يستنفد مرضى غسيل الكلى، كما الأطباء، ما تبقّى لهم. فبسبب الأزمة المستمرة، يواجه المرضى مصيراً مجهولاً مع النقص في المستلزمات التي تُستخدم في عملية الغسل، وكذلك الأدوية داخل المستشفى وخارجه. ولعلّ هذه الفترة هي الأصعب بالنسبة إليهم مع توجه بعض الشركات التي كانت تعمل على تأمين حاجة نصف مراكز الغسيل من المستلزمات، وتحديداً الأنابيب المخصّصة لماكينات العلاج (bloodlines tubing) إلى الخروج من لبنان بأقلّ الخسارات الممكنة. وإن كانت هذه الشركات تعمل حتى اللحظة على تسليم المستلزمات لماكينات الغسيل، إلا أنها يمكن أن تترك ذلك في أي لحظة. من جهة أخرى، تعمل بعض هذه الشركات لتسليم الدفّة إلى شركاتٍ أخرى، عبر إفساح المجال لها بعدما كان الأمر حتى وقتٍ قريب حكراً عليها. إلا أن هذه المحاولات لا تعفي في الوقت الراهن من أزمة النقص في المستلزمات، حيث إن العمل في عددٍ كبير من المراكز يسير يوماً بيوم.
أتعاب متأخّرة
أما على الطرف الآخر، فتأتي أزمة أطباء غسيل الكلى، وتحديداً في الشق المتعلّق بأتعابهم التي لم يتقاضوها، والبالغة عاماً كاملاً، بحسب طبيب الكلى وعضو مجلس نقابة الأطباء سعد أبو همين. مشكلة هؤلاء الأطباء أن هذه الأتعاب التي يتقاضونها من الجهات والصناديق الضامنة، هي المورد الوحيد لهم. فهم لا يملكون العيادات، ولا يمكنهم تقاضي أتعاب من المرضى، انطلاقاً من أن جلسات غسل الكلى لا تزال مدعومة بالكامل. أضف إلى ذلك أن هذه الأتعاب لا تُصرف وفق المسار الطبيعي، وإنما تأتي «تراكمية» في الغالب، أي كلّ عام أو 6 أشهر في أحسن الأحوال. وإن كانت هذه المبالغ تفي بالغرض سابقاً، لاعتبارات ثبات العملة، إلا أنها اليوم لم تعد كذلك. وما يزيد الطين بلّة أن ما يتقاضاه الأطباء من الجهات والصناديق الضامنة لا يقبضونه دفعة واحدة، بل وفقاً لرغبة المصارف التي تتحكّم بسقوف السحب.
15 دولاراً عن كلّ جلسة
الآن، بعدما «بلغ السيل الزّبى»، تداعى أطباء الكلى إلى اجتماع للجمعية العمومية عُقد أول من أمس للبحث في حلول لأزمتهم مع العجز عن تحصيل الحقوق من المصارف، أو في أحسن الأحوال التوافق على صيغة مع وزارة الصحة العامة والصناديق الضامنة، باستثناء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي لا يزال يلتزم حتى اللحظة بالدفعات الشهرية.
خلاصة الاجتماع أن الأطباء باتوا… «في حلّ من أمرهم»، إذ كانت خيارات الحلول محصورة في ناحيتين أساسيتين: أولاً، إما أن يتقاضى الأطباء الأموال من حسابات فريش، وهذا أمر مرهون بالوزارة وغيرها، ثانياً، إما أن يبدأوا بتحصيل فروقات أتعاب من المرضى عن كل جلسة غسيل كلى. وقد خرج الأطباء باتفاق مبدئي حول المبلغ المقصود، وهو بحدود 15 دولاراً عن كل جلسة أو ما يعادلها بحسب سعر صرف الدولار. ويأتي هذا الحل في ظل الحديث الجاري عن إمكانية دولرة الاستشفاء.
ولا تأتي هذه المعالجات التي يطلبها الأطباء في إطار «الضغط على أحد»، بحسب أبو همين، وإنما «ضمن مسار إبقاء الطبيب قادراً على الوقوف». إلى الآن، لا تزال هذه المطالبات رهن البيان الذي يصدره الأطباء اليوم، فماذا بعد البيان؟ وأي قرارٍ سيسري؟ الجواب رهناً بما يصدر عن الوزارة وبقية الجهات.