أنور عقل ضو | مصطلح “الوضع الطبيعي الجديد” الذي ساقه الرئيس الصيني “شي جين بينغ” قبل أسابيع عدة حول دور الإصلاح لضمان نمو أكثر أمناً وأعلى جودة، في تصريحات أدلى بها خلال جولة تفقدية في مدينة تشيجيانغ، بات توجها عاما يهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي أكثر اعتدالا وتوازنا واستدامة، دون التخلي عن الإصلاح والانفتاح، لكن من ضمن حركة التحديث الإشتراكي التي اتسمت بها الصين في سياساتها الاقتصادية المرنة منذ عقود طويلة. لقد بات واضحا أن “العملاق الصيني” يسير بخطوات هادئة في اتجاه التخلي عن نموذج “النمو الاقتصادي بأي ثمن”، وقد كانت له تداعيات خطيرة على البيئة، فالتلوث بلغ مستويات قياسية خطيرة، بعد أن زادت أعداد أصغر الجسيمات المنقولة جوا وأكثرها فتكاً إلى أكثر من أربعين ضعفاً عن معدلات السلامة الموصى بها عالمياً في العام الماضي، حتى أن الضباب الناجم عن تلوث الهواء حجب الرؤية مرات كثيرة في العاصمة بكين، فيما سجلت حالات تلوث كيميائي ناجمة عن مخلفات المصانع وأدى بعضها إلى نفوق الأسماك في الأنهر والبحيرات. وفي رصد للمزاج الشعبي، أظهر استطلاع للرأي مؤخرا أن 80 بالمئة من الصينيين يعتبرون أن حماية البيئة أكثر أهمية من التنمية الاقتصادية، وترافق ذلك مع إجراءات حكومية غير مسبوقة لمواجهة المخاطر الناجمة عن التلوث، فقد أقفلت السلطات أكثر من 3100 ورشة عمل بعد عمليات تفتيش تبين خلالها أنها انتهكت القوانين، فضلا عن أن عدد القضايا التي أحالتها إدارات حماية البيئة إلى الشرطة عام 2014 بلغ 2080 حالة، أي ضعف عددها في السنوات العشر الاخيرة، واعتقل اكثر من 8400 شخص. ويبدو جليا أن الصين تسعى إلى تحسين شروط الإنتاج في مصانعها تبعاً لمعايير جديدة، ولا نستغرب دعوة الرئيس شي جين بينغ إلى نمو اقتصادي أكثر اعتدالا وتوازنا واستدامة، ما يؤكد أن ثمة تحولا في الخطاب الرسمي يراعي الاستدامة، حتى أنها المرة التي تستخدم فيها الصين توصيف الانتهاكات بحق البيئة بـ “جرائم”، ولا نستغرب أن وكالات الادعاء في الصين حققت في حزيران (يونيو) مع أكثر من 2163 مسؤول فى جرائم تتعلق بالبيئة. أبعد من ذلك، سلمت الصين قبل يومين الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون خططها المقترحة وأهدافها المتعلقة بمواجهة تغير المناخ، وقد اعتبر بان كي مون هذه الخطوة “إسهاما مهما في بناء قوة دافعة للتوصل لاتفاقية هادفة بشأن التغير المناخي في باريس”، خصوصا وأن الأمانة العامة للأمم المتحدة تولي أهمية قصوى لخطط الدول التي تتلقاها كمساهمة من أجل الوصول إلى اتفاقية دولية جديدة إطارية للتغير المناخي في المؤتمر المقرر انعقاده في العاصمة الفرنسية. وحددت الصين أهدافها بالحد من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون لكل وحدة من الناتج المحلي الاجمالي بمقدار 60 الى 65 بالمئة من مستوى 2005 بحلول2030 . هي تنوي الوصول إلى ذروة انبعاثات الغاز في 2030 وستبذل كل ما في وسعها للوصول لذلك مبكرا. وتسلمت الأمانة العامة للمعاهدة الإطارية للأمم المتحدة بشأن التغير المناخي حتى الآن وثائق تتعلق بأهداف حول التغير المناخي لما بعد 2020 من ما يزيد على 40 دولة والتي تمثل جميعها اكثر من 60 بالمئة من الانبعاثات العالمية، وحث بان كي مون الدول الأخرى على تسريع استعدادها وتسليمها لوثائق إسهاماتها. مما سبق، يتأكد أن الصين تعمل ضمن المنظومة الدولية في سبيل الحد من التلوث وظاهرة الاحترار، وهي الدولة التي تعتبر واحدة من أكثر الملوثين في العالم، لكنها أكدت في ما خططت وحددت من أهداف أنها لن تبقى على قائمة الدول الأكثر تلويثا، وهذا الهدف يقابله ثمن في الاقتصاد، لكن دون أوهام من أن الصين ستشهد تراجعا اقتصاديا، وهذا ما بدا واضحا في عبارة الرئيس الصيني “الوضع الطبيعي الجديد” أي المواءمة بين التخطيط والعلم وموجبات التطور من جهة ومراعاة التحديات البيئية بإجراءات صارمة من جهة ثانية.