وكأنه مكتوب على المواطن اللبناني ان يلعب بشكل متواصل ومستمر لعبة “الكرّ والفرّ” مع الأزمات والمشاكل المختلفة والمتنوعة، فاللبناني الغارق في دوامة الانهيار الاقتصادي ومشاكل الدولار وغيرها من التفاصيل التي تجعل يومياته صعبة ومعقدة، كان قد التقط أنفاسه قليلا مع التدني الحاصل في أرقام “كورونا” ومع عوارضه التي باتت مقبولة الى حدّ ما،لكونه يدرك ان دخول المستشفيات يعتبر واحدة من أصعب المهمات في هذه الأيام.
لكن ” الكوليرا” التي غابت عن المجتمع اللبناني منذ أكثر من 30 سنة، تعود اليوم لتطل من محافظة عكار، معلنة بداية واقع صحيّ جديد في لبنان ومعه بداية قلق جديد سيعيشه المواطن بكل تفاصيله.
اصابتان حتى الساعة
قال وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال، فراس ابيض انه “حتى الساعة تم تسجيل إصابتين بالكوليرا في تجمّع للنازحين السوريين في عكار ونعمل على تقصي عن حالات أخرى”
وكانت قد أعلنت وزارة الصحة العامة أمس أنه “تم تسجيل أول اصابة بالكوليرا، في 5 تشرين الأول، في لبنان في محافظة عكار”، مشيرة في بيان إلى أن “حالة المريض مستقرة وهو يتلقى العلاج في المستشفى”.ولفتت الى أن “هذه هي الحالة الأولى في لبنان منذ 1993 تاريخ آخر تفشٍّ للكوليرا”.
خطة وزراة الصحة
وعقد وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال فراس الابيض اجتماعاً تنسيقياً مع الشركاء المعنيين حضره ممثلون عن منظمات دولية وعن نقابتي الاطباء ونقابة التمريض والجمعية اللبنانية للأمراض الجرثومية، إضافة إلى ممثلي وزارة الطاقة والمياه ووحدة إدارة الكوارث في مجلس الوزراء والصليب الأحمر. وتم عرض خطة وزارة الصحة للجهوزية والاستجابة للكوليرا، والتي أُعدت بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية واليونيسف وبالتوافق مع الشركاء المعنيين بالرعاية الصحية، وتشمل الخطة “تعزيز تقصي الحالات ومحيطها، عبر زيارات ميدانية، والكشف على مصادر المياه وشبكات الصرف الصحي وفحصها جرثومياً عند الحاجة، والمباشرة في ترصد جرثومة الكوليرا في الصرف الصحي عبر جمع عينات من المحافظات اللبنانية كافة من أجل الزرع الجرثومي، وإصدار تعميم للمستشفيات والمراكز الصحية والعاملين الصحيين حول تعريف الحالات، تأمين مخزون أولي من الأمصال والأدوية المطلوبة، استعداداً لمعالجة الاصابات، تفعيل عمل مختبرات فحص المياه، الموجودة في بعض المستشفيات الحكومية، لتعزيز المراقبة الدورية على مياه الشرب.
كما تشمل الخطة “التعاون مع نقابات الاطباء والتمريض والجمعية اللبنانية للأمراض الجرثومية، من أجل اقامة دورات تدريبية للعاملين الصحيين بشأن معالجة الحالات المصابة، وأساليب مكافحة العدوى، لا سيما داخل المؤسسات الصحية، والتعاون مع الوزارات المعنية، لا سيما الطاقة والمياه، الداخلية والبلديات والبيئة، من أجل توفير مياه مأمونة ومراقبة الصرف الصحي”، وتم تشكيل خلية أزمة تضم خبراء واختصاصيين للاستجابة لتفشي الكوليرا ومتابعة التطورات بصورة يومية.
وفي حديث اعلامي قال الابيض: “نتوقّع ارتفاعاً بحالات الكوليرا في لبنان بسبب التفشي في سوريا أما الأدوية فمتوافرة واللقاح مرتبط بوضع الحالات في البلد”.
ما هو الكوليرا؟
الكوليرا مرض شديد الفوعة إلى أقصى حد ويمكن أن يتسبب في الإصابة بإسهال مائي حاد، ويصيب الأطفال والبالغين على حد سواء ويمكن أن تودي بحياتهم في غضون ساعات إن لم يعالج، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
الوقاية من الكوليرا
وللوقاية من الكوليرا، أوصت الصحّة بـ”عدم شرب أو استعمال مياه غير مأمونة و ينصح بشرب المياه من قوارير مياه معبأة مقفلة مضمونة المصدر، وعدم الشرب والأكل من الأواني نفسها مع الآخرين، غسل اليدين بالماء والصابون على نحو منتظم قبل تحضير الأطعمة أو تناولها، وبعد استعمال المرحاض، الحفاظ على النظافة الشخصية ونظافة الأغذية، طهي الطعام بشكل جيد جداً وتناوله مباشرة بعد طهيه، مراجعة الطبيب فوراً في حال ظهور اسهال مائي غزير، تضع وزارة الصحة الخط الساخن 1787 في تصرف المواطنين للاستفسار والحصول على المعلومات”.
هكذا تنتقل الكوليرا
الكوليرا ناتجة عن جرثومة تنتقل عبر مياه الشرب أو تناول مواد غذائية ملوثة، أو من شخص الى آخر عبر الأيدي الملوثة.
