الطفل بنفسه تزداد عندما يرسم أو يعزف أو يصعد على المسرح فترتفع السعادة والمناعة لديه.
وتنوه إلى أن الطفل المصاب بمتلازمة داون يكون قليل الكلام كما يكون لسانه ثقيلا، فمن الصعب عليه نطق كل الكلمات، ولا توجد مراكز تعتني بتصحيح النطق، فاستخدمنا وسيلة العزف على البيانو أو الكمان لنسمع معزوفة الطفل وهل يميل للعزف الحزين أو للعزف السعيد، وكذلك لما يلعب الطفل بالطين فيرسم وجوها ويبدع تتبدل طاقته السلبية.
وتتابع حديثها: “لما تعطي لطفل موهبة فقد أعطيته ثقة بنفسه وجعلته يحب نفسه عن طريق امتلاكه لموهبة يواجه بها العالم، واليوم لدينا أطفال من المصابين بمتلازمة داون، رسامين وعازفين وراقصين وممثلين، وغير ذلك من الفنون الموجودة حول العالم”.
وتعرب الصيدلانية تالة عن أسفها لنظرة المجتمع السلبية تجاه المصابين بمتلازمة داون، وتروي أنها طلبت من مديرة مدرسة أن تستقبل بعض الأطفال عندها بالمدرسة وكان جوابها قاسيا حيث قالت “لا نحتاج لمجانين أكثر”.
وتؤكد تالة الخليل أن أكاديمية المحاربين اليوم لا تسع لأكثر من 70 طفلا، في وقت يضم فيه العراق ما يقارب 4 ملايين مصاب بمتلازمة داون، رغم عدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة.
وتشدد على ضرورة توفير مدرسة واسعة ومبنى كبير يساعد هؤلاء الأطفال، لافتة إلى أن مكان الأكاديمية الحالي هو عقد مع الدولة لمدة 3 سنوات ولم تتبق إلا أشهر قليلة وينتهي العقد، وقد يضطرون إلى إغلاق الأكاديمية بشكل نهائي.
وتبيّن أن إغلاق الأكاديمية خسارة كبيرة لهذه الشريحة، فبعد انتهاء مرحلة العلاج النفسي اتجهت الأكاديمية إلى الجانب الإنتاجي، وتوجد اليوم الصناعات الخشبية، وفريق الرسامين الذي يرسمون في الشوارع والقاعات وأي مكان، وفريق نجارة الخشب والحدادة، وفريق الطباخين الذين يستعدون للبيع من طبخهم، فالاتجاه هو عمل فريق إنتاجي من الاحتياجات الخاصة.
من جانبها، تقول هبة معلة (أم جعفر)، وهي صانعة محتوى تحفيزي على مواقع التواصل الاجتماعي لرفع الوعي عن متلازمة داون، إن الاهتمام بهذه الشريحة من ذوي الهمم (ذوي متلازمة داون) وخصوصا بمجال تنمية القدرات الذهنية مهم جدا.
وتؤكد أم جعفر للجزيرة نت ضرورة إقامة مشاريع مختصة بأطفال متلازمة داون، لأن تدريب وتطوير هؤلاء الأشخاص ضرورية لتنمية مهاراتهم ومساعدتهم للاندماج بالمجتمع، ليس فقط فنيا وإنما تنمية كل المهارات الفنية والرياضية والتطبيقية والحرفية؛ ليكون إنسانا منتجا وقادرا على العمل والاندماج في المجتمع.
وتضيف أن العراق ومعظم الدول العربية بحاجة إلى قبول الأشخاص من متلازمة داون، وكلمة قبول تشمل احترامهم وتوفير التوعية والرعاية المجتمعية وتوفير مدارس تدريبية حالهم حال بقية الأطفال.
وتكشف أم جعفر عن تلقيها رسائل كثيرة من ذوي المصابين بمتلازمة داون يشتكون من قلة أو ندرة وجود مدارس ومعاهد خاصة لتدريب أطفالهم، وهناك قصص كثيرة ومؤلمة، منها، رفض من إدارة المدارس الحكومية ومن وزارة التربية لقبول أطفالهم في المدارس، وحتى في حال قبولهم يواجهون الكثير من العقبات بسبب صعوبة المناهج على الطفل بهذا العمر لعدم معرفتهم بالفجوة العمرية، مما يؤدي إلى عدم استجابة الأطفال لهذا النوع من التعليم.
