علي الموسوي لا شكّ أنّ الصحّة هي الإنسان نفسه، يسعى إلى تطويقها بالحماية الذاتية، والحفاظ على نضارتها ونعمها باختيار الطعام المناسب من أجل إطالة العمر والبقاء على قيد الحياة، ممّا يعني أنّ الصحّة مرتبطة بأساس وجود الإنسان، ولذلك كانت الدعوات، والقيم، والأمثولات والمقولات الدينية والدنيوية، تحفّز على الإهتمام بالصحّة من نواحي النوعية، والجودة، والنظافة، والطهارة الروحية والجسدية، والابتعاد عن كلّ ما يمكن أن يلوّثها بالأوبئة، والأمراض، والجراثيم، سواء أكان ناتجاً عن الطبيعة والبيئة المحيطة بالإنسان بمختلف وجوهها وصورها، أو الطعام، والشراب، والحدّ الأدنى من الكفاف. بين الشهيّة والشراهة ومقابل الحرص على صحّة سليمة ومثالية تفتح الشهيّة على السعادة والرفاهية العقلية والتمتّع بخيرات الحياة، يوجد على الضفّة الأخرى، إندفاعٌ كبيرٌ وشراهة خيالية من الإنسان نفسه إلى تمزيق هذه الصحّة وإحراقها بعُود وصوليته، بهدف إشباع جشعه لتحقيق مكاسب مالية كبيرة وثروات باتت توأم روحه، إذ يعمد إلى سلوك أساليب ملتوية وغير قانونية تحرّمها الشرائع السماوية والإنسانية مثل تشويه البيئة التي يعيش فيها، وتدميرها عبر تلويثها بالسموم، والانبعاثات الغازية، ومخاطر الإكثار من استعمالاتها اليومية، وأيضاً مثل السعي إلى إغراق الأسواق الاستهلاكية بالأصناف الغذائية المقلّدة التي تفتقد إلى أدنى مقوّمات الجودة، وتضرّ بالصحّة، وتسبّب أمراضاً معدية، وحالات تسمّم، قد يخسر معها الإنسان راحته، ثمّ حياته، ولو بشكل تدريجي. تشابه وتمايز ولذلك، فإنّ كثيراً ما تنتشر في عدد لا بأس به من المؤسّسات والمحال التجارية المختصة بالبيع بالجملة والمفرّق، أنواعٌ عديدة من المواد الغذائية والمنتجات المتشابهة إلى حدّ كبير من ناحية المواصفات الخارجية، ولكنْ مع اختلاف مماثل في النوعية الداخلية الموضّبة داخل العلبة، أو الكيس، أو المظروف، أو القنّينة أو الصفيحة، ومع فارق نوعي وجوهري في العلامة التجارية التي تبقى حكراً على صاحبها، وصائغها، وواضعها، غير أنّ هذا التمايز لا يكون لمصلحة المستهلك في أحيان كثيرة، ممّا يسلبه القدرة على التمييز بينها، ويوقعه في المكائد المنصوبة له، فلا يعود يعرف الجيّد من الرديء، ولا النافع من الضار، ولا المفيد من الملوَّث والقاتل. بصمة العلامة التجارية ومن البديهي أنّ العلامة التجارية تؤثّر في شكل مباشر في حدوث التميّز، وخصوصاً مع ذيوع صيت المنتج الموضوعة عليه، وسمعتها وكثرة تداولها على مرّ الأيّام والسنين بين المواطنين، نتيجة جودة هذا المنتج وسعره، حتّى أنّها تصبح بصمة تلازمها وتحقّق تمايزها عن سواها من العلامات التجارية الموضوعة على سلع وبضائع أخرى، ولكن هذا لا يعني أنّه لا يمكن مقاربة هذه العلامة وتقليدها إلى حدّ كبير، من دون المساس بخصوصيتها، ممّا يوقع المستهلك ضحية عملية غشّ مقصودة تبغي الربح الوفير، على حساب صحّته، وسلامته، وماله، وتضرّ بالمُنْتَج الأصلي فتنزل به خسائر مادية، وقد تحمل في طيّاتها آثاراً سلبية على صحّة الإنسان بسبب افتقادها إلى الجودة الصحيّة المطلوبة في تركيبتها ومحتوياتها، ولاسيّما إذا ترافقت مع غياب الرقابة الذاتية من الإنسان نفسه أوّلاً، ومن أجهزة الدولة الرسمية المعنية بحماية المستهلك ومكافحة الغشّ، والتهريب، والتقليد ثانياً. تفعيل الهيئات الرقابية ولا غنى عن تفعيل واجبات الهيئات الرقابية للبقاء في جهوزية تامة، “لمطاردة” أيّ منتج جديد يقلّد القديم الأكثر شهرة وتداولاً والمحفوظ لدى الناس عن ظهر قلب، والعمل على إخضاعه للفحص المخبري الضروري قبل السماح بتوزيعه على الأسواق، وذلك من أجل التحقّق من سلامته، وعدم احتوائه مواد مؤذية وضارة، والقيام بجولات مستمرّة وليست موسمية أو سنوية، على أماكن تخزين البضاعة في المستودعات، ومعرفة ما إذا كانت صالحة لاستقبال المواد الغذائية مهما تعدّدت أصنافها، أم لا، لأنّه لا يجوز وضعها بطريقة عشوائية، وكيفما اتفق كمن يريد التخلّص من أمر لا يعنيه، وبالتالي فإنّه من واجب الدولة السهر على إلزام