يلجأ بعض المسؤولين، بهدف تبرير خيارات يعتمدونها، إلى القول أنها موجودة في أميركا، أو أوروبا أو اليابان. فعلى سبيل المثال، من الحججالمفحمةباعتقاد أولئك، القول بوجود محارق للنفايات في هولندا، أو في سويسرا، أو في اليابان، وأن ذلك كاف للاقتناع بقبول تبني واعتماد المحارق في لبنان. ويقول آخرون، أن كثيرا من دول العالم، تبني السدود على أنهارها لتوفير كميات من المياه، تحتاجها لتلبية حاجات قطاعات الاقتصاد المختلفة في بلدانها، وذلك لتبرير سياسة بناء السدود في لبنان. يظن هؤلاء أن هذا التبرير، وهذا النسخ لما يقرره الآخرون لبلدانهم، كاف ليكون منطقهم هو الأقوى، وليقنعوا الجميع بسلامة خياراتهم.

إن إسقاط حلول ومعالجات، وسياسات واستراتيجيات، معتمدة في بلدان معينة، لاعتمادهاعلى العميانيفي لبنان، هو ضرب من قلة الحكمة، إن لم نقل من الغباء، ومن الاستهتار بعقول وقدرات الكفاءات اللبنانية في مختلف المجالات.

لن نناقش هنا، مدى صحة تلك الخيارات في بلدانها، إن هي تتوافق مع استراتيجيات التنمية المستدامة، أم أنها تتعارض معها، وإلى أي مدى. بل ما يهمنا أن نشير إلى أن نسخ وإسقاط تلك الخيارات على لبنان، هو منطق مرفوض بالمطلق، ولا يستوِ مع ما يستسيغه العلم والمنطق.

إن السياسات والاستراتيجيات، والخيارات الكبرى لمعالجة قضايانا، مثل مسألة إدارة النفايات في لبنان، أو إدارة الثروة المائية، أو تطوير مصادر الطاقة وتنوعها، ينبغي أن تدرس على ضوء المعطيات الواقعية الموجودة في لبنان، وعلى ضوء الميزات الخاصة به، واجتراح الحلول والاستراتيجيات الأكثر ملاءمة لظروفه ولحاجاته. واعتماد الخيارات، التي تتلاءم مع الحاجات الفعلية للبنان، ومدى تكاملها مع القطاعات الأخرى، بغية تحقيق الحد الأدنى المقبول من معايير التنمية المستدامة.

ففي موضوع المحارق، مثلا، هل يمكن لأحد من ألمروجين لهذا الخيار في لبنان، أن يسرد علينا ما هي أوجه الشبه أو التماثل بين لبنان وهولندا، أو سويسرا، أو فرنسا أو النمسا أو اليابان مثلا؟ هلكلفنا خاطرنابدراسة معمقة لتجارب هذه البلدان، وحقيقة سياساتها واستراتيجياتها حيال إدارة النفايات؟ هل يعلم هؤلاء، الذين يستشهدون بهولندا مثلا، ليبرروا عشقهم للمحارق، أن هولندا تطبق استراتيجية الفرز والتدوير والتصنيع واسترداد القيمة لأكثر من 80% من كميات النفايات المتولدة لديها، وتحرق فقط ما لا يزيد عن 20% من متبقيات نفاياتها؟ وهل يعلم هؤلاء في أي ظروف يتم الحرق؟ وفي ظل أي مواصفات وأية معايير للحماية البيئية؟ وفي ظل أي تقنيات معقدة للتحكم بالتلوث الناشيء عن تلك المحارق؟ وفي ظل أي تشريعات صارمة يتم هذا؟ و بوجود أي أنظمة مؤسساتية للرقابة والرصد والمتابعة؟ وفي ظل أي قانون لعقوبات التلويث البيئي؟

ندعو المسؤولين عندنا، للتعامل مع البلد بحد مقبول من احترام عقول وطاقات اللبنانيين، وإخضاع الخيارات الكبرى في مجالات التنمية لنقاش وطني واسع، يشارك فيه كل كوادر البلد الفكرية، وأصحاب الخبرة والاختصاص،  ومنظمات المجتمع المدني، وذلك لتشخيص دقيق وسليم لحاجات البلد، واعتماد الخيارات الملائمة لقدراته، تحقيقا للتنمية المتناسقة والمستدامة. فليس من قبيل الذكاء نقل تجارب الآخرين، دون التمحيص فيها وأخذ العبرة منها، في رحلة التفتيش عن علاجات ذكية، بيئية واقتصادية واجتماعية وصحية، لمسائل التنمية عندنا.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This