حازم أيوب |

حريق مستودعات قاروط ليس الأول. لقد سبقته حوادث مماثلة آخرها الحريق الذي اتى على محتويات مكتبة في شارع مار الياس في بيروت، وقبله حريق في برج البراجنة وقبله آخر في عين الرمانة… ولا ضمانات على أن مثل هذه الحوادث لن تتكرر، وخصوصا أن لا ضوابط تمنع اعتالطوابق ما تحت الأرضية مستودعات لمواد قابلة للاحتراق والانفجار، ولا حملات تفتيش على وسائل السلامة وشروط الأمان، شبيهة بمهرجان “حملة سلامة الغذاء”، المتواصل.

حريق مستودعات القاروط نذير جديد على خطر يجاور مئات ألوف اللبنانيين في مساكنهم. وقد تكشف عن حقيقتين، كل منهما أكثر مرارة من الأخرى:

الحقيقة الأولى، هي أن هذه المستودعات تبقى واحدة من آلاف غيرها الموجودة في ملاجئ معظم، إن لم يكن جميع البنايات السكنية في بيروت وضواحيها، وسائر المدن اللبنانية، وهي بمثابة حقل ألغام قابلة للانفجار في كل لحظة، وأن ما يقال عن “تمتع” بعض من هذه المستودعات بوسائل حماية وأمان، لا يعتد به.

لم تقتصر الخسائر الناجمة عن الحريق على التهامه كامل محتويات المستودعات، التي لا شك ان قيمتها المادية كبيرة جدا، بل طالت منازل ومحلات مجاورة، تضررت مباشرة أو من خلال اضطرارها للإقفال، كما تعطلت حركة السير على الاوتستراد المحاذي للمستودعات.

شملت الخسائر أيضا موجة التلوث الخطِر الناجم عن احتراق ما كان داخل المستودعات، من الأواني البلاستيكية والمنظفات السائلة ومستوعبات الدهانات، والمواد الكيماوية المختلفة الداخلة في العديد من السلع الأخرى داخل المستةدعات، التي يوجد فيها، كما في محلات البيع التي تتزود منها بالبضائع، “شو ما بدّك وشو ما يخطر ع بالك”، وفقا لليافطة التي يرفعها أصحاب هذه المحلات.

الخطر المقيم

لكن ما تتكشف عنه حادثة الحريق هذا يبقى أبعد أثرا، كونه يتعلق بخطر مقيم يسكن معظم، إن لم يكن جميع البنايات في بيروت وضواحيها وكل المدن اللبنانية تقريبا، مع تحول ملاجئ هذه الأبنية إلى مستودعات، تغلب على موجوداتها المواد الاستهلاكية والصناعية سريعة الاحتراق، حيث الأخشاب والدهانات تتجاور في البعض منها، كما تتجاور سوائل التنظيف ومواد التلصيق والورق المصنّع مع الأواني البلاستيكية في بعضها الآخر… وما هب ودب من منتجات قابلة للاحتراق السريع والانفجار.

الحقيقة الثانية

الحقيقة الثانية، أن الأجهزة المعنية بمكافحة الحرائق ومعالجة ذيولها، وخصوصا لجهة حماية الناس من شرورها، عاجزة عن القيام بدورها، وهي في وضع مزر بل مخجل، يشكل إدانة دامغة للتقصير الرسمي.

لقد كان مشهدا محزنا، أن تجد رجال الإطفاء يحاولون على مدى يومين متواصلين إخماد الحريق، الذي اندلع عصر الجمعة 562015، وبقي حتى ما بعد ظهر الأحد 762015 تتجدد نيرانه ساخرة من الجهود المضنية التي كان يبذلها رجال الإطفاء والدفاع المدني ومواطنون عاديون دفعتهم النخوة للمشاركة…وبرغم كل ذلك، بقيت سحب الدخان تواصل انتشارها، مشكلة سحابات سميكة تبث روائها المزعجة وتلوثها الخطر، بغازاتها المتمازجة من احتراق المواد البلاستيكية والورق المصنع وسوائل التنظيف المصنّعة كيماويا.

كان مشهدا محزنا، أن تذهب جهود كل هؤلاء سدى، بسبب هزالة الوسائل المتوافرة لفوج الإطفاء وللدفاع المدني. وكان الأشد مدعاة للحزن أن سيارات الإطفاء كانت تجدد مؤونتها من المياه مستعينة بصهاريج مخصصة لبيع المياه للمنازل، بينما هي تفتقر إلى المواد اللازمة لإطفاء حرائق البلاستيك والمواد الكيماوية، التي لا تنفع المياه في مكافحتها.

…”الله يستر”!

شكل عدم النجاح في السيطرة سريعا على الحريق الذي كان محصورا في مكان واحد هو المستودعات، دليلا دامغا على غياب الجهوزية المطلوبة، ما ينذر بالأسوأ في حال حصل حريق أكثر اتساعا، علما بأن عدم توفر المعدات المطلوبة أدى إلى سقوط عنصرين من رجال الإطفاء أثناء مشاركتهما في مكافحة حريق مكتبة مار الياس.

عليه، يُخشى أن “الآتي أعظم”، ونحن على أبواب موسم صيف مرشح لأن يشهد حرائق متنقلة في الغابات، كما في المواسم السابقة.. ولسان حالنا يقول ” الله يستر”!

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This