الشركات، والمؤسّسات، والتعاونيات، والمحال، والدكاكين، والتجّار بأن تكون المستودعات وأماكن التخزين سليمة، ونظيفة بنسب عالية، وخالية من النفايات وبقايا المرتجعات والإتلاف، تحت طائلة التهديد بإقفالها وختمها بالشمع الأحمر، وملاحقة المسؤولين عنها أمام القضاء. ولا يطال التقليد المواد الغذائية وحسب، وإنّما الدواء، وأدوات التجميل، والعناية بالبشرة، ومساحيق الغسيل والتنظيف والتلميع، والثياب، ولا شكّ بوجود تداعيات متنوّعة لها على صحّة الإنسان تصل إلى درجة التهديد بالأمراض والموت. تدابير وقائية وتوعية جنائية وتأسيساً على ما تقدّم، فإنّه لا بدّ من اتخاذ تدابير وإجراءات وقائية تحول دون توسّع رقعة المواد المُقلَّدة والتي تضرّ بالصحّة العامة وببيئة الإنسان، تكون على هيئة توعية جنائية إستباقية للمضار، وذلك على الشكل التالي: أولّاً: قراءة مكوّنات المنتج بدقّة، ومحاولة تجنّب البضاعة التي تحتوي على مواد حافظة، والتحقّق من تاريخ الصنع ومدّة الصلاحية، وإسم الشركة المنتجة ومكانها الجغرافي، ومكان التصنيع، إذ أنّ هناك بضاعة تعلّب وتصنّع في أحياء مهملة من بيروت وضواحيها ويكتب على أغلفتها إسم دولة عربية أو غربية، أو يجري اقتطاع الاسم التجاري للشركة الأصلية كون البضاعة مهرّبة تمهيداً لبيعها، أو وضع إسم تجاري معيّن عليها كماركة تجارية عالمية معروفة فيما هي تكون مصنّعة في معمل أو مصنع داخلي وبجودة أقلّ. أسعار يسيل لها اللعاب ومن المفارقات أنّ هناك تعاونيات كبيرة تضع البضاعة الآيلة مدّة صلاحيتها إلى الانتهاء، قرب صناديق الدفع، وعند مداخلها وبأسعار متهاودة جدّاً تُغري المستهلك ويسيل لها اللعاب وخصوصاً لدى الفقراء، وأصحاب الدخل المحدود، وأرباب العائلات الكثيرة الأفراد، فيُقْدِمون على شرائها، من دون أن ينتبهوا إلى أنّ الفائدة الصحيّة المتوخّاة منها، إنتفت كلّيّاً، ولم تعد سوى مادة لسدّ الجوع، وملء البطون، وأكثر من ذلك فقد تجلب لهم آلاماً غير متوقّعة تظهر نتائجها لاحقاً. ومن الضروري جدّاً توعية الفتيان والفتيات وصغار السنّ من الأولاد والبنات عند إرسالهم لشراء أيّ منتج غذائي، أن يبادروا من تلقاء أنفسهم إلى قراءة تاريخ الصلاحية، ومهما كان صنفه، وعدم السماح للتاجر بأن يدسّه في الكيس فورا. ثانياً: إنّ سعر المنتج هو الشمّاعة التي يمكن جذب الناس لشرائه، ولكنّ رخص الثمن ليس مدخلاً صحيحاً دائماً لتمييز السلعة الأصلية عن المقلّدة، إلاّ في حالة الاشتباه والشكّ، إذ أنّ هناك سلعاً رخيصة من تلقاء صانعها نتيجة رغبته وقناعته في اعتماد سياسة تخفيض الأسعار مقابل بيع الكثير منها، وهو ما يعوّض عليه عملية ارتفاع السعر والإحجام عن شرائها. إبعاد البضاعة عن الشمس ثالثاً: يتوجّب على كلّ صاحب مؤسّسة تجارية تتعاطى بيع المواد الغذائية على سبيل المثال، أن يعرض أصنافاً منها في أماكن بعيدة عن الشمس كونها لا تتحمّل تبعات هذا العرض المؤذي والمضرّ والجالب لمرض السرطان بحسب الدراسات الطبّية العالمية، كما أنّه لا يجوز وضع عبوات المياه البلاستيكية تحت أشعة الشمس، أو يمكن أن تصل إليها، بسبب ضررها الكبير الناتج عن خطورة مكوّنات مادة البلاستيك وتحلّلها مع الماء بفعل حرارة الشمس. وكثيراً ما لا يتفادى التجّار هذه المغالطة الفادحة، ولا يبالون في ما قد تجرّه من ويلات على المستهلكين، متوسّلين عرض البضاعة لتحقيق المكاسب المالية التي تتقدّم على أهميّة الإنسان لديهم مع أنّه من أبناء جلدتهم. كلمة القضاء رابعاً: المبادرة إلى الاتصال بالهيئات الرقابية المعنية سواء في وزارة الاقتصاد والتجارة، أو وزارة الصحّة العامة، وإرشادها إلى المؤسّسة التي تبيع بضاعة مقلّدة، أو منتهية الصلاحية، لاتخاذ الإجراءات القانونية المرعية بتسطير محاضر ضبط بحقّ المخالفين وإحالتهم على القضاء المختص حيث الحكم للقانون بالإدانة والتجريم. ولا مجال للشكّ أنّ التوعية الجنائية، والملاحقة القضائية، تخفّفان من أضرار الأغذية المُقلَّدة على الإنسان، وتشجّعان على مكافحتها بكلّ السبل من أجل الوصول إلى صحّة ممتازة.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This