في زمن باتت الحقيقة بالسراج و الفتيلة و لم يعد فقط الكذب مختصر على ملح الرجال لان هذا الصفة صارت  تقع على الجميع لدرجة المرض اسمه اضطرابات الكذب المتكرر ما يحمل في طياته من ازمات نفسية يحتاج المصاب به الى الكثير من العلاج السلوكي و لكن كيف ذلك سيكون نافعا اذا تلوثت شريحة مهمة من الشعب اللبناني بالكذب و النفاق كوسيلة للهروب من حقيقة الواقع و الاسوء من ذلك اذا كان زعمائه في فترة الانتخابات النيابية زنوره بالخداع الكاذب و الوعود الطنانة الى درجة بات هؤلاء السياسيين مدمنين على الكذب و التكاذب على الناس  . انما السؤال يبقى : كيف يشرح خبراء علم النفس الكذب و خلفاياته عند كل فترة من العمر و هل من علاج فعلا سلوكي ؟

حتى الكذب له حكاية

أن الكذب قديم قدم الجنس البشري، إلا أن سلوك الكذب المرضي جرى توثيقه للمرة الأولى في الأدبيات الطبية من قبل الطبيب النفسي الألماني أنطون ديلبروك عام 1891. مما لاحظ ديلبروك في دراساته أن العديد من الأكاذيب التي رواها مرضاه كانت فظيعة للغاية، وغير جديرة بالتصديق، فأدرج هذا المرض ضمن فئة جديدة سّماها اضطرابات الكذب المرضي. وفي عام 2005، كتب طبيب النفس الأمريكي تشارلز ديكي تعريف الكذب المرضي في المجلة الأكاديمية الأمريكية للطب النفسي والقانون، قائلًا إن الكذب المرضي هو التزوير الذي لا يتناسب كليًا مع الحقيقة الواضحة للآخرين، يظهر على نطاق واسع ومعقد للغاية، ويدوم لسنوات أو حتى مدى الحياة .

كما و أظهرت دراسة اخرى  منشورة في مجلة The British Journal of Psychiatry أنّ أدمغة من يكذبون قد تختلف هيكلياً عن الدماغ العادي، إذ أجرى العلماء مسحاً لأدمغة مَن يكذب بصورة مرضية وغيرهم، ووجدوا أنّ لدى الكاذبين المزيد من المادة البيضاء في الفص الجبهي في الدماغ، وخلصوا إلى أنّ الزيادة في المادة البيضاء قد تزوّد هؤلاء الأشخاص بالقدرة المعرفية على الكذب.من جانب آخر، قد ينتج سلوك الكذب المرضيّ كآلية للتكيف يتمّ تطوّرها في مرحلة الطفولة المبكرة، وغالباً ما ترتبط بسوء المعاملة أو بأحد اضطرابات الصحة العقلية التي قد تشمل اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، واضطراب الشخصية النرجسية.

الكذبة البيضاء و تجنب المشاكل

في هذا السياق وضع النقاط على الحروف  الاختصاصي في الطب النفسي الدكتور وائل سلامة عبر لgreenarea.info  حول ماهية اضطراب الكذب المتكرر و اسباب اللجوء الى ذلك مع التوضيح حول ما يسمى بالكذبة البيضاء مما قال  :”عندما تسمى كذبة بيضاء تكون النية منها تجنب مشكلة او تحصين ثقته بنفسه حيث ان الهدف  من ذلك سماع كلام جميل من شخص اخر او للفت الانتباه . الا انه مع مرور الوقت يصبح في الدماغ تركيبة فيزيولوجية مغايرة او بما يسمى  جهاز المكافاة التي لها علاقة بتعاطي المخدرات و الادمان ممايلاحظ انه كل ما قال المرء باسلوب  معين او  قام بحركة ما نتيجتها تكون مرغوبة مما يكون عنده ادمان  على الكذب  بمعنى اول مرة يكذب فيلمس استعطاف الناس له  اوشعروا  معه بما يعانيه  او انه  وصل للغاية التي يريدها مما يكرر الكذبعدة مرات عن  وعي  على سبيل المثال اذا شخص ما غاضب منه يستطعتفه و يلعب دور الضحية تحت اطار انه مريض او تعب جدا  كي يحصل منه على الاهتمام  ومع مرور الوقت  بكل اسف يصبح في اللاوعي  فيشعر تلقائيا  انه لوحده مما يلعب  دور المريض اوعند حصول  شجار يتبع الكذب لانهيعرف انه الرابح سيستفيد اجتماعيا من ذاك الشخص مما يصبح نوعا من السلوك غير المقصود في المراحل المتقدمةعكس  مما هو عليه في البداية عن سابق اصرار على ذلك  حيث يكون مخططا على عدة اعمال يريده .”

