كشف علماء الفلك أنهم تمكنوا من حل مشكلة بارزة تحدت فهمهم لكيفية تطور الكون، وهي التوزيع المكاني لمجرات قمرية خافتة تدور حول درب التبانة.
وتعرض المجرات القمرية (المجرات التابعة) هذه اصطفافا غريبا، يجعلها تبدو وكأنها تقع في دوران مستوي السطح خفيف للغاية، يسمى “الدوران المستوي للأقمار” (plane of satellites).
وهذا الترتيب الذي يبدو غير محتمل، حير علماء الفلك لأكثر من 50 عاما، ما دفع الكثيرين للتشكيك في صحة النموذج الكوني القياسي الذي يسعى إلى شرح كيفية ظهور الكون كما هو اليوم.
لكن الآن، وجد بحث جديد بقيادة جامعتي دورهام بالمملكة المتحدة وهلسنكي في فنلندا، أن التوزيع المكاني المسطح الحالي للمجرات القمرية الباهتة، أو دوران الأقمار، حول مجرة درب التبانة، هو شذوذ كوني وسوف ينهار بمرور الوقت، بنفس الطريقة التي تتغير بها الأبراج النجمية أيضا.
ويزيل هذا البحث الذي نشر في مجلة Nature Astronomy التحدي الذي يشكله دوران القمار على النموذج القياسي لعلم الكونيات.
ويشرح هذا النموذج تشكيل الكون وكيف أن المجرات التي نراها الآن تتشكل تدريجيا داخل كتل من المادة المظلمة الباردة – مادة غامضة تشكل نحو 27% من الكون.
ويبدو أن أقمار مجرة درب التبانة مرتبة في مستوى رفيع بشكل غير معقول يخترق المجرة، والغريب أنها تدور أيضا في قرص متماسك طويل العمر.
ولا توجد آلية فيزيائية معروفة لصنع الدوران المستوي للأقمار. وبدلا من ذلك، كان يُعتقد أن المجرات القمرية يجب أن يتم ترتيبها في شكل دائري تقريبا لتتبع المادة المظلمة.
ومنذ اكتشاف الدوران المستوي للأقمار في سبعينيات القرن الماضي، حاول علماء الفلك دون جدوى إيجاد هياكل مماثلة في محاكاة واقعية للحواسيب العملاقة تتتبع تطور الكون من الانفجار العظيم حتى يومنا هذا.
واستخدم علماء الفلك بيانات جديدة من مرصد غايا الفضائي (Gaia)، التابع لوكالة الفضاء الأوروبية. ويقوم غايا برسم خريطة سداسية الأبعاد لمجرة درب التبانة، وسمحت هذه البيانات للعلماء بإسقاط مدارات المجرات القمرية في الماضي والمستقبل ورؤية مستوى الدوران يتشكل ويتلاشى في بضع مئات من ملايين السنين – ما يعني مجرد غمضة عين في الزمن الكوني.
وبحث العلماء أيضا عن عمليات محاكاة كونية جديدة مصممة خصيصا للحصول على أدلة على الدوران المستوي للأقمار.
وأدركوا أن الدراسات السابقة القائمة على المحاكاة تم تضليلها من خلال عدم مراعاة مسافات الأقمار من مركز المجرة، ما جعل أنظمة الأقمار الافتراضية تبدو أكثر استدارة من الأنظمة الحقيقية.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، وجدوا العديد من طرق درب التبانة الافتراضية التي تتميز بمستوى من مجرات قمرية تشبه إلى حد بعيد تلك التي نراها من خلال التلسكوبات.
ويقول العلماء إن هذا يعني أن مفهوم المادة المظلمة يظل حجر الزاوية في فهمنا للكون.