احتاجت معظم شعوب العالم، خلال جائحة كوفيد-19 الى الدعم والحماية الاجتماعية من قبل الحكومات، وقد استجابت الحكومات لذلك وان بنسب مختلفة، غير أن قسم كبير من الدول لم يستطع الالتزام بهذه الحماية، خاصة على صعيد العالم العربي.
وكما جاء في تقرير عنوانه “جائحة كوفيد-19 في المنطقة العربية: فرصة لإصلاح نُظُم الحماية الاجتماعية”، أصدرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، بالشراكة مع المكتب الإقليمي للتربية في الدول العربية التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومطبعة Policy Press التابعة لجامعة بريستول في المملكة المتحدة.
أنّه في ظلّ معاناة أنظمة الحماية الاجتماعية في المنطقة العربية من الضعف والتجزئة، وافتقارها إلى الشمولية والشفافية، تقدم الاستجابات لجائحة كوفيد-19 فرصة لمواجهة هذه التحديات، وتحويل هذه النظم بطريقة مستدامة.
في حين، يؤكد التقرير أنه قبل تفشي الجائحة، كانت برامج الحماية الاجتماعية ممولة بمعظمها من الميزانيات الحكومية أو المساعدات الخارجية، بدلاً من مساهمات المستفيدين أو أصحاب العمل. بالإضافة إلى ذلك، عانت البرامج من طرق تمويلية مكلفة وغير مستدامة حيث واجهت عوائق متعددة كالنقص في الاستثمار بالإضافة إلى عدم شمول الفئات السكانية المعرّضة للمخاطر.
في هذا الاطار، سلّطت الأمينة التنفيذية للإسكوا رولا دشتي، الضوء على الإرادة السياسية القوية التي كشفتها الاستجابة لجائحة كوفيد-19 ، والتي تجلّت في توجيه قدر كبير من الأموال نحو تلبية احتياجات الفئات المعرّضة للمخاطر وشمول شريحة “الوسط المفقود”، مثل العمال غير النظاميين الذين لم يحصلوا في أغلب الأحيان، على أي من استحقاقات الحماية الاجتماعية قبل تفشي الجائحة.
على صعيد العالم العربي لم تكن الاستجابة متوازية بين الدول، فقد تفاوتت بين الواحدة والأخرى، هذا ما أكده التقرير بأنّ استجابات التخفيف من آثار الجائحة تنوعت بين البلدان العربية، بخاصة على صعيد مستوى الإنفاق حيث أنفقت دول مجلس التعاون الخليجي حوالي 70 مليار دولار، مقارنة بالـ 25 مليار دولار الذي أنفقته البلدان العربية الأخرى مجتمعة.
ومع ذلك، فإنّ معدل إنفاق المنطقة البالغ 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي فيها ظلّ أقل بكثير من المستوى العالمي البالغ 22.6%.
إلى ذلك، اختلفت مصادر الإنفاق بين بلد وآخر، إذ أعادت غالبية الدول العربية ترتيب أولويات إنفاقها الوطني أو أنشأت صناديق تمويل خاصة، في حين اعتمدت البلدان المتأثرة بالنزاعات على المعونة الإنسانية وتمويل المانحين. أما في تونس والمغرب، فلعب القطاع الخاص دورًا أساسيًا في الاستجابة للجائحة.
الاّ أنّه وعلى الرغم من الظروف الصعبة، خلص التقرير إلى أن الدول العربية تفوّقت في استخدام التكنولوجيا المبتكرة، ولا سيما التحويلات النقدية التي أُرسِلَت إلى المستفيدين في غضون أيام قليلة، من خلال منافذ أُنشئت حديثًا لهذه الغاية، إضافة إلى المحافظ الإلكترونية والتسجيل الرقمي.
وقد ألهمت القيود الاستثنائية التي فرضتها الجائحة الابتكارات في تصميم خدمات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية وتقديمها، ما أمّن الوصول إلى هذه الخدمات في ظروف صعبة للغاية، وسهّل توسيع نطاق التغطية بهذه الخدمات.
ونظرًا إلى أن معظم تدابير الاستجابة للجائحة مؤقتة بطبيعتها، فهي لن تساهم في تحويل أنظمة الحماية الاجتماعية ما لم يتم تنفيذ إصلاحات كبرى. في هذا السياق، شددت دشتي على ضرورة تنفيذ إصلاحات تشريعية، بخاصة تلك المتعلقة بالضرائب، وتوسيع قاعدة الاشتراكات وغير ذلك من مصادر التمويل. وأضافت: “ستكون هناك حاجة إلى فترة انتقالية بين النُظُم الحالية وتلك التي تم ّ إصلاحها، وقد يتطلب ذلك تمويلًا تضامنيًاً لسدّ الفجوة. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يساعد التخطيط للطوارئ في التصدّي للأزمات المحتملة في المستقبل”.