في محادثات قمة المناخ (كوب 26)، التي اختُتمت في غلاسكو قبل أسابيع، صادقت 141 دولة على «إعلان قادة غلاسكو بشأن الغابات واستخدام الأراضي». وبموجب هذا الإعلان، تعهدت الدول بالعمل الجماعي لوقف وعكس مسار فقدان الغابات وتدهور الأراضي بحلول 2030، مع تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز التحول الريفي الشامل. ولكن هل يمثل إعلان غلاسكو طوق النجاة للغابات باعتبار أن 91 في المائة من الغابات حول العالم تقع تحت سلطة الدول الموقعة؟ أم أن خطط التنمية وحسابات الكربون ستُفرغ هذا الإعلان من مضمونه؟
– إزالة الغابات مستمرة لكن بوتيرة أقل
تغطي الغابات 31 في المائة من مساحة اليابسة على كوكب الأرض، أو ما يزيد قليلاً على 4 مليار هكتار، وهي توفر موئلاً للسواد الأعظم من النباتات البرية وأنواع الحيوانات المعروفة. ويتمتع نطاق المناخ الاستوائي بالنصيب الأكبر من الغابات (45 في المائة)، تليه النطاقات الشمالية والمعتدلة وشبه الاستوائية. كما تحظى 5 دول فقط، هي روسيا والبرازيل وكندا والولايات المتحدة والصين، بأكثر من نصف مساحة الغابات العالمية. وتتباين جهود الحفاظ على الغابات بين هذه البلدان بسبب تباين مستويات النمو واختلاف السياسات والتحديات.
ولا تزال الغابات، والتنوع البيولوجي فيها، عرضة للتهديدات نتيجة اقتطاع الأراضي لغايات الزراعة أو بسبب مستويات الاستغلال غير المستدامة. وتشير تقارير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إلى أن العالم فقد خلال العقود الثلاثة الماضية 420 مليون هكتار من الغابات. وفيما أسهمت جهود التحريج والتوسع الطبيعي في تعويض جانب كبير من هذه الخسارة، تبقى مساحة تبلغ 178 مليون هكتار لم يجرِ استردادها، وهي تقارب مساحة ليبيا.
وكان معدل الخسارة السنوية الصافية من الغابات تراجع من 7.8 مليون هكتار خلال الفترة بين 1990 و2000 إلى 5.5 مليون هكتار بين 2000 و2010، ثم تباطأ خلال العقد الأخير إلى 4.7 مليون هكتار بسبب انخفاض معدل التوسع في الغابات.
ويخلُص تقرير صدر في السنة الماضية عن (الفاو) إلى أن التوسع الزراعي هو المحرك الرئيسي لفقدان 90 في المائة من الغابات حول العالم. ويرتبط أكثر من نصف فقدان الغابات العالمية بتحويل مساحاتها إلى أراضٍ زراعية، فيما كانت تربية المواشي مسؤولة عن 37.5 في المائة من فقدان الغابات. وخلال العقدين الماضيين، أظهرت أكثر من 20 دولة نامية قدرتها على تقليص إزالة الغابات، لا سيما في أميركا الجنوبية وآسيا. ورغم ذلك لا تزال الغابات الاستوائية المطيرة في هذه المناطق تسجل أعلى معدلات الإزالة.
– غابات الأمازون وخطط التنمية
تمتد غابات الأمازون المطيرة على أراضي تسعة بلدان في أميركا الجنوبية، لكن أغلبها (60 في المائة) يقع في البرازيل. ووفقاً لمنظمة «غرينبيس»، يرتبط ثلث إزالة الغابات في منطقة الأمازون البرازيلية بالاستيلاء على الأراضي العامة، خصوصاً من قبل مُنتجي اللحوم الذين يقتطعون مساحات ضمن الغابات لتربية مواشيهم.
