حافظ جريج |
نادي الشراع العالمي، نادي اليخوت العالمي، نادي لا أحد غيرنا، التجارة العالمية ضربت الأدمغة وصنعت الانسان الجديد الذي يحتقر البيئة والتراث، ويخرب حقيقة الطبيعة وحياة البشر ويغير نظام الارض والمناخ.
نادي الحكام الذين يأتون باسم الشعب لخدمة الشعب ثم ينقلبون زعماء لخدمة أنفسهم، يستغلون السلطة العامة والخدمات الخاصة التي قدموها لبعض الناس ليكسبوا هم شعبية مزيفة، يستعملونها لتبرير وتمرير ما شاؤوا من الاحلام التجارية والمشاريع الطاغية.
نادي الاخطبوط السياسي الذي يمد أصابعه المفترسة الى كل ما ترغب شهوات الطمع والاستعلاء والاستغلال في أخلاق المال والسلطة.
الضحايا التي وقعت أو سوف تقع أو كادت أن تقع كثيرة، في بيروت مثلاً: الرملة البيضاء ورأس الدالية والروشة وشواطئ واجهة بيروت البحرية كلها، وسط بيروت الشعبي والكثير من الابنية التراثية والمناطق العقارية المصنفة ذات التنظيم المدني الخاص، فندق السان جورج، حرش الصنوبر، ميدان سباق الخيل، مطار بيروت ومدينة كميل شمعون الرياضية.
الضحايا كثر ساحلاً وجبلاً، لبنان يضيع في أخطاء المشاريع، وما حصل أو ما سوف يحصل في بيروت.
عندنا في أنفه حصل او سوف يحصل، خليج أنفه ورأس أنفه ومسبح أنفه الشعبي “تحت الريح”، في مهب الريح وهذا هو الصيف الاخير!
نادي الشراع العالمي، حلم جميل وعنوان مشروع له فوائد كثيرة.
أما اختيار مكان تنفيذ المشروع فهو “كافر”، لانه يعطل أشياء ذات قيم مقدسة تفوق بكثير قيمة هذا المشروع.
تحت الريح، الصيف الاخير!
نادي الشراع: مشروع صديق البيئة، ولكن!
كله سيكون خيانة عظمى ليس لابناء أنفه الآن، بل لاجيال أنفه كلها منذ ان تكونت هذه البلدة عبر الجيولوجيا الطبيعية والتاريخ البشري.
خليج أنفه مقدس، صورة العيش اليومي بكل تجلياته الاجتماعية والواقعية مع الطبيعة والتاريخ والتراث والحضارة، واي مشروع يستطيع ان ينافس او ان يفاضل الحياة. والموت؟!
أي مشروع عام أو خاص، ليس له حق أو عذر في تفكيك هذا النسيج الجميل، هذا الفرح الاجتماعي وهذا اللقاء الإنساني والروحاني الشعبي الذي تآلف عبر السنين الطويلة من عمر أنفه وتفاعلها مع عجائب البحر والبر، ومع موارد الطبيعة وآثار الشعوب التي عاشت في هذا الموقع الذي وصفه الخبراء الأوروبيون الذين درسوا خصائصه وصنفوه: Site Naturelle et Historique Appréciable( S.N.H.A) à la Méditerranée.
أي أنه موقع طبيعي وتاريخي على البحر المتوسط له قيمة عالية من الاهمية والتقدير، كيف يستطيع القلب والعقل والضمير العبث بكل هذا المجد الذي ما زال قيد الدراسة وإعادة الاعتبار، ثم إطلاق موارده الثقافية في السياحة البيئية والتراثية في شكل لائق ومنسجم ومتوازن مع الأمانة الطبيعية والتاريخية ومع الحقائق العلمية والمقدسات الوطنية!
حلم مستحيل؟ أم تسونامي اقوى من أنفه كلها، وفوق القوانين والمقدسات وسوف يجتاح مدافن تحت الريح ومسبح تحت الريح واثار تحت الريح؟
الاستهانة في استعمال خليج أنفه المقدس، هي إهانة لاجيال أنفه حاضرا ومستقبلاً.
