لست دارسة للقضاء، ولا أعرف بالقوانين، ولكنني أعرف أشياء بديهية، كمقولة: “تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين”، وأن هذا القانون وضع لخدمة كل المجتمع كي يستطيعَ أفراده العيش متساوين، وكلّ يأخذ نصيبه من عدالته.

       لكن أرى أن القانون والتشريعات عندنا في لبنان أصبح آنيا تمليه ظروف واجتهادات تخالف المنطق، وتضرب أحيانا بحقوق مجمل المواطنين عرض الحائط، ويهمني في هذا المجال الاضاءة على ما يلي:

في فترة الاحتلال الاسرائيلي للجنوب وغياب الدولة، ارتكبت مخالفات كثيرة ومؤذية في حقل البناء، ما من أحد كان ملتزما بالابتعاد عن الشارع العام وليس ملتزما أيضا بالابتعاد عن جاره شبرا واحدا، وقامت البيوت العشوائية والمحال الارتجالية التي حولت الطرقات إلى أزقة ضيقة يختنق فيها المواطنون والسيارات.

       بعد التحرير قامت الدولة، ومساهمة منها في دعم الجنوبيين بالسماح لهم بالبناء كيفما اتفق، لا “قصر” ولا ابتعاد عن الجيران ولا عن الطريق العام، ولا مواءمة بين مساحة الأرض وعدد الطوابق، ثم أجرت تسوية للأبنية المخالفة أيام الاحتلال، وأصدرت فذلكة قانونية كأحكام “قراقوش”، بأنها لن ترخص للمحال والدكاكين، بل هي تعطي الرخص للسكن فقط. فماذا كانت النتيجة؟ كل المحال المخالفة عمَّر أصحابها فوقها، وأصبح لديهم سكنا من فوق وحانوتا يستثمرونه تحت السكن، ولكم أن تتخيلوا “العجقة” والازدحام، حتى أن كثيرين حفروا في الشارع العام وأنشأوا جورا صحية.

       وأنا ممن يعانون كغيري من تبعات مثل هذه الحلول الارتجالية.

       يبعد بيتي عن الشارع العام مسافة 50 مترا، واشترينا في ستينيات القرن الماضي طريقا من جارنا الذي يقع عقاره على الشارع العام وبنينا جدران الطريق واستخدمناه.

       أثناء الاحتلال الاسرائيلي، قام ابن الجار ببناء بيت كبير على قطعة الأرض محاذيا للشارع العام، وهي طريق عام النبطية – إقليم التفاح وتمر عبر عربصاليم وجرجوع حتى تصل إلى جزين، ولا ابتعد عن بيتنا أيضا، قلنا غدا سيزول الاحتلال وتهدم الدولة هذه الأبنية المخالفة.

بناء جارنا هذا سدَّ علينا رؤية الطريق العام من الجهة اليسرى، وجارنا الآخر سدَّ الرؤية من الجهة اليمنى، فصار لزاما علينا أن نخرج من بيتنا بحذر شديد مخافة أن تأتي سيارة لا نراها فتصطدم بنا أو نصطدم بها.

إضافة إلى البناء المخالف، فقد استعمل جارنا محله لبيع قطع السيارات، وكثيرا ما تأتي السيارات لتشتري من عنده فيصعب علينا الخروج من البيت، إننا محاصرون بحسن تدبير دولتنا التي أقدمت على تسوية مخالفات البناء وقبضت الأموال من المخالفين، أما حقوق الآخرين فضاعت في الاجتهادات وضياع المسؤوليات بين وزارة الداخلية والبلديات.

إنني أتفهم أن تسوي الدولة مع المواطنين المخالفين، أما الآخرون غير المخالفين والذين تضرروا من هذه التسويات فلمن يذهبون ومن يقاضون؟ أوليس من حقهم أن يقاضوا الدولة ويطالبوا بحقوقهم التي أهدرتها بهذه التسويات العشوائية؟ وهل إذا شكا المواطنون المتضررون إلى “شورى الدولة” ينصفهم هذا المجلس؟

هذا من ناحية، وهناك نواح أخرى نرى فيها بعضا من المواطنين أحراراً في أن يرتكبوا أعمالا مسيئة لمن حولهم، ولا يهابون أحدا ولا ينالهم أي عقاب، فمثلا هناك أناس وضعهم المادي حسن ولا يقومون بطلاء بيوتهم، فتراها وسخة متهالكة، ويرمون بمخلفاتهم على جانبي الطريق (أشياء قديمة وردميات) وكأنهم يهوون البشاعة والأوساخ، وهم أحرار في ذلك، وإذا نبهتهم تذرعوا بالحدية الشخصية.

أين هو دور الدولة والبلديات في كل ذلك؟ ولمن يشكو المواطن الصالح؟ أوليس “في القصاص حياة لأُولي الألباب”؟ وإذا أصبح معظم المواطنين بدون ألباب فلمن يشكو المواطن الذي بقي في رأسه شيء من العقل وقليل من اللب.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This