وكانت البرازيل قد صادقت في قمة المناخ (كوب 26) على إعلان غلاسكو بشأن الغابات واستخدام الأراضي، في خطوة تُناقض السياسات التي اتبعتها البلاد خلال ولاية الرئيس بولسونارو. وتشمل هذه السياسات تشجيع أنشطة مثل التعدين والزراعة في منطقة الأمازون، وتمرير قوانين من شأنها السماح بالأنشطة التجارية على الأراضي المحمية، وعرض حوافز مالية للقبائل الأصلية التي تستثمر أراضيها في الغابات المطيرة كمزارع لفول الصويا.
كما أقر مجلس النواب البرازيلي العام الماضي مشروع قانون يسهل على واضعي اليد على الأراضي العامة الحصول على صكوك ملكية لها. ويمهد هذا القانون الطريق أمام شرعنة نشاطات التعدين والزراعة والمشاريع الأخرى في منطقة الأمازون، علماً بأن مشاريع مماثلة في المنطقة تجري أيضاً بغطاء قانوني.
وتُعد منطقة الأمازون موطناً لنحو ثلاثة ملايين نوع من النباتات والحيوانات، ومليون شخص من السكان الأصليين. كما تشكل مخزناً كربونياً حيوياً يبطئ من وتيرة الاحتباس الحراري. وخلال ولاية الرئيس بولسونارو، ارتفعت معدلات إزالة الغابات في المنطقة، حيث بلغت المساحة المقتطعة بين أغسطس (آب) 2020 ويوليو (تموز) 2021 نحو 1.324 مليون هكتار، وهي أكبر مساحة فُقدت بسبب إزالة الغابات في منطقة الأمازون منذ سنة 2006.
وتُظهر دراسة، نُشرت خلاصتها في دورية «نيتشر» في منتصف السنة الماضية، أن غابات الأمازون، لا سيما في جزئها الجنوبي الشرقي، تحولت بسبب التغير المناخي وقطع الأشجار من حوض لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون إلى مصدر لانبعاثات هذا الغاز. وإذا ما استمرت منطقة الأمازون، التي تضم نصف الغابات المدارية في العالم وتختزن في أشجارها وتربتها 450 مليار طن من الكربون، كمصدر دائم للانبعاثات، فإن مواجهة أزمة المناخ العالمية ستصبح أكثر تعقيداً.
– غابات التايغا وحسابات الكربون
تمتلك روسيا أكبر مساحة من الغابات على وجه الأرض، إذ إن واحدة من بين كل خمس شجرات توجد على أراضيها. ويسهم الاحترار العالمي في زيادة نمو الأشجار كلما اتجهنا شمالاً نحو التندرا القطبية، ما يجعل الغابات الشمالية البكر (غابات التايغا) تحتجز كمية من الكربون تزيد على ما يتحرر بسبب إزالة الغابات في جميع المناطق الاستوائية.
هذه الأخبار الجيدة للمناخ العالمي يشوبها قلق متزايد مع إعلان الحكومة الروسية خلال الأشهر الماضية عن خططها للوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالمناخ من خلال اعتبار غابات التايغا موازناً لانبعاثات الصناعة في البلاد. وهذا يعني أن ثاني أكسيد الكربون الذي تمتصه غابات روسيا، الملحوظ سلفاً في النماذج المناخية، يمثل شيكاً على بياض لروسيا ولغيرها من دول الغابات في الحفاظ على مكاسبها بحرق الوقود الأحفوري.
وتلعب الغابات دوراً هاماً في مواجهة تغير المناخ، إذ من المعروف أن نصف ثاني أكسيد الكربون الذي ينبعث عن حرق الوقود الأحفوري تمتصه الطبيعة بسرعة، وذاك بالتساوي تقريباً بين المحيطات والنُظم البيئية الأرضية، لا سيما الغابات. فيما تتبقى نصف الانبعاثات في الجو وتتراكم، مسببة الاحتباس الحراري.