كيف يهون عليكم؟ كيف تسمحون لانفسكم بنقل أعز تراب على وجدان الانسان الحي وأحاسيسه؟ تراب مثوى رفات آبائنا وأجدادنا وأصدقائنا وأحبائنا من الاقارب ومن ابناء هذه البلدة الذين لهم في ذاكرتنا عزة لا تنسى؟
كم من دموع وشموع حارة بكت على هذا التراب، تراب الموتى مقدس وله حرمة على الارض وفي السماء، ويل لمن يتجاوز هذه الحدود.
إذا تجاهلتم غضب الناس ابناء بلدتكم، هل تتجاهلون ايضاً غضب الله؟
وإذا أخذتم رضى الخوارنة والمطارنة على طريقتكم، هل هذا يعني أنكم اقنعتم أبانا الذي في السماء وأخذتم رضاه على طريقتكم الدنيوية؟
رياضة الشراع والمسابقات اللبنانية والدولية والعالمية وشهرة أنفه بهذا الازدهار سيكون له وجه ايجابي انمائياً ومعنوياً، ولكن هذا لا يبرر أن يكون الخليج المقدس ضحية سهلة المنال بمفاعيلها المفترسة:
1-مركز النادي مدرسة جبران مكاري الرسمية (سابقاً) – المبنى القديم.
2-إزالة مدافن تحت الريح المجاورة للمركز ونقلها إلى جوار دير الناطور أو إلى ناعورة الدير عند التلة في الارض التي كانت في الزمان ملاعب لكرة القدم.
3-شق طريق إلى رأس القلعة الذي منه سوف تنطلق مراكب الشراع.
4-تحويل صخور رأس القلعة من وراء بقايا سور الحصن الى شاطئ قمة الراس منصة كبيرة لاستقبال اللاعبين ومعداتهم الرياضية، مع انشاء مركز استراحة وخدمات.
5-هدم الشاليهات لتسهيل مرور طريق المشروع.
كنيسة سيدة الريح في قلب المشروع الغريب ما مصيرها؟ ما مصير الآثار الموجودة تحت المدافن العائلية.
الصورة واضحة:
من مصلحة نجاح المشروع هو تشجيع، وربما تمويل الحفريات الجارية لإبراز أهمية موقع المشروع وإعطائه قيمة إضافية مطلوبة في المواصفات، ليكون المشروع بمواصفات عالمية.
إن الحفريات الجارية في القلعة هي أيضاً لدعم مشروع نادي الشراع بطريقة سرية غير مباشرة، وإزالة المدافن ستكون بقرار من وزارة الثقافة بحجة ضرورة كشف الآثار الدفينة.
مشروع داهية ذو حدين تختلط فيه المصالح الخاصة والعامة في شكل توأمة لا فصل بينها ولا تنافر، وهنا قوة المشروع وامكانية تنفيذه بسهولة إذا لم يعارضه اهالي أنفه بصوت واحد موحد، كما فعل أبناء بيروت في مسبح شاطئ الرملة البيضاء وفي دالية الروشة وفي حرش صنوبر بيروت وغيرها.
فنحن في الحركة البيئية اللبنانية لسنا ضد أشخاص بعينهم بل ضد أعمالهم، ليس في أنفه أو بيروت ولبنان فحسب، بل في أي مكان على كوكب الأرض، وضد أي كان له يد في هكذا مشاريع تغير حياة السكان الاصليين في أراضيهم وشواطئهم ومواردهم التراثية والطبيعية.
أصحاب مشروع نادي الشراع في أنفه – المنطقة الشعبية الاثرية المقدسة، يملكون عقاراً بمساحة كبيرة مع واجهة بحرية عريضة في أجمل شاطئ عند “رأس الناطور”، وهو مناسب لانطلاق المراكب الشراعية وبناء مركزها في شكل ينسجم مع قانون البناء في تلك المنطقة العقارية.
