على مرّ العصور، لا توجد ديانة سماوية أو ثقافة أو مجتمع لم يقدس الأم. وعلى الرغم من أن مصر ومعظم دول الشرق الأوسط تحتفل بيوم الأم في 21 مارس/آذار كل عام، فإن الموعد الذي أمر به المسؤول عن ولاية فرجينيا للاحتفال بيوم الأم بناء على طلب الناشطة الأميركية آنا جارفيس هو يوم 12 مايو/أيار 1907، ومنذ ذلك الحين تختلف دول العالم في تاريخ الاحتفال بيوم الأم.

يحتفل العالم العربي بيوم الأم في اليوم الأول من فصل الربيع أي يوم 21 مارس/آذار، أما في النرويج فالاحتفال به يكون في الثاني من فبراير/شباط، وفي الأرجنتين فهو يوم الثالث من أكتوبر/تشرين الأول، وجنوب أفريقيا تحتفل به في الأول من مايو/أيار، وفي الولايات المتحدة يكون الاحتفال في يوم الأحد الثاني من شهر مايو/أيار من كل عام، وفي إندونيسيا يحتفلون به في يوم 22 ديسمبر/كانون الأول.

سواء بعيد أو بغير عيد، كانت الأم دائمًا مصدر إلهام للعديد من الرسّامين من مختلف مذاهب الفن التشكيلي ومدارسه. فقد قدمها الرسام الإيراني شهراد مالك فاضلي (ولد في عام 1975 في طهران) في لوحته الشهيرة “أم وطفل في شرفة” على المذهب الواقعي بتفاصيل شديدة الصدق وبملامح شرقية. استخدم مالك فاضلي ألوانا دافئة وركز على قبضة الأم على صغيرها الذي تحمله في الشرفة لإبراز عاطفة الأمومة.

وبالتعريج على مدارس الفن التشكيلي قُدّمت الأم كموضوع في كل مدرسة حسب سياقها، ففي النهاية لا يمكن فهم أي لوحة بمعزل عن سياقها التاريخي والاجتماعي؛ فنرى مثلا أن الأمومة في المدرسة الانطباعية سطع نجمها في أواخر القرن الـ19 وفي أوائل القرن الـ20 ظهرت في محتوى بسيط.

وعلى سبيل المثال، نرى في لوحة “الأم والفتاة الصغيرة” المرسومة عام 1902، للرسامة الأميركية ماري كاسات (1844-1926)، وسم المدرسة الانطباعية المتمثل في الخطوط المتقطعة والحادة للفرشاة والألوان؛ تجلس الأم القرفصاء أمام طفلتها محاولة تثبيت قبعتها، المشهد على بساطته ينطوي على جرعة لطيفة من عاطفة الأمومة والحنان من الأم نحو طفلتها.

سطع نجم المدرسة السريالية في الفترة ما بين الحربين العالميتين، وعكست كثيرا من الجنون والاضطراب الذي ساد معظم الدول وحتى الناس. اعتمدت السريالية على التعبير عن العواطف بأساليب وطرائق نفسية معقدة ورمزية أحيانًا، ومرد ذلك كان اكتشاف طرق وأساليب التحليل النفسي وقد ذاع صيتها على يد سيغموند فرويد الذي جمعته بسلفادور دالي (مؤسس السريالية) صداقة خاصة.

نرى مثلا في لوحة “الرقص على الرمال لأم مع طفل” للرسام السريالي دانيال جونسون جسدين مجردين من معدن أو أعواد معدنية يرقصان في الرمال. اللوحة بطبيعة الحال تعطي مفهوم الأمومة منظورا عالميا واسعا، على عكس غيرها من اللوحات، فتجريد جسد الأم والطفل من العرق واللون والجنسية يجعل اللوحة صالحة للتعبير عن أي أم وطفل في أي منطقة من العالم، وقد خرجت بذلك من إطارها الجغرافي.

الأمومة التكعيبية
تظهر الأم في لوحات رائد المدرسة التكعيبية الإسباني بابلو بيكاسو (1881-1973) في فضاء من المكعبات والمثلثات والدوائر وكثير من الزوايا الحادة؛ نرى مثلا في لوحته “الأم والطفل (الخطوات الأولى)” المرسومة عام 1943 أما تمسك بيد طفلتها لتساعدها على المشي.

استوحى بابلو بيكاسو ثقافة التكعيبية من الفنون الأفريقية والأقنعة التي امتازت بأشكال بدائية وتلك الأقنعة والتماثيل هي التي دفعت إلى كسر مستوى الصورة الثنائية الأبعاد من أجل نقل الفضاء الثلاثي الأبعاد. تظهر اللوحة من منظور مُسطّح ومملوء بكسور حادة حتى إننا نرى المشهد من زوايا مختلفة من النظرة الواحدة.
مع بداية الألفية الثالثة قادت الثورة التكنولوجية إلى ثورة في طرق الرسم وأساليبه، وقد تربعت الرسوم التوضيحية أو ما يُعرف بالإنجليزية بـ(Illustration art) على عرش الفنون المعاصرة لما فيها من بساطة واعتماد على التكنولوجيا التي تناسب روح العصر. وقد ظهرت الأم في مئات بل آلاف الرسوم التوضيحية بطريقة بسيطة وطفولية عادة مثل تلك التي قدمتها الرسامة الكورية “لي إس. هي” (بالإنجليزية: Lee S. Hee).

وعلى اختلاف المدارس والأساليب والوسائط المستخدمة، ظهرت الأم في جميع مدارس الفن التشكيلي أقرب إلى ملاك الرحمة، الشخص الذي يحوّل أي مكان يحل فيه من منزل إلى بيت دافئ وجميل. كل تلك اللوحات تُكرّم جميع الأمهات اللواتي قدمن كثيرا من دون توقع أي شيء في المقابل.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This