حقق المؤتمر 20 للمفاوضات الدولية من أجل الوصول إلى اتفاقية دولية قوية وملزمة بشأن التغير المناخي، الذي عقد في ليما – البيرو، نهاية العام 2014، نجاحا كبيرا، حيث لأول مرة بتاريخ المفاوضات الطويلة والمعقدة والشاقة، يتوصل البلدان الأكبر، والأكثر إسهاما بانبعاثات غازات الدفيئة، ألولايات المتحدة الأميركية، الأولى في العالم تاريخيا، والصين، التي تسير بخطى حثيثة لتصبح الأولى في العالم، إلى اتفاق بينهما، يتعهدان فيه الالتزام بنسب هامة من تخفيض الانبعاثات. هذا الاتفاق، الذي يتحقق لأول مرة، يتيح فرصة حقيقية لأن ينجح مؤتمر باريس القادم، المقرر عقده أواخر 2015، بإنجاز صيغة الاتفاقية، والتوافق عليها، وتوقيعها وإبرامها في أقرب فرصة.

الاحتباس الحراري وتغير المناخ

تتزايد إنبعاثات “غازات الدفيئة” في الغلاف الجوي، فيزداد تركيزها مع تزايد مصادر وكميات انبعاثها، فتصبح قادرة على احتباس كميات أكبر من الطاقة الحرارية للأشعة الشمسية في الغلاف الجوي للأرض، ويتسبب ذلك بما نسميه “الاحتباس الحراري”، وهو ظاهرة شبيهة بما يحدث في “البيوت البلاستيكية”، أو “الدفيئة” أو “البيوت الزجاجية”، واسعة الاستعمال في الزراعة. إن ارتفاع متوسط درجة حرارة سطح الكرة الأرضية – يابسة ومحيطات، والغلاف الجوي للأرض، الناتج عن “الاحتباس الحراري”، يؤدي إلى التسبب بما نسميه “ظاهرة التغير المناخي”. ولذلك، تسمى الغازات، التي تسبب الاحتباس الحراي بـ”غازات الدفيئة”. يتجلى التغير المناخي على مستوى الكرة الأرضية، بظاهرات مناخية متطرفة على درجة كبيرة من التنوع، مثل تناقص الجليد القطبي، وارتفاع مستوى البحار والمحيطات، وتغيرات في مناخات مختلف المناطق في العالم، فنشهد ازديادا فوضويا بالمتساقطات في أماكن من العالم، مسببة فيضانات وانهيارات للتربة، وجفافا في مناطق أخرى، يظهر بتناقص المتساقطات، وارتفاع في درجات الحرارة وموجات الحر، وفي مناطق أخرى، موجات من الصقيع والعواصف الثلجية، مع كل ما يرافق تلك الظواهر المناخية من خسائر اقتصادية، وكوارث على البشر وموارد رزقهم واستقرارهم السكني والاجتماعي والاقتصادي والصحي.

غازات الدفيئة

يشكل غاز ثاني أوكسيد الكربون، المتولد عن حرق كل المواد المحتوية على الكربون، من مختلف أنواع الوقود الأحفوري، وأنواع الفحم المتنوعة، وكل المواد الكيميائية المحتوية على الكربون في تركيبها، نموذجا لغازات الدفيئة، وتقاس كلها بما يكافيء ثاني أوكسيد الكربون. وتشمل غازات الدفيئة، غاز الميثان، المتولد عن عمليات الهضم اللاهوائي للمواد العضوية وتفككها، وهو 24 مرة أكبر نشاطا من ثاني أوكسيد الكربون للتسبب بالاحتباس الحراري، أي كل جزيئة من الميثان في الغلاف الجوي بمقدورها أن تحتبس كمية من الطاقة الحرارية تقدر بـ24 مرة أكبر من تلك، التي تحتبسها جزيئة ثاني أوكسيد الكربون. وهناك أيضا أوكسيد النيتروز، وبعض الهالونات  الفليورية، واسعة الاستعمال في المطافيء وأجهزة التبريد، التي تسبب بالأساس تدمير طبقة الاوزون، وتبين أنها تسهم أيضا في الاحتباس الحراري.

