لقد دخلنا المجهول من بابه العريض الصحة في خطر و الفقير بات مصيره الموت البطيء في بلد جعل من الصحة للاغنياء فقط بدءا من الدواء الى الاستشفاء و الطبابة جميعها مدولر حتى غدا القطاع الاستشفائي مشلولا لان شريحة من الشعب اللبناني لم تعد تسطيع ان تؤمن طبابتها بالدولار و الجهات الضامنة لا تهز واقف على شوار طالما البعض منها مازال يتعامل بالعملة الوطنية. لتطرح الاسئلة التالية: اي نوعية استشفاء يقدم للمريض اللبناني ؟ ماذا عن سوس الدولار الذي نخر الجسم الطبي مما اضحت معاينة الاطباء بالفرش الدولار. فهل يعني ذلك ان الفقير في لبنان لم يعد صالحا للعيش فيه بعدما اهتز القطاع الصحي عن بكرة ابيه ؟
المريض كبش المحرقة
كل شيء تغير في لبنان في بلد ليس فيه امان حتى الامن الصحي بات مهزوزا فلا عجب ان المريض بات يدفع ثمن صحته غاليا و غدا الحلقة الأضعف، في تحمله الفاتورة الأكبر لان دخول المستشفيات الخاصة على سبيل المثال أصبح حكراً على الأغنياء فقط، فيما الفقير متروك لقدره في ظل استمرار الجهات الضامنة باعتماد التعرفة القديمة، وتحميل عبء كامل الفاتورة الاستشفائية للناس . و النتيجة المواطن مهدّدٌ بأمنه الصحيّ في ظلّ عجز وغياب الدولة، وعدم طرحها للحلول اللّازمة، وبالتالي فالأمور ذاهبةٌ إلى مزيدٍ من التدهور في الأوضاع المعيشية في لبنان جراء انهيار قيمة العملة الوطنية لتفرز أكبر أزمة تشهدها البلاد منذ استقلالها عام 1943، الى نزول مرضى السرطان إلى الشارع طلبا للأدوية التي أخفاها التجار في مستودعاتهم، لبيعها لاحقا بأسعار أعلى.
التدهور الصحي
من جهة اخرى تفيد أرقام الجهات النقابية بحدوث هجرة جماعية في عدد من القطاعات، أبرزها قطاعا الطب والتمريض حيث صنف البنك الدولي ما يعيشه لبنان حاليا بأسوأ 3 أزمات مرت بالعالم بعد تشيلي وإسبانيا، في حين احتاجت تشيلي إلى 16 عاما للتعافي من انهيارها عام 1926، وإسبانيا بعد حربها الأهلية (1936-1939) استغرق تعافيها 26 عاما، قدر البنك أن لبنان قد يستغرق من 12 إلى 19 عاما للتعافي اقتصاديا .وفق معلومات اليونيسف شكل الوضع الإقتصادي العالمي المتأزم- مع كل الآثار التي نتجت عنھا من إرتفاع في الأسعار وزیادة في التضخم- عبئا إضافیا على لبنان العائم على أزمات متعددة، دمرت نظامه الصحي وعرضت حیاة الأطفال للخطر.
بالمقابل دفع الإنھیار الإقتصادي الكارثي المتشعب في لبنان، الذي ترافق مع انتشار جائحة كوفید-19 وتأثیر تفجیرات مرفأ بیروت في الرابع من آب 2020، عائلات كثیرة الى الحضیض، وجعلھا تكافح جاھدة من أجل التأقلم، وسط تزاید ھائل في نسب الفقر والتضخم المتفاقم. بالإضافة الى كل ذلك، أدى الإرتفاع العالمي في أسعار الوقود، الى جانب عجز لبنان عن إستیراد بعض المواد الخام، بینھا القمح، الى إرتفاع الأسعار الى مستویات عالیة یعاني القطاع الصحي في لبنان من ھجرة جماعیة ھائلة للعاملین الصحیین. فقد غادر نحو 40 في المئة من الأطباء- بینھم أطباء حدیثي الولادة وأطباء الولادة والأمراض النسائیة- و15 في المئة من ممرضات وحدات العنایة المركزة لحدیثي الولادة، و30 في المئة من القابلات العاملات في البلاد، وھذا ما أثار بشكل خطیر على جودة الرعایة الصحیة وإمكانیة وصول الأطفال والنساء إلیھا.
الاستشفاء على المحك
في هذا الاطار رأى الاختصاصي في طب العائلة و الامراض الداخلية الدكتور مروان الزغبي ل greenarea.info ان القطاع الطبي و الاستشفائي بات على المحك في ظل التدهور الاقتصادي مما قال :”ان المشكلة الصحية سواء في قطاع الاستشفاء ام في الطبابة باتت كبيرة جدا على عدة مستويات . اذ ان الضغوط كبيرة على كل واحد منا حيث ان القدرة على التحمل تختلف من شخص الى اخر كوننا لا نستطيع ان نقارن الناس متل بعضهم البعض بمعنى منهم من لديه قدرات اعلى من غيره و منهم من يعرف الحلول لادارة الازمة في ما بينهم ضمن حلول جذرية وواقعية . بالمقابل لا يوجد هناك اشخاص يعرفون معالجة مشاكلهم لوحدهم لذلك نجد فروقات بين الناس في معالجة ازماتهم اما اليوم فتخطوا الناس مستوى التحمل وهنا المشكلة بحد ذاتها كون المستقبل خطر و مبهم اذا لم تحصل حلول على مستوى البلد ككل او حلول على الاقل على مستوى التغطية الصحية عندها سنتجه الى مصائب اكبر على مستوى الطبابة مما يكون كل مريض اكثر عرضة للصعوبات و المشاكل الصحية و اعتقد ان الامور تتجه الى التأزيم اكثر تعقيدا في ظل غياب الحلول الجذرية و ليس بسيطة .”
الجدير ذكره وفق الدكتور زغبي :” لذلك لا نتعجب اذا كثرة الامراض النفسية الجسدية التي تعبر عن حالها بعوارض جسدية حيث بتنا نرى الناس عندها عوراض لا نجد لها تفسير عضوية في الافرازات في الدماغ و هذا الشيء ممكن يؤدي الى عوراض في الجسم كالاوجاع او الم في الراس و قلة في النوم وتوتر و احيانا الاسوء من ذلك عوارض شلل و ضعف في الجسم حيث اجد مثل هذه الحالات المذكورة انفا بكثرة في العيادة خلال معاينة المرضى .”
الاستشفاء للاغنياء
يذكر ان نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون، حذر من تحول الاستشفاء إلى حق للأغنياء والقادرين فقط، ويوضح أن المستشفيات تتعامل مع الجهات الضامنة بناء على تعرفة مفروضة منذ 20 عاماً، حيث تم اعتماد 1500 ليرة تسعيرة للدولار الرسمي، فيما توصلت الدراسة التي قامت بها نقابة المستشفيات إلى أن فرق الكلفة الاستشفائية تضاعفت، ولا بد من مضاعفة التعرفة أربع مرات لتكون منصفة. وبما أن صندوق الضمان الاجتماعي والدولة اللبنانية يعجزان عن رفع التعرفات، فإن المستشفيات غير قادرة على الاستمرار في تحمل الخسارة لأنها تدفع “الدولار نقداً” لشراء المعدات. لذلك يتخوف من أن الاستشفاء سيصبح في متناول الأغنياء فقط.