يتطلع الجميع إلى عطلة مريحة، ومن المفترض أن تجعلنا العطلات نشعر بالسعادة والارتياح. هذا هو ما يتوقعه الجميع، لكن على الجانب الآخر تعد العودة إلى العمل بعد انتهاء الإجازة من أصعب اللحظات على العاملين ويمكن أن تؤدي إلى قرارات جذرية، ربما تصل إلى الاستقالة.
تتلاشى فوائد الإجازة سريعا في وقت قصير خاصة عند تكثيف العمل الذي عرفته جامعة أكسفورد بـ”زيادة عبء العمل المتوقع للموظف عن طريق زيادة كمية المهام الذي يتعين القيام بها، أو عن طريق تقليل الوقت المسموح به لإكمال تلك المهام”.
ومن ثم تقل المسامية في يوم العمل، والمسامية هي النسبة بين وقت العمل ووقت الفراغ التي تقل لصالح وقت العمل، مما يتسبب في ضياع فوائد الإجازة والغرق في إدارة المهام المطلوبة، حيث يمكن أن تكون فوائد الإجازة عابرة ما لم تعالج العوامل التنظيمية التي تسبب التوتر وتعزز الإجهاد المستمر لدى العاملين.
يقول ديفيد بالارد الحاصل على ماجستير إدارة الأعمال والذي يرأس مركز “إيه بي إيه” APA للتمييز المؤسسي، إنه في استطلاع رأي حول أهمية الإجازة، أبلغ غالبية المشاركين أن للإجازة آثارا إيجابية وأن حوالي 68% يكون مزاجهم أكثر إيجابية، وحوالي 57% يكون لديهم طاقة وحافز أكبر للعمل، وحوالي 58% أفادوا بأنهم يصبحون أكثر إنتاجية بعد الإجازة، رغم ذلك قال واحد من كل 5 (حوالي 21%) بأنهم يشعرون بالتوتر والإجهاد أثناء الإجازة، وقال حوالي 42% إنهم يخشون العودة إلى العمل.
يمكن ملاحظة نتائج الاستطلاع السابق وربطها بنتائج الاستطلاع الذي أجرته مجلة “فيزير” (Visire)، المتخصصة في شؤون العمل والإدارة، ليظهر أن هناك ميلا للاستقالة خاصة بعد فترة الإجازة، حيث اعترف 20% من المشاركين بأنهم استقالوا بالفعل بعد عودتهم من الإجازة، وما يقرب من 44% فكروا في الاستقالة، وحوالي 12% استخدموا أوقات الإجازة للبحث عن وظيفة أخرى.
كما وجدت دراسة أخرى أجريت عام 2021 أن 62% من المشاركين يخشون طلب الإجازة لأنهم قلقون من أن يصنفهم المديرون متهربين من العمل، وربما يتم تجاوزهم في الترقيات الوظيفية.
ووفقا لمسح شركة “ماكينزي” (Mckinsey)، يفكر 13 ألف موظف حول العالم في ترك وظائفهم الحالية في الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة، لذلك يبدو أن الشركات بحاجة إلى مراجعة السياسات الخاصة بالإجازات إذا أرادت الاحتفاظ بالعاملين الأكفاء.
العمل من المنزل يشبه إجازة طويلة
بعد عامين من العمل في المنزل بسبب جائحة كوفيد-19، اعتاد الموظفون المرونة في العمل وقرروا البحث عن بدائل أكثر توافقا مع فكرتهم عن العمل. تقول نيلا ريتشاردسون كبيرة الاقتصاديين في شركة “إيه دي بي” (ADB) لإدارة الموارد البشرية في الولايات المتحدة “إن الرغبة في المرونة أصبحت طاغية على العاملين بعد اعتياد العمل من المنزل، حيث اعتادوا على التمتع بقدر أكبر من الاستقلالية في عملهم خلال العامين الماضيين، سواء في القدرة على اصطحاب أطفالهم من الحضانة أو حجز مواعيد الأطباء دون الحاجة إلى إجازة”.
تبدو مقاومة العودة إلى العمل بدوام كامل أقوى بين الموظفين الأصغر سنا، حيث أظهر تقرير ريتشاردسون أن حوالي 71% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18و24 عاما، يفكرون في البحث عن بدائل وظيفية أخرى إذا أصرت شركاتهم على عودتهم إلى العمل بدوام كامل.
تعود أسباب ذلك إلى أن العمل عن بعد يبدو طبيعيا خاصة للأجيال الجديدة ويبدو أقل ترهيبا، لأنهم نشؤوا مع التكنولوجيا، وهي جزء لا يتجزأ من نسيجهم الاجتماعي ومناهجهم المدرسية وهواياتهم الشخصية، لذلك فإن الشركات بحاجة إلى توفير بيئة عمل جذابة تناسب متطلبات العاملين.
بحسب موقع بلومبيرغ، يرى الموظفون أن العمل من المنزل يجعلهم أكثر تحكما في وقتهم ويقلل من الوقت الضائع في التنقل بين المنزل والعمل والعكس، وبالتالي يقلل من الإجهاد البدني الناتج عن العمل، لكن في الوقت نفسه هناك أعمال لا يمكن أن تؤدى من المنزل مثل وظائف الأطباء والعاملين في القطاع الطبي ودور رعاية المسنين والأطفال.
كيف تتغلب على صدمة العودة إلى العمل؟
لا تسبب الإجازة في حد ذاتها الرغبة في الاستقالة، لكنها تؤكد ضغوط العمل المستمرة مثل التوتر والإجهاد، وعدم وجود موارد كافية لمساعدة الموظفين على إدارة ضغوطهم، بالإضافة إلى ضغوط أخرى مثل الأجور الضعيفة وساعات العمل الطويلة والإرهاق المستمر.
ربما تساعد بعض النصائح على التغلب على صدمة العودة إلى العمل ومن أهمها أن نمنح أنفسنا وقتا بين الإجازة والعودة إلى العمل، يتيح ذلك الوقت الاسترخاء واستعادة مزاج العمل تدريجيا بدلا من العودة إلى العمل مباشرة.
يمكن أن يكون جدول المهام مفيدا في أول أيام العودة إلى العمل حتى لو لم تعتده، لأنه يساعد على تحديد أولويات المهام دون الشعور بالغرق الكامل في العمل بعد الإجازة مباشرة.
وربما يكون من المفيد أيضا كتابة قائمة بالمشروعات والمهام العالقة قبل بدء الإجازة، حتى يسهل على الشخص إكمالها ومتابعتها بعد العودة مباشرة. “