أكبر عمليات انبعاث غازات الدفيئة، المتولدة عن النشاط البشري، هي عمليات توليد الطاقة من مختلف أنواع الوقود الأحفوري، أي من تزايد إنتاج الطاقة الضرورية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقدم المجتمعات البشرية. وهذا ما يجعل من المفاوضات، الرامية إلى تخفيض الانبعاثات، مسألة غاية بالتعقيد والحرج، لارتباطها الوثيق بوتائر التنمية الشاملة للبلدان. ويشكل انتاج الطاقة مؤشرا حاسما في عمليات التنمية، وفي المنافسة بين مختلف البلدان والمجموعات السياسية والاقتصادية العالمية.

ارتفاع درجة حرارة الكوكب

ثبت علميا أن ارتفاع تراكيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي للكرة الأرضية، أدى إلى ارتفاع متوسط حرارة اليابسة والمحيطات والغلاف الجوي بما يقارب 1،7 درجة مئوية. وتشير الدراسات إلى أن هذا الارتفاع سيبلغ 4 درجات حتى نهاية هذا القرن، إذا لم تؤخذ اي إجراءات للحد من الانبعاثات. ويؤكد العلماء، أن هذا الارتفاع سيكون كارثيا على استقرار المناخ على الكرة الأرضية، وسيترافق بما لا يمكن التنبؤ به من كوارث، قد تجعل الظروف على الكرة الأرضية غير ملائمة للحياة، أو هي قاسية بشكل لا يمكن تصوره. ولذلك، وعلى ضوء الدراسات العلمية، التي تقوم بها مئات مراكز الأبحاث المتخصصة في العالم، وضع في المفاوضات الجارية بشأن اتفاقية دولية حول تغير المناخ، هدف الوصول إلى تخفيض كاف للانبعاثات، يضمن عدم تجاوز ارتفاع متوسط حرارة اليابسة والمحيطات والغلاف الجوي حد 2 درجة مئوية.

هدف مؤتمر باريس 2015

هذا هو الهدف الكبير لمؤتمر باريس القادم أواخر هذا العام، الذي سترأسه وتقوده فرنسا، ومن خلفها الاتحاد الأوروبي، وهذا هو الموعد الحاسم والنهائي، ولربما يصح القول أنه الفرصة الأخيرة، لاعتماد أول اتفاقية عالمية ملزمة، بشأن الحفاظ على ارتفاع الحرارة الكلية (على سطح كوكبنا) اقل من 2 درجة مئوية.

على ضوء ما شهده العالم في السنوات الخمس الأخيرة من تفاقم لظاهرة التغير المناخي، وما رافقها من كوارث أودت بحياة مئات البشر، وخسائر تقدر بمئات مليارات الدولارات، تنامت القناعة عند تلك الدول الكبيرة، المعنية أكثر من غيرها بتلك الانبعاثات، وبالمسؤولية التاريخية أمام البشرية لتخفيضها، وأصبحت أكثر ميلا للالتزام بمعدلات من التخفيض، تمهد الطريق أما نجاح مؤتمر باريس بتحقيق هذا الإنجاز التاريخي العظيم للبشرية جمعاء، ولحفظ الحياة المستقرة على كوكبنا.

لقد أصبحت مهمة تحويل مجتمعاتنا واقتصاداتنا إلى عالم خال من الكربون، أو إلى عالم لا يعتمد على طاقة الكربون، مهمة حتمية لا مفر منها. وهذا ما يتلاءم كليا مع خير الإنسانية جمعاء ومستقبلها.

النجاح لمؤتمر باريس 2015

إن المؤتمر 21، أو مؤتمر باريس 2015 سيكون أكبر المؤتمرات العالمية، التي تنظم على الأرض الفرنسية، وسيتوج بإنجاز تاريخي، وتوقيع اتفاقية  ذات أهمية تاريخية. وهذا بالطبع ما يرتب على فرنسا مسؤولية حسن تنظيم اجتماع بهذه الضخامة، ربما يزيد عدد المشاركين فيه العشرين ألفا، من مندوبين ومراقبين وصحافيين، سيجتمعون تحت مظلة الأمم المتحدة. ومن جهة أخرى، وهنا المسألة اكثر دقة وحساسية ومسؤولية، أن تلعب فرنسا، ومن خلفها الاتحاد الاوروبي، دور ميسر المفاوضات، والعمل على تسهيلها، وتدوير الزوايا، والتفتيش عن مخارج ومساومات مقبولة، وتقريب وجهات نظر المتفاوضين، وصولا للتوافق على صيغة للاتفاق التاريخي وإقراره. كل النجاح لمؤتمر باريس 2015.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This