أنور عقل ضو |
تبقى الآمال المعقودة على “مؤتمر باريس للمناخ – COP21″ متمثلة في النتائج المباشرة للكوارث الطبيعية التي تتهدد الكوكب وتأثيرها في حياة ملايين البشر، كالأعاصير وموجات الجفاف وما ينجم عنهما من ندرة في الموارد الطبيعية، خصوصا لجهة تراجع الانتاج الزراعي العالمي، مترافقا مع ارتدادات مباشرة على اقتصادات الدول، ما يعني أن قادة العالم سينظرون إلى التغير المناخي بخلفية الاقتصاد، أي بلغة الأرقام والربح والخسارة، أبعد بكثير من معايير أخلاقية وإنسانية.
مثال على ذلك أن “قمة الدول الصناعية السبع الكبرى” (ثمة إشكالية بنيوية لجهة تغييب قوى صناعية ناشئة أزاحت بعض هذه الدول عن قائمة الاقتصادات الأكبر في العالم)، التي انعقدت مؤخرا في جبال الألب البافارية في ألمانيا لم تغفل قضية خفض الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري من جدول أعمالها، لا بل خصص قادتها قسما كبيرا من مناقشاتهم لهذه المعضلة قبيل محادثات المناخ التي تحضر لها الأمم المتحدة في باريس، والدعوة إلى الاتفاق على الحد من ارتفاع متوسط درجات كوكب الأرض بواقع درجتين مئويتين ما قبل مستويات الحقبة الصناعية.
في هذا السياق، لم نفاجأ بتقييم رئيس “مجموعة البنك الدولي“World Bank Group جيم يونغ كيم لمنشور البابا فرنسيس حول تغير المناخ، إذ رأى أنه يبعث برسالة تذكير قوية لنا جميعا بالصلة الوثيقة بين تغيّر المناخ والفقر، لا بل أبعد من ذلك نوه جيم يونغ كيم بتأكيد البابا على “التزامنا الأخلاقي بالعمل لبلوغ هذه الغاية“، فضلا عن رؤيته لتأثير تغيُّر المناخ وما ينطوي عليه من زيادة تواتر الظواهر المناخية العاتية، والآثار المدمرة على الأعداد الكبيرة من الأشخاص الذين يعيشون اليوم في فقر مدقِع على نحو لا يمكن قبوله.
ولا بد من الإشارة إلى أن جيم يونغ كيم الذي حظي بدعم بعض الاقتصادات الصاعدة، ومن بينها روسيا والمكسيك وكوريا الجنوبية، تمكن من الفوز برئاسة “مجموعة البنك الدولي” في وجه منافِسة قوية هي وزيرة المال النيجيرية نغوزي أوونجو إيويلا في 2012، يشدد في توجهاته على تخفيف حدة الفقر كخيار أساس من خلال تحقيق أهداف إنمائية، وهذا ما يفسر رؤيته لظاهرة التغير المناخي ونتائجها على مصادر الغذاء في العالم، ولا سيما في الدول الفقيرة.
ويدرك جيم يونغ كيم جيدا الآثار المترتبة على تغيُّر المناخ، ويرى فيه “خطراً مباشراً ينُذِر بضياع مكاسب التنمية التي تحقَّقت بشق الأنفس خلال العقود الماضية“، لا بل يؤكد أن ثمة إمكانية لبلوغ هدف خفض انبعاثات الغازات الضارة إلى مستوى الصفر بنهاية القرن الحالي، وأن مثل هذه الحلول ستعود بالنفع على أشد الناس ضعفاً وحرماناً في العالم، وإن بدت طموحاته كبيرة، إذ أنه إذا نجحت جهود الدول في مجال خفض الانبعاثات سنكون – بحسب رأيه – “الجيل الأول في تاريخ البشرية الذي يُمكنه إنهاء الفقر المدقع“.
وإذا ما ألقينا نظرة سريعة على ما يشهد العالم من كوارث اقتصادية ناجمة عن تغير المناخ، ندرك حقيقة المخاوف التي تؤرق الدول الأكثر تضررا، ولا سيما الولايات المتحدة، حيث تواجه ولاية كاليفورنيا وللعام الرابع على التوالي اسوأ موجة جفاف منذ 100 عام، أرغمت 38 مليون من سكان كاليفورنيا على خفض استهلاك المياه بنسبة 20 بالمئة، وتسببت في موت 12.5 مليون شجرة في غابات الولاية العام الماضي، مخلفة وراءها كمية ضخمة من الأخشاب الجافة التي يمكن أن تندلع فيها النيران بسهولة في موسم حرائق الغابات هذا الصيف، حتى أن عالم الأحياء في هيئة الغابات الأميركية جيفري مور أشار إلى أنه في “بعض الأماكن لدينا نسبة موت للأشجار تصل إلى 100 بالمئة“.
وأبعد من ولاية كاليفورنيا، وبحسب “الغارديان” فقد ازداد معدل حدوث الكوارث الطبيعية بما في ذلك العواصف والفيضانات والموجات الحارة خمسة أضعاف منذ عام 1970،
وهي تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد، أما الموجات الحارة، فهي بحسب الصحافية الباحثة سوزان غولدنبرغ “العدو الجديد” الذي يواجه شعوب العالم، ولا سيما الدول الفقيرة في آسيا وأميركا الجنوبية.
ولحظت دراسة نشرت يوم الجمعة الماضي في “المجلة العلمية لتغير المناخ“، أن آثار التغيرات المناخية ستؤدي إلى نقص إنتاج العالم من القمح خلال العقود المقبلة، إذا لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة للتكيف مع تقلبات المناخ.
وثمة أمثلة كثيرة تضع العالم أمام تحديات كبيرة وخطيرة، ما يفضي إلى حقيقة أن الخيارات بدأت تضيق، ما يرتب على زعماء العالم مسؤولية إنسانيّة وأخلاقية بالدرجة الأولى للحد من مخاطر هذه الكوارث، ومن هنا يرتدي مؤتمر باريس للمناخ أهمية استثنائية في سبيل التوصّل إلى اتفاقية ملزمة، تحدُّ ليس من التغيرات المناخية وتبعاتها الاقتصادية فحسب، وإنما في تكريس وتحقيق التنمية كخيار وحيد لإنقاذ الكوكب الأزرق.