تمتد فترة حضانة المرض من يومين الى 5 أيام. وتشمل العوارض إسهال مائي غزير مسبباً مضاعفات قد تؤدي الى الوفاة في حال عدم المعالجة.
ما الذي يسبب مرض الكوليرا؟
وفقا لمايو كلينيك تنتج عدوى الكوليرا بسبب أحد أنواع البكتيريا، يسمى ضمة الكوليرا (Asiatic cholera)، والآثار المميتة للمرض هي نتيجة لسم تفرزه البكتيريا في الأمعاء الدقيقة، يتسبب في إفراز الجسم كميات هائلة من الماء، مما يؤدي إلى الإسهال وفقدان سريع للسوائل والأملاح (الكهارل).
وتقول مايو كلينيك إنه قد لا تسبب بكتيريا الكوليرا المرض لدى جميع الأشخاص الذين يتعرضون لها، لكنها لا تزال تمرر البكتيريا في البراز، ويمكن أن تلوث الطعام وإمدادات المياه.
من جهتها، تقول منظمة الصحة العالمية إن هناك الكثير من المجموعات المصلية لضمات الكوليرا، على أن مجموعتين مصليتين منها حصرا، وهما “أو 1″ (O1) و”أو 139” (O139)، تسببان اندلاع الفاشيات. وقد تسببت ضمات الكوليرا (O1) في اندلاع كل الفاشيات الأخيرة، في حين تسببت ضمات الكوليرا (O139) -التي حددت لأول مرة في بنغلاديش في عام 1992- في اندلاع فاشيات بالماضي، ولكنها لم تتسبب بالآونة الأخيرة سوى في الإصابة بحالات مرضية متفرقة. ولم يكشف عن وجودها قط خارج آسيا.
أعراض مرض الكوليرا
مرض الكوليرا تستغرق أعراضه فترة تتراوح بين 12 ساعة و5 أيام لكي تظهر على الشخص عقب تناوله أطعمة ملوثة أو شربه مياها ملوثة، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
ولا تظهر أعراض الإصابة بعدوى ضمات بكتيريا الكوليرا على معظم المصابين بها، رغم وجود البكتيريا في برازهم لمدة تتراوح بين يوم واحد و10 أيام عقب الإصابة بعدواها، وبهذا تطلق عائدة إلى البيئة ويمكن أن تصيب بعدواها أشخاصا آخرين.
ومعظم من يصابون بعدوى المرض يبدون أعراضا خفيفة أو معتدلة، بينما تصاب أقلية منهم بإسهال مائي حاد مصحوب بجفاف شديد، ويمكن أن يسبب ذلك الوفاة إذا ترك من دون علاج.
وتشمل أعراض الكوليرا وفقا لموقع أدلة MSD الإرشادية في حال ظهورها:
قيئا وإسهالا مائيا مفاجئا وغير مؤلم.
عدم وجود حمى عادة لدى الأشخاص الذين يعانون من المرض.
شدة في الإسهال والقيء تتراوح بين الخفيف والشديد.
برازا رماديا، ويحتوي على أشرطة من المخاط، ويوصف ببراز ماء الأرز.
في غضون ساعات، قد تصبح حالة الجفاف شديدة، مما يتسبب في:
العطش الشديد.
تشنج العضلات.
الضعف.
تبول المريض كميات قليلة جدا.
قد تغور العينان.
تجعد جلد الأصابع بشكل شديد.
في حال عدم علاج الجفاف الناجم عن الكوليرا فقد يؤدي فقدان الماء والأملاح إلى:
الفشل الكلوي.
الصدمة.
الغيبوبة.
الموت.
أما المرضى الذين يتمكنون من البقاء على قيد الحياة، فتهدأ أعراض الكوليرا لديهم في غضون 3-6 أيام، وفقا لموقع أدلة MSD الإرشادية.
ويقول موقع أدلة MSD الإرشادية إن معظم المرضى يتعافون من العدوى في غضون أسبوعين، وتبقى البكتيريا موجودة لدى عدد قليل من المرضى إلى أجل غير مسمى دون أن تسبب أي أعراض، ويسمى هؤلاء الأشخاص بحاملي العدوى.
علاج الكوليرا
الكوليرا مرض سهل علاجه، ويمكن أن ينجح علاج معظم المصابين به إذا تم الإسراع في إعطائهم محاليل الإمهاء الفموي (تعويض السوائل بطريق الفم)، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
أما المرضى الذين يعانون من جفاف شديد فهم معرضون لخطر الإصابة بالصدمة ويلزم الإسراع في حقنهم بالسوائل عن طريق الوريد. كما يعطى هؤلاء المرضى المضادات الحيوية المناسبة لتقليل مدة الإسهال، والحد من كمية المأخوذ من سوائل الإماهة اللازمة، وتقصير مدة إفراز ضمات الكوليرا في البراز وفترة بقائها.
ولا يوصى بإعطاء المضادات الحيوية بكميات كبيرة إذ ليس لها تأثير مثبت على مكافحة انتشار الكوليرا، وقد تسهم في زيادة مقاومتها لمضادات الميكروبات.
الزنك والكوليرا
ويعد الزنك علاجا مساعدا مهما للأطفال دون سن الخامسة، إذ يقلل أيضا من مدة الإسهال لديهم وقد يمنع التعرض للنوبات في المستقبل من جراء أسباب أخرى للإصابة بإسهال مائي حاد.وينبغي أيضا تشجيع الرضاعة الطبيعية.