أنور عقل ضو |
لم ترقَ اللقاءات التمهيدية لمؤتمر باريس للمناخ إلى مستوى الحد الأدنى المأمول في رسم ملامح اتفاقية عالمية جديدة للحد من الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، المفترض أن تدخل حيز التنفيذ ابتداء من 2020، أي عند انتهاء مفعول الالتزامات الحالية، لا بل جاءت مخيبة أيضاً، وما توصل إليه مفاوضو المناخ في بون مؤخرا لم يتعدَّ النقاشات العقيمة على مدى أحد عشر يوما حول صياغة مسودة من 89 صفحة، وأقصى ما تبناه ممثلو البلدان المشاركة كان الموافقة على أن يتولى رؤساء جلسات المفاوضات إدخال تعديلات على النص وتقديمه الى جميع البلدان للموافقة عليها في وقت لاحق من تموز (يوليو) المقبل.
هذا ما توقعه green area، أي التوصل إلى تسوية في اللحظة الأخيرة تُبقي بعضا من آمال عشية انعقاد مؤتمر باريس للمناخ في كانون الاول (ديسمبر) المقبل، إلا أن أحدا لم يعلل أسباب هذا الفشل أبعد من تفاصيل صغيرة احتدم حولها النقاش كاستخدام مصطلح “التزامات – مساهمات متباينة” بشأن الأهداف المتعلقة بخفض الانبعاثات، الذي تريده الصين، أو مصطلح “التزامات – مساهمات – أعمال” الذي نادت به الولايات المتحدة.
المشكلة أعمق وأبعد وأكثير تعقيدا، وتتمثل في أن “الملوثين“، أي الشركات الكبيرة العاملة في قطاعات النفط والطاقة والصناعة كانت “حاضرة” في بون من بوابة مصالح الدول الكبرى، بمعنى أن التعهد بخفض الانبعاثات ستكون له ارتدادات مباشرة على اقتصادات هذه الدول.
ولا نستغرب في هذا المجال أن تقود هذه الشركات حملات تشكك في نظريات الاحتباس الحراري، من خلال مراكز أبحاث وعلماء تم توظيفهم خدمة لأغراضها، ولا نفاجأ أيضا أن بعض أعضاء الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، لم يتوانوا عن عرقلة التشريعات الدولية المتعلقة بتغير المناخ، بدليل أن عالما مثل ريلي دانلوب من جامعة أوكلاهوما اعتبر أن “هذا التشكيك في ظاهرة الاحتباس الحراري ناتج عن عمل مجموعات محافظة وشركات عملاقة على خلق حالة من الإنكار” لنتائج الأبحاث العالمية.
من هنا، فإن مقاربة قضية المناخ من خاصرة الاقتصاد تظهر سبب التلكوء في تبني سياسات خضراء، لا سيما وأن السبب الأهم في تدهور البيئة على مستوى العالم يبقى متمثلا في نمط الاستهلاك والإنتاج غير المستدام، إلا أن هذه المقاربة تطرح في المقابل هواجس كثيرة وتؤرق هذه الدول لجهة ما تتكبده من خسائر ناجمة عن الظواهر المناخية المتطرفة.
وللمرة الأولى بدأت الولايات المتحدة تستشعر القلق إزاء التغيرات المناخية عقب إعصار “ساندي” في العام 2012، وقبل ذلك أكدت دراسة نشرتها “الواشنطن بوست سنة 2010 أن “التغير المناخي الذي تشهده الولايات المتحدة من موجات حر شديدة وعواصف ثلجية غير معتادة تمثل أكبر رد على المشككين بمسألة الاحتباس الحراري“.
ولا بد من الإشارة إلى أن خسائر الولايات المتحدة السنوية في الممتلكات تبلغ نحو 35 مليار دولار بسبب الأعاصير والعواصف الساحلية، فضلاً عن انخفاض إنتاجية المحاصيل 14 بالمئة مما يكبد مزارعي الذرة والقمح خسائر عشرات المليارات من الدولارات، إضافة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى زيادة الطلب على الكهرباء ويكلف المستهلكين ما يصل إلى 12 مليار دولار سنويا.
وهذا يعني أن قياس نجاح مؤتمر باريس يبقى معلقا بين حجم الاقتصاد الحالي للدول الكبرى مع كوارث بيئية بكلفة عالية تسحب نفسها على قطاع التأمين وشركات الإعادة العالمية، أو ترشيد الاقتصاد وتعزيز الاستدامة عبر اعتماد الطاقة المتجددة كخيار أكيد مع كلفة بيئية أقل، أي أن قضية المناخ تبقى ماثلة بإشكالياتها الكبيرة في ميزان الاقتصاد.