بالتزامن مع ظهور حالات إصابة بمرض “جدري القردة”، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بعدد من التعليقات والتحليلات المرجحة لـ”نظرية المؤامرة”، تتناول معلومات مغلوطة عن ظهور الفيروس ومن ثمة انتشاره، فما الرد العلمي على تلك الشائعات؟
مؤتمر ميونخ 2021
كانت الشائعة الأبرز بعد انتشار حالات الإصابة بجدري القردة، أن هناك تقارير سابقة حول انتشار متوقع للمرض، وهو ما اعتبره أنصار نظرية المؤامرة، “أكبر دليل” على أن “انتشاره بفعل فاعل”.. فما صحة ذلك؟
تعليقا على ذلك، يقول استشاري الباطنة بالمعهد القومي للكبد والأمراض المعدية والمستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء، الدكتور محمد علي عز العرب، إن المنشور المتداول يتعلق بسيناريو افتراضي تم طرحه في آذار 2021، خلال مؤتمر ميونخ للأمن.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، أشار إلى أن ذلك السيناريو الافتراضي تحدث عن كيفية مواجهة الأوبئة البيولوجية المتوقعة، ومنها ” جدري القردة”.
وتابع قائلا:” مؤسسة “إن تي أي” نفسها قامت بسيناريو سابق في حزيران 2019، وكان عن انتشار الطاعون ووضعوا خطط للحد من ذلك”، مستدركاً “لكن لم يحدث انتشار للطاعون”.
واستطرد:” هذه السيناريوهات توضع بشكل دوري حول كيفية مواجهة مرض معين، بالاستعانة بخبراء من عدة دول، ويجب الاستفادة من تلك السيناريوهات للاستعداد المسبق لمواجهة الأمراض التي قد تنتشر بين البشر”.
وجرى اكتشاف المرض لأول مرة في العام 1958، عندما حدثت إصابتان لمرض شبيه بالجدري في مستعمرات من القردة المحفوظة للبحث، ومن هنا جاء اسم “جدري القردة”.
وجرى تسجيل أول حالة بشرية من جدري القردة في عام 1970 في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
فيروس مُصنع؟
ورغم الحقائق السابقة، ذهبت بعض الشائعات إلى أن “الفيروس مُصنع داخل معمل”، واستخدام أنصار تلك النظرية، بعض الصور من المسلسل الكرتوني ” ذا سيمبسونز” للتدليل على ادعائهم.
يقول استشاري الأمراض المعدية، إن نظرية المؤامرة متواجدة بكثافة خلال الفترة الماضية، ويستخدم المروجين لها بعض الأحداث للتدليل على صحة ادعاءاتهم.
وتسائل:” في حالة تصنيع الفيروس داخل معمل، فما الذي يضمن السيطرة عليه بعد ذلك؟”، مشدداً على أن تلك النظريات غير علمية إطلاقا.
وتابع:” من الناحية العلمية فلا يمكن السيطرة على الفيروسات المصنعة أو المعدلة جينياً أو التي تم التلاعب بتسلسلها الجيني”، مضيفاً أن “في حالة تخليق الفيروس يمكن للعاملين بالمختبر الإصابة به”.
وشرح أن “فكرة انتقاء من يصاب ومن لا يصاب أو من يموت ومن لا يموت غير علمية، والحديث عن لقاحات جاهزة ومصنعة مسبقاً غير مجدية علمياً”.
وأوضح استشاري الأمراض المعدية، أن اللقاحات الجاهزة لا تعطي مناعة كاملة بنسبة 100 في المئة”، مضيفاً “لا يوجد انتقاء في المرض”.
جائحة جديدة؟
وخلال الأيام الماضية، تم الربط بين فيروس كورونا، ومرض جدري القردة، وتداولت بعض الحسابات بمواقع التواصل الاجتماعي، الحديث عن انتشار متوقع لـ”جدري القردة”، بشكل يشبه جائحة كورونا.. فهل يمكن أن يتحول المرض إلى جائحة جديدة؟
يقول الدكتور عز العرب، إن جدري القردة لن يتحول إلى وباء كفيروس كورونا، لأنه محدود الانتشار.