ورغم عمليات قطع الأشجار، فإن 70 إلى 75 في المائة من النُّظم البيئية الشمالية في سيبيريا لا تزال قريبة من حالتها الطبيعية، بما فيها غابات التايغا، وهي تشهد ازدهاراً منذ عقود. وكانت دراسة مثيرة للجدل خلصت إلى أن الغابات الروسية تلعب دوراً عالمياً أكثر أهمية في حجز الكربون مما كان يُعتقد سابقاً. ووفقاً للدراسة، التي نُشرت في دورية «نيتشر» في منتصف السنة الماضية، احتجزت الغابات الشمالية في روسيا ما معدله 1.7 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، بزيادة مقدارها 47 في المائة على ما ورد في إعلانات غازات الاحتباس الحراري الوطنية السابقة لروسيا، وهي كافية لتعويض جميع انبعاثات البلاد تقريباً من حرق الوقود الأحفوري.
وتُعتبر الأرقام السابقة مؤثرة لحد بعيد في مواجهة تغير المناخ العالمي، حيث تُقدر كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة عن حرق الوقود الأحفوري عالمياً بنحو 35 مليار طن سنوياً. وتجادل دراسة حديثة أخرى في صحة هذه الأرقام، إذ ترى أن حوض الغابات الروسي يحتجز 180 مليون طن فقط من ثاني أكسيد الكربون. ويعلل أناتولي شفيدينكو، المؤلف المشارك في الدراسة المنشورة في دورية «نيتشر»، هذا التباين بالحرائق الواسعة التي تطال غابات سيبيريا وتتسبب بإطلاق مئات ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون.
ورغم المخاوف الطويلة المدى، فإن التقديرات الجديدة المرتفعة لدور الغابات الروسية في احتجاز الكربون خلال العقود الأخيرة تغذي شهية موسكو لتحقيق المزيد من المكاسب. وفي الإحصائيات المقدمة إلى مفاوضي المناخ التابعين للأمم المتحدة، عوضت روسيا بالفعل أكثر من ربع انبعاثاتها من الوقود الأحفوري في مقابل ما تحتجزه غاباتها. وكانت روسيا قد أعلنت العام الماضي عن خطط لتأجير غاباتها في شرقها الأقصى للشركات، من أجل الحصول على أرصدة كربون تعادل الكربون المحتجز فيها.
ولا تُعد الخطط الروسية تصرفاً أحادياً، إذ إن التصريحات الصادرة عن أكثر من بلد بشأن كمية ثاني أكسيد الكربون التي تمتصها الغابات تضيف أكثر من 5.5 مليار طن سنوياً إلى التقديرات العلمية المستقلة. وفيما تميل الحكومات إلى تخصيص معظم حجز الكربون الذي تقوم به الغابات لصالح النشاط البشري، ترى النماذج المناخية أن عملية الحجز هي أمر طبيعي محتسب سلفاً. وتمثل هذه المفارقة عائقاً رئيسياً أمام فاعلية الاتفاقات بشأن وقف تغير المناخ.
ولتجاوز نقطة الخلاف هذه، وضعت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ مبادئ توجيهية تلحظ احتساب حجز الكربون في الغابات التي تتم إدارتها فقط. وتعرف الهيئة الغابات المدارة بأنها تلك التي يجري حصادها من أجل الأخشاب أو تتم حمايتها بشكل فعال من الحرائق أو الأمراض أو غزو الناس. ومع ذلك، تتحايل دول الغابات على هذا التعريف بإعلان سياسات شكلية تتعلق بحماية غابات نائية، فتصنفها من ضمن الغابات المدارة من دون القيام بأي إجراء على أرض الواقع.
لقد شهدت سنة 2021 العديد من الالتزامات البارزة بشأن الغابات، بما في ذلك التعهدات بوضع المزيد من الأموال لصالح عمليات الحفظ والاستعادة. ولكن التجارب السابقة أظهرت في كثير من الأحيان غياب الجدية في تنفيذ هذه التعهدات، مثلما حصل في إعلان نيويورك بشأن الغابات سنة 2014، الذي لم يكن له أي تأثير ملموس في الحد من إزالة الغابات الاستوائية. فهل سيكون هذا الأمر مختلفاً بعد إعلان غلاسكو، أم أن ثلاثية «الغابات والتنمية والكربون» ستبقى رهينة السياسات المحلية والمصالح الخاصة؟