السؤال المنطقي العادل:
لماذا الإصرار على استعمال الأملاك البحرية الشعبية الاثرية المقدسة في خليج أنفه لتنفيذ المشروع وتغيير النمط الاجتماعي للبلدة؟ ولماذا يريدون نقل مدافن تحت الريح الى دير الناطور ولا يريدون نقل مشروعهم الى أملاكهم الخاصة في رأس الناطور؟
البيئة والتراث والموارد الطبيعية حياة نعيشها وليست صوراً نعلقها على الحيطان أو ننشرها على صفحات “الفايسبوك” او نستعملها للديكور والزينة.
أشكر أصحاب المشروع على فكرتهم الرائدة والناجحة، ويفتخر بها لبنان وتزدهر معها أنفه، لكن شكري غير كامل لانني لا استطيع ان اتجاهل La Site Naturelle et Historique Appréciable. ولا استطيع أن ارى حديقة أنفه البحرية – تحت الريح – من دون روادها من أهالي أنفه وكل لبنان.
ولا أستطيع ان أرى “كنيسة سيدة الريح” من دون مدافنها التي هي جزء أساس من روحانيات المكان الاثري ومعانيه المترابطة مع محيطها الحجري والبشري الذي يؤلف كتاب تاريخ أنفه مع أخبار البحر عبر الأزمنة والايام.
السؤال الاول والأخير سيبقى من دون جواب، إلا اذا كانت وزارة الثقافة على درجة عالية من النزاهة والشجاعة والثقافة:
حين وهب جبران حنا مكاري “مدرسة المساواة الوطنية” التي أسسها في أنفه قبل أكثر من قرن من الزمن، كتب شروطاً في وصية من سبعة بنود، في واحد منها الشرط الأهم بالنسبة إلى أصحاب “مشروع الشراع”، وهو:
إذا لم تعد البلدة بحاجة الى هذه المدرسة، ترجع الملكية الخاصة إلى الورثة.
عادت الملكية الآن إلى ورثة الواهب جبران مكاري بعد ان أنشأت وزارة التربية مدرسة جديدة وكبيرة في أنفه.
فيا وزارة الثقافة مع التحية والرجاء التفكير الجاد بما اقول الآن:
بناء المدرسة الذي عاد الى الورثة، هو مبنى حجري تاريخي عمره أكثر من مئة سنة، وهو على حدود المنطقة الأثرية البحرية في أنفه.
بعد أن انطلقت اعمال التنقيب العلمي الأثري في المنطقة المصنفة المعروفة باسم “القلعة” و”تحت الريح”، وبعد أن تم اكتشاف الكثير من المعالم واللقى والحقائق والاسرار العظيمة، وبعد ان تم انشاء متحف أنفه الاثري في جامعة البلمند. وبناءً على كل هذا الفكر الثقافي والمصلحة العامة في أنفه احملهما واتوجه اليكم بطلب موضوعي ومنطقي علكم توافقون معي على ضرورة تنفيذه:
لماذا متحف آثار أنفه في جامعة البلمند وليس في أنفه؟
لماذا لا يكون المبنى التراثي الذي كان سابقاً مدرسة جبران مكاري الرسمية؟ لماذا لا يكون هو مبنى المتحف لآثار أنفه كونه قريباً من موقع الحفريات وكونه بناءً تراثياً كبيراً من غرف كثيرة واقبية وقناطر وقاعة يسمونها “الدار”، مساحتها تستوعب الاحتفالات الكبيرة والمعارض والاستقبالات.
لماذا لا تشتري وزارة الثقافة هذا المبنى المناسب والمكمل لأعمال التنقيب والدراسات والمعارض والندوات التقافية.
يا وزارة الثقافة مهما كان الثمن يبقى هيناً “كرمال عيون أنفه”، وما ينقص يكمله أهالي أنفه الكرام في الوطن والمهجر.
أنفه تناديك يا وزارة الثقافة الجليلة، هي بحاجة إلى هذا المبنى أكثر من حاجة أصحابه اليه، أما مشروع “نادي الشراع” العظيم فيمكن تنفيذه في مكان آخر اقل تخريباً لنظام حياة أنفه واهلها!