أنور عقل ضو |

إذا ما تتبعنا مسار المحادثات الممهِّدة لمؤتمر المناخ في باريس (30 تشرين الثاني – 11 كانون الأول 2015) نجد حجم الإشكاليات العالقة، وهي تحول دون إمكانية التوصل إلى اتفاق الحدّ الأدنى المفترض أن يدخل حيّز التنفيذ بداية العام 2020، مع وقت ضائع في مرحلة إنتقالية تظل مشرعةً على كافة الاحتمالات من بوابة المصالح المرتبطة باقتصاد الدول، ما يعني أن الانبعاث العالمي للغازات المسبّبة للاحتباس الحراري سيأخذ منحى دراماتيكيا حتى في حال الوصول إلى اتفاق إطاري ملزم. فضلا عن أن المؤتمر أساسا، وفي أهدافه المعلنة لم يرقَ إلى مستوى المخاطر المحدقة.

كما أن مؤتمر المناخ في ليما (2014) للحد من الاحتباس الحراري والذي سيُعتمد كوثيقة أساسية في المفاوضات المتوقعة في مؤتمر باريس، والذي يهدف إلى الحد من انبعاث الغازات بنسبة تتراوح بين 40 و70 بالمئة من الآن حتّى سنة 2050 يعتبر غير كافٍ، واعتُبر خطوة خجولة في الطريق إلى مؤتمر باريس، مع ما نشهد من ظواهر مناخية متطرفة، من أعاصير غير معهودة من قبل وموجات جفاف تهدد ملايين البشر وفيضانات وانجراف قرى بأكملها، وغيرها من كوارث فرضت نوعا جديدا من الهجرة تحت مسمىالهجرة البيئية، ما يفاقم الأزمات الانسانية في كل أصقاع الأرض، حتى الدول المتقدمة ليست في منأى عن تداعيات التغير المناخي، بدليل ما تشهده ولاية كاليفورنيا الأميركية وهي تواجه موجة من الجفاف منذ أربع سنوات بسبب النقص الحاد في المصادر المائية، فيما كانت في ثلاثينيات القرن الماضي قِبلة المهاجرين بسبب وفرة مياهها وخصوبة أرضها في تلك الفترة.

بهذا المعنى، يبدو مؤتمر باريس المرتقب قاصرا عن مواجهةالهجرة البيئيةالناجمة عن التغيرات المناخية وأخطرها ارتفاع مستوى البحار والمحيطات الناجم عن ذوبان الجليد القطبي بفعل ارتفاع درجات الحرارة، وتسارع موجات الجفاف.

فتدهور البيئة يؤدي إلى تقلص الإنتاج الغذائي وتراجع مستوى ظروف العيش، ويلخص العالم الديموغرافي الفرنسي الكبير ألفريد صوفي Alfred Sauvy إشكالية الهجرة بوجهٍ عام على النحو الآتيإما أن ترحل الثروات حيث يوجد البشر وإما أن يرحل البشر حيث توجد الثروات، بمعنى أنالهجرة البيئيةتمثل أيضا تحدٍ أمام البشر في سعيهم إلى تأمين حد أدنى من الاستقرار الاقتصادي هربا من الكوارث المرتبطة بعوامل المناخ.

صحيح أن الإنسان شهد منذ مئات الآلاف من السنين هجرات لا تحصى، لكنها كانت ناجمة عن عوامل طبيعية (زلازل وبراكين)، حتى أن عشائر القبائل كانت تعيش هجرة مستمرة بحثا عن الماء والكلأ قبل أن تنتظم في مجتمعات حضرية ومدينية. لكنها المرة الأولى في التاريخ نشهد فيها هجرة بيئية ناجمة عن فعل الإنسان بسبب استنفاد موارد الأرض، حتى أنالمنظمة الدولية للهجرةاعترفت جهارا بأن التغير المناخي قد يكون سببا للهجرة، فضلا عن أن الدول الأعضاء في المنظمة وافقت في عام 2007 على تعريف مصطلحالمهاجرين البيئيين، وقبل ذلك عرّف برنامج الأمم المتحدة للبيئةاللاجئين البيئيينعلم 1985 بأنهم الأشخاص الذين أجبروا على مغادرة سكنهم التقليدي مؤقتاً أو بصفة دائمة بسبب اضطراب واضح للبيئة (طبيعياً أو بفعل تدخل الإنسان) وعرّض وجودهم وحياتهم للخطر“.

وفي العام 2013 أثارت قضية إيونا تايتيوتا Ioane Teitota من جزيرة كيريباتي الرأي العام العالمي، كونه أول من تقدم بطلبلجوء بيئيلنفسه ولأسرته إلى نيوزيلندا، على خلفية المعاناة من تبعات التغير المناخي، خصوصا وأن أسرته فقدت كل إمكانيات بناء مستقبل لها في وطنها نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر. إلا أن هذه الظاهرة آخذة في الاتساع وهي تطاول دولا بعينها، فعلماء البيئة والمناخ أكدوا ان كبريات المدن الواقعة على سواحل البحار والمحيطات ستغرق تحت الماء بسبب ذوبان الجليد القطبي، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة في العالم، مع استمرار انبعاث غازات الاحتباس الحراري بنفس المستوى الحالي، ومن هذه المدن ذكر العلماء شنغهاي، البندقية، أمستردام، هامبورغ، سان بطرسبورغ، لوس أنجلس، سان فرنسيسكو، نيويورك، لندن وغيرها، فضلا عن بعض الجزر مثل جزر المالديف، في حين وضع العلماءالدول الجزريةوعددها ينوف على الـ 50 على قائمة الجزر المهددة بالغرق، وأهمها: أنتيغوا وبربودا، جزر البهاما، البحرين، ناورو، بالاو، جزر المالديف، كوبا، جزر مارشال، سورينام، تيمور الشرقية، فيجي، تونغا، وفانواتو.

وسط هذا المدى القاتم، يؤثر زعماء العالم التغاضي عن الأخطار المحدقة وباتوا من الآن أسرى نقاشات لن تفضي إلى ما هو مرتجى في الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وفي رسم صورة كاريكاتورية ومقاربة الوجع بطريقة ساخرة، فإن المطلوب إجراءات سريعة كي لا يصبح المؤتمرون في باريسمهجري مناخ، في ما لو حدثت كوارث بيئية خلال انعقاد المؤتمر تمنع بعضهم من العودة إلى بلادهم!

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This