وتوقع ظهور حالات جديدة مصابة بجدري القردة، مستدركاً “لكن الأمر لن يتطور إلى مرحلة الجائحة مثلما حدث مع كورونا”.
وعن أسباب ذلك، يقول عز العرب، معدل انتشار جدري القردة محدود للغاية، فإذا خالط مريض بجدري القردة 50 شخص فاحتمالية العدوى تحدث لشخص واحد بين الـ50.
وتابع قائلا: “جدري القردة يختلف تماماً عن فيروس كورونا الذي يتميز بسرعة انتشاره”.
لقاحات كورونا تحد المناعة؟
تحدثت بعض الشائعات أيضا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن أن لقاح كورونا، تسبب في الحد من مناعة الجسم وظهور فيروس يسمي VAIDS, يجعل الشخص أكثر عرضة لأنواع أخرى من الأمراض، فما صحة ذلك؟
وفقاً لتقرير “نيوز ويك”، فإن تلك المزاعم غير دقيقة علمياً، فلا يوجد أي دليل على أن لقاحات كورونا تسبب نوعا من الإيدز، ولا توجد أي روابط مثبتة بين أمراض المناعة الذاتية وجدري القردة.
وفي سياق متصل، قالت رئيسة قسم العلوم الجراحية وأستاذة علم الأحياء الدقيقة والمناعة في جامعة كولومبيا، دونا فاربر، إنه لا يوجد شيء يسمى “متلازمة نقص المناعة المكتسبة من اللقاح” أو VAIDS، وفقاً لـ”رويترز”.
وقال ستيفن جلوكمان، أستاذ الأمراض المعدية في كلية بيرلمان للطب في جامعة بنسلفانيا والمدير الطبي في بن جلوبال ميديسن، إن فيروس VAIDS، غير حقيقي.
وأضاف جلوكمان أنه لا يوجد دليل على ارتباط نقص المناعة بلقاحات كورونا، حسب تقرير لـ”رويترز”.
وتعليقاً على ذلك يقول عز العرب، “نفس الأشخاص الذين رفضوا التطعيم بعد ظهور جائحة كورونا، هم أنفسهم من يرددون تلك الادعاءات”، مضيفاً: “اللقاح لا يسبب الإصابة بأمراض نقص المناعة، والحديث عن ذلك غير صحيح بتاتا”.
سهولة الانتشار
وفي إطار نظريات المؤامرة، تفاعل عدد من مستخدمي موقع “تويتر” مع تغريدة لشخص يقدم نفسه عبر حسابه على أنه “استشاري الميكروبيولوجي والمناعة”، تحدث فيها عن سهولة انتشار الفيروسات عبر الجلد.. فهل ذلك حقيقي؟
يرد على ذلك الدكتور عز العرب، قائلاً: “سرعة وسهولة العدوى عبر الجلد، أقل بكثير من نظيرتها عبر الهواء، وفي حالة جدري القردة فوسيلة نشر العدوى هي التعرض لرذاذ مباشر أو الالتصاق بجسم الشخص المصاب خاصة في منطقة الجلد”.
وتابع قائلاً: “كذلك يمكن نشر عدوى جدري القردة، عن طريق الاتصال الجنسي أو لمس الملابس الداخلية الخاصة بالمريض، أو التعرض لافرازات المصاب”.
وأوضح أن “المرض يشبه الجدري التقليدي لكن مضاعفاته ونسب الوفيات به أقل بكثير”.
وأكد أن أعراض مرض جدري القردة هي ارتفاع درجات الحرارة، والقشعريرة، والإرهاق، والصداع، ووهن في العضلات، يليها تورم بالغدد الليمفاوي، ثم الطفح الجلدي.
وأوضح عز العرب، أنه يجب الحذر من “جدري القردة” لكن دون تهويل، مشيرا إلى أن المرض ليس خطير ولا توجد توصية عالمية حتى الساعة بخصوص تطعيم جماعي لمكافحته