لبنان، على طريق التصديق على اتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق، وحسن تطبيقها

د.ناجي قديح |

بدعوة من منظمة إندي آكت IndyACT اللبنانية عقد بتاريخ 21 أيار 2015 مؤتمر وطني، خصص لبحث التصديق السريع على اتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق، وحسن تطبيقها على المستوى الوطني. شارك في هذا المؤتمر: وزارة البيئة اللبنانية ممثلة بالدكتورة سابين بركات، ونقابة أطباء الأسنان في لبنان ممثلة بالدكتور عاطف نهرا، ونقابة أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان ممثلة بالسيدة منى حداد، وأساتذة جامعيون وطلاب ماجستير، والمجتمع المدني ممثلا بعدد من الجمعيات الأهلية، وإتحاد المقعدين اللبنانيين، وتحالف صفر نفايات، والتجمع اللبناني لحماية البيئة، والحركة البيئية اللبنانية، وعدد من الجمعيات البيئية، المهتمة بموضوع الزئبق.

إن هدف الاتفاقية، كما هو محدد في مادتها الأولى، هو “حماية صحة الإنسان والبيئة من الانبعاثات والإطلاقات، البشرية المنشأ، للزئبق ومركبات الزئبق“. وهذا بالطبع كان الموضوع الرئيسي للمؤتمر، حيث تم عرض ومناقشة أهمية تصديق لبنان على اتفاقية ميناماتا، والبحث في ضرورات وضع الأطر والسياسات والخطط، التي تتيح مشاركة جميع الفرقاء المعنيين بتطبيق هذه الاتفاقية، بكل موادها وبنودها والتزاماتها، المتعلقة بما هو خاص بلبنان، ونشاطه الاقتصادي، الصناعي والتجاري والاستهلاكي، في مختلف قطاعاته، المستعملة لمنتجات تحتوي على الزئبق.

وتتابع منظمة إندي آكت IndyACT كل دورات التفاوض الدولي، من أجل وضع اتفاقية دولية قانونية ملزمة بشأن الزئبق – اتفاقية ميناماتا، وتشارك بصفة مراقب، في كل المؤتمرات والاجتماعات وورش العمل الدولية، والإقليمية وما دون الإقليمية، لآسيا وإفريقيا، والدول العربية، والبلدان الإفريقية الفرنكوفونية. وهي تسعى لإيجاد أطر للتعاون والاتصال على المستوى الوطني مع كل الأطراف المعنية. على المستوى الرسمي، من الوزارات المعنية بمتابعة وتطبيق هذه الاتفاقية، ولا سيما وزارة البيئة، السلطة المختصة، وكذلك وزارة الصحة، ووزارة الاقتصاد والتجارة، ووزارة الصناعة، ووزارة المالية (الجمارك). وكذلك القطاعات الاقتصادية المرتبطة، بشكل أو بآخر، باستيراد واستعمال منتجات تحتوي على الزئبق، تعنى بها الاتفاقية، وتضع مهلا زمنية لوقف تصنيعها، وتداولها في التجارة الدولية، واستعمالها. وخصوصا قطاع الرعاية الصحية، المستشفيات والعيادات الطبية، ومراكز وعيادات طب الأسنان. وهنا يبرز دور نقابة المسشفيات، ونقابة أطباء الاسنان في العمل المتواصل على التخفيف التدريجي لاستعمال الأجهزة الطبية، وأجهزة القياس، التي تحتوي على الزئبق، مثل موازين الحرارة وموازين الضغط وغيرها، وصولا إلى التوقف الكامل عن استعمالها في حلول 2020. وكذلك التخفيض التدريجي لاستعمال الزئبق في ملغم الأسنان، والعمل على التوسع باستعمال البدائل المتوفرة والآمنة والفعالة ومقبولة الكلفة. وفي كل هذه العملية الواسعة على المستوى الوطني، يبرز دور كبير وفعال لمنظمات المجتمع المدني، المهتمة والمتابعة، وذلك بتحفيز التآزر بين كل الأطراف المعنية، رسمية وقطاع خاص ومنظمات مهنية معنية، وكذلك أوساط وفئات واسعة من المجتمع. بوسع منظمات المجتمع المدني أن تقوم بنشر الوعي والمعرفة ونقل المعلومات لأوسع الأوساط، المعنية مباشرة بالحماية من مخاطر التعرض للزئبق.