وكذلك استغلال العوائل ماديا لقبول أطفالهم بمدارس أو معاهد خاصة ربحية، فضلا عن التنمر الذي يتعرض له الأطفال من ذوي متلازمة داون في المدارس من قبل الكوادر وحتى باقي الأطفال واستخدام براءتهم وطيبة قلوبهم كمادة للسخرية.
وتوجز أم جعفر الحل بضرورة فتح مدارس خاصة لهؤلاء، وإدخال مناهج توعية لكل المدارس لشرح متلازمة داون بطرق مبسطة لجميع الأطفال وتعليمهم احترام هذه الفئة المجتمعية.
وتؤكد الدكتورة سرور عنتر الحمد أخصائية طب الأطفال وعضو مجموعة داون سيندروم الأميركية، أن أطفال متلازمة داون يولدون بصفات مظهرية معينة ومشاكل صحية تختلف من طفل لآخر.
وتشير في حديثها للجزيرة نت إلى أن بعض المصابين يولدون بمشاكل صحية تحتاج إلى متابعه طبية مستمرة، إلا أنهم يمكن أن يعيشوا حياة طبيعية ويعتمدون على أنفسهم في بعض الأمور إذا تم تدريبهم.
وتضيف الحمد أن أهم الطرق للتعامل معهم هي معاملتهم مثل الطفل العادي مع التركيز على بعض المهارات التي يحتاج معظم أطفال متلازمة داون الوقت لاكتسابها، وذلك بسبب صعوبات التعلم التي يعانون منها وليس لأنهم متخلفون عقليا كما يعتقد البعض.
وتلفت الحمد إلى أن أطفال متلازمة داون يبدعون في مختلف المجالات، مثل السباحة والجري وركوب الخيل والرسم والعزف والفنون الأخرى، كما يمكنهم إكمال دراستهم الثانوية وحتى الجامعية، لكن بعض الدول مثل العراق تفتقر لوجود رعاية خاصة لهذه الفئة، ولذلك أكثر الحالات محرومون من دخول المدارس لعدم وجود مدارس مؤهلة لهم.
بدورها، وصفت الناشطة المدنية تقى عبد الرحيم مبادرة الدكتورة تالة الخليل في علاج أطفال متلازمة داون بالموسيقى والفنون المختلفة، بأنها مبادرة عظيمة وكان لوقعها أثر جميل جدا على جميع المستويات المعنوية والمعرفية والاجتماعية سواء على أطفال متلازمة داون أو ذويهم وما ترك من انطباع إيجابي لبقية شرائح المجتمع العراقي.
وفي حديثها مع الجزيرة نت تقول الناشطة المدنية، إن شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام تفتقر إلى الاهتمام الحكومي بما يتطلب وضعهم الخاص من تسهيلات ومرونة، ولا نجد سوى الاهتمام الفردي من المبادرات المجتمعية أو منظمات المجتمع المدني.
وتعرب عن أسفها لوجود بعض المنظمات التي لا تعمل بحرص وإتقان لمصلحة ذوي الاحتياجات الخاصة وإنما تستخدمهم كوسائل لتحقيق مكاسب معينة لمصالحهم الشخصية أمام المجتمع، فمن الواجب تكاتف الجهود لصالح هؤلاء الفئة ودعمهم بالممكن وإيجاد طريق عيش مناسبة لهم خالية من المعاناة والألم.
وتؤكد العمل على تشجيع هذه المبادرات ونشرها ولفت انتباه المجتمع تجاهها، فمتلازمة الحب الزائد جزء لا يتجزأ من المجتمع العراقي ولهم ما لنا وعليهم ما علينا، لكن لافتقار البعض للوعي والثقافة المجتمعية نجدهم يتعاملون بطرق تسبب الألم أو المعاناة لهذه الشريحة وتترك انطباعا سيئا بداخلهم.
وتلمس الناشطة العراقية وجود تغييرات إيجابية تجاه الفئات المختلفة من الأطفال داخل المجتمع لكنها تحتاج إلى وقت ومجهود وعمل مستمر لتصبح ثقافة مجتمع بالأكمل، وذلك من خلال التربية والتعليم ونشر التوعية المجتمعية بوسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية وتعاون مختلف الوزارات.