لكل عمر له كذبه

الجدير ذكره ان الكذب المتكرر تختلف هويته وفق العمر حسب ما جاء على لسان الدكتور سلامة مما قال :”  لقد لاحظنا ان الكذب يتغير وفق العمراذ انه عند الاطفال  يكون الكذب  له علاقة بالروايات الخيالية على سبيل المثال ضربني اخي بالمطرقة مع العلم ان المنطق يقول كيف يتم ذلك دون وجود دم ام جرح؟!  اما في عمر المراهقة فيكون الكذب  نابعا عن ارادة انتماء  بسبب التنمر الذي يتعرض له المراهق فمثلا اذا التقى بمجموعة اشخاص مدمنين على التدخين فيقول انه يدخن منذ عشر سنوات رغم انه بحياته لم يكن مدمنا على ذلك انما امام المجموعة يكذب لكي يشعر انه محبوب او مرغوب . اما في  عمر  الاربعين  سنة ام الخمسين سنة فيكون الكذب  له علاقة  اكثر بتجنب المشاكل مما نسميها كذبة بيضاء و لكن في الحقيقة ليس هناك من كذبة بيضاء انما يلجا المرء  الى هذه الطريقة لانه لا يريد ان يعمل مواجهة او لا يريد ان يدخل بصعوبات. من جهة اخرى في اغلب الاحيان يكون الكذب عند الكبار في العمر له علاقة  بالصحة كونهم يعيشون الوحدة ويشعرون انهم مهملون من المجتمع واولادهم منشغلين عنهم  عندها يلعبون دور الضحية خصوصا  اذا كانوا مرضى فيبالغون بالعوارضالتي يشعرون بها .”

العلاج من نوع اخر

واهم ما توقف عنده الدكتور سلامة حول سبل العلاج للكذب المتكرر فقال :”عادة يتجاوب الكذب المتكررعلى العلاج السلوكي الفكري  الذي  يعمل على توازن الافكار الخاطئة عند  الشخص عن نفسه  وليس  اللجوء الى الادوية لان الذي يلجأ  الى المرض النفسي المذكور انفا يعود سببه  الى الفراغ الداخلي او العاطفي و المعنوي  او عندما يشعر الانسان انه غير مرغوب اجتماعيا فيلجأ الى الكذب  لكي يصبح مرغوبا .كما و انه للاسف هناك العديد من الناس  بحاجة لاشياء بسيطة جدا كالمأكل و المشرب فيغامرون بالكذب في اللجوء الى هذه الطريقة الخاطئة . ”

كذب السياسيون  له حصة في الاختبار

في المقلب الاخر اعتبر الدكتور سلامة :”اما بالنسبة للسياسيين فاعتقد اذا كان الامر من خلال التشخيص الطبي عندها علينا ان نعمل جلسات نفسية لكل واحد منهم و لكنبالمقابل  في مكان اخر فمن المؤكد عندهم نمط سلوكي خاطىء جدا كونهم اعتادوا على الكذب مما اصبح لديهم سلوكا طبيعيالان اذا تصرفوا بهذا الاسلوب يتفادوا المشاكل او المواجهات مع اخرين . ”

اما  الاختصاصي في العلاج النفسي الدكتور ميسر سري الدين ل greenarea.info فعلق  قائلا :” ان اضطراب الكذب المتكرر يعتبر مرضا نفسيا مثل سائر الامراض النفسية  يلجأ اليه عادة الانسان بصورة روتنية الى درجة يصبح جدا طبيعيا اما السياسيين فيكون لديهم الى مرحلة الادمان.”

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This