وكان هذا المؤتمر الوطني مناسبة لتبادل الخبرات والمعلومات والتجربة، وللتفكير المشترك في آليات تنشيط التعاون القائم فيما بين الأطراف المشاركة. وذلك لتحقيق هدفين مباشرين: الأول، يتعلق باحتضان وتسريع عملية تصديق لبنان على هذه الاتفاقية، والثاني، يتعلق بتيسير تطبيق الاتفاقية، ونشر الوعي حول أهمية حماية صحة الإنسان والبيئة من مخاطر الزئبق، كعامل سام وخطير على الجهاز العصبي المركزي وغيره من أجهزة ووظائف الجسم، وكملوث خطير وثابت، قادر على التنقل من وسط بيئي إلى آخر، وعلى التحول من حالة كيميائية إلى أخرى، وهو في كل حالاته سام، ويهدد الصحة العامة. ومركباته العضوية، مثيل الزئبق وثنائي مثيل الزئبق، وهي ملوثات للأوساط المائية، عالية السمية، وقادرة على التراكم الحيوي في أنسجة ثمار البحر والأسماك، وبالتالي تهدد السلامة والصحة العامة، من خلال دخولها للسلسة الغذائية، مسببة حالات خطيرة من التسممات الغذائية.

وكان هذا المؤتمر، مناسبة للتعرف على رؤية وسياسة وخطة وزارة البيئة، حيال دفع وتسريع عملية التصديق على الاتفاقية، وانفتاح الوزراة على التعاون مع الأطراف المعنية، رسمية وخاصة ومهنية ومن المجتمع المدني، من أجل التطبيق الفعال والناجح للاتفاقية، وتحقيق أهدافها في حماية صحة الإنسان والبيئة. وشرحت ممثلة الوزراة، المشاريع ذات العلاقة، التي تم تنفيذها في الوزراة، وتلك، التي يتم الإعداد لها، لكي تنفذ في المرحلة القادمة. وكانت المعلومات، التي قدمها ممثل نقابة أطباء الاسنان، هامة وإيجابية ومطمئنة، وتشير إلى تفهم النقابة، وعموم أطباء الأسنان في لبنان، لضرورة التخفيض التدريجي لاستعمال الزئبق في ملغم الأسنان، وتشجيع استعمال البدائل الآمنة والفعالة، والاستفادة من تجارب وخبرات الدول الممتقدمة في هذا المجال، ولا سيما منها البلدان، التي أوقفت بالكامل استعمال الزئبق في طب الأسنان. وكانت أيضا، مداخلة ممثلة نقابة المستشفيات غنية بالمعلومات، بشأن الاستمرار في تخفيض استعمال أجهزة القياس، المحتوية على الزئبق، واستبدالها بتلك الخالية من الزئبق. و يتابع هذا المسار بنجاح في كثير من مستشفيات لبنان. واشارت إلى الحاجة للتعاون مع الوزرارات المعنية، والمنظمات غير الحكومية، التي تتمتع بالخبرة في مجال الإدارة السليمة للنفايات المحتوية على الزئبق، والبحث عن حلول مستدامة لموضوع التخزين المؤقت الآمن للنفايات المحتوية على الزئبق. وقد أبدى كل الأطراف رغبة أكيدة بالتعاون، والعمل يدا بيد، وكتفا على كتف، لتحقيق تقدم مستمر في إدارة سليمة للزئبق ومخلفاته، ولتطبيق ناجح وفعال للاتفاقية على المستوى الوطني.

وفتح نقاش جاد ومسؤول، شارك فيه كل المجتمعون، وركز الجميع، من اساتذة، وطلبة ماجستير، وممثلين عن المنظمات غير الحكومية، والتحالفات والتجمعات والحركات، الناشطة في مجال حماية البيئة وصحة الإنسان، على ضرورة التعاون بين كل الاطراف، والمستويات، والقطاعات. وعلى ضرورة رسم خطة وطنية، تتكامل فيها جهود الجميع، من أجل النهوض بلبنان، في مجال التحكم بالزئبق، وبالمنتجات المحتوية على الزئبق، وبالنفايات التي تحتويه.

وتوافق الجميع على متابعة الجهود الوطنية في هذا الاتجاه، والاستمرار في الاتصال مع كل الجهات المعنية، والتي لم تتمكن من مشاركتنا هذا الحدث الهام، لتنضم جميع الوزارات المعنية الأخرى، وجميع القطاعات الاقتصادية، ذات الصلة في هذا النشاط، لتبادل المعلومات والخبرات، والتعاون فيما بيننا جميعا، لما فيه خير لبنان، وحماية صحة أبنائه، وبيئته من مخاطر الزئبق ومركباته.