الدكتورة مارغريت تشان* |

بينما كانت البلدان تستعد في عام 2009 للتفاوض في كوبنهاغن بالدانمرك على معاهدة بشأن المناخ العالمي صدر على الغلاف الأمامي للجنة لانسيت الأولى المعنية بالصحة وتغير المناخ تحذير قوي جاء نصه كما يلي: “تغير المناخ هو أكبر تهديد للصحة في القرن الحادي والعشرين”. ولكن لم ينتبه أحد إلى هذا التحذير: فالاتفاق العام جاء دون مستوى الطموحات، ولم تلفت مسألة الصحة النظر إلا بغياب ذكرها عن المفاوضات. ومع ذلك فإنه على المدى الطويل وضعت اللجنة بصمتها، وأسهمت في إشراك مجتمع الصحة في الأمر على نحو تدريجي ولكن متزايد. ومع استعداد البلدان مجدداً للتوصل إلى اتفاق، في باريس بفرنسا في كانون الأول/ ديسمبر 2015، بشأن تغير المناخ نجد أن صوت الصحة أصبح أعلى وأوضح، ويصغي له أكثر فأكثر زملاؤنا الذين يقودون المفاوضات.

ومن ثم فإن لجنة لانسيت الثانية تجيء في وقت مناسب للغاية. وهي موضع ترحيب، وليس ذلك فقط من أجل ملخص البينات ولكن أيضاً لنطاقها الواسع الذي يحدد الصلات بين القرارات الخاصة بالمناخ والصحة والاقتصاد والطاقة. كما أنني أهنيء اللجنة على مجموعة توصياتها الشاملة والطموحة والاستشرافية، وأشجع وزارات الصحة الوطنية وجميع المهنيين الصحيين على أن ينظروا في كل توصية منها بعناية. وأود أن أخص بالذكر ثلاث توصيات منها ستكون مساهمة المنظمة فيها مساهمة مباشرة ومحددة.

والتوصية الأولى هي تعزيز تمويل النظم الصحية القادرة على الصمود أمام تغير المناخ في جميع أنحاء العالم. ومع وضع عدد قليل فقط من عوامل الخطر في الحسبان، وبافتراض التقدم المستمر في النمو الاقتصادي وحماية الصحة، أشارت تقديرات المنظمة إلى من المرجح أن يظل تغير المناخ يتسبب في نحو 250000 وفاة إضافية سنوياً بحلول الثلاثينات من القرن الحادي والعشرين. وأفضل دفاع في هذا الصدد هو نفسه الدفاع الذي سيحمينا من فاشيات الأمراض المُعدية ومن عبء الأمراض غير السارية المتنامي، أي: النظم الصحية القوية والمرنة والقادرة على الصمود. وفي شباط/ فبراير من هذا العام اعتمد المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية خطة عمل جديدة بشأن تغير المناخ والصحة. ومن أهدافها الرئيسية التسريع باتباع بنهج منتظم في تعزيز النظم الصحية، وإدراج تدابير محددة للتكيف مع تغير المناخ، مثل نظم الإنذار المبكر فيما يتعلق بموجات الحرارة الأكثر تواتراً ووخامة، وحماية المياه والإصحاح وخدمات التصحح من الفيضانات ونوبات الجفاف. ولأن القيام بذلك سيتطلب موارد إضافية يلزم أن تحظى الصحة بالدعم الملائم من آليات التمويل الدولية القائمة والمعنية بالمناخ، وهو ما لم يتم حتى الان.

الصحة والبيئة، المناخ والصحة: حصيلة مؤتمر منظمة الصحة العالمية بشأن الصحة والمناخ، تقرير من الأمانة

والمجال الثاني هو مجموعة التوصيات الخاصة بتقدير آثار نظم توليد الطاقة على الصحة، وضمان مراعاتها في السياسات الحكومية العامة. وفي العام الماضي قامت المنظمة بتوثيق أكثر من سبعة ملايين وفاة سنوية بسبب تلوث الهواء. وبهذا يُعد تلوث الهواء من اهم عوامل الخطر في العالم، شأنه شأن تدخين التبغ، كما يُعد أكبر سبب للوفاة في بعض البلدان. وعلى الصعيد العالمي يتنفس 88% من سكان العالم هواءً لا يفي بمعايير مبادئ المنظمة التوجيهية بشأن نوعية الهواء. ومن أسباب ذلك الفقر وعدم إتاحة الطاقة النظيفة، ولكنه يعزى أيضاً إلى خيارات السياسة العامة. فآثار تلوث الهواء على الصحة لا تراعى في أسعار الوقود الذي يتسبب فيها، لذا فإن التكلفة تُحسب، بدلاً من ذلك، بعدد الأرواح المفقودة وبالمبالغ التي تنفقها النظم الصحية. ويحدد تقرير صدر حديثاً بواسطة باحثين في صندوق النقد الدولي أن إغفال الأضرار التي تلحق بالصحة من جراء الوقود الملوِّث هو أكبر إعانة مالية تقدَّم إلى إنتاج الطاقة واستخدامها على نطاق العالم، وسيبلغ مجموعها 5.3 تريليون دولار أمريكي في عام 2015. وهذا المبلغ أكبر من مجموع إنفاق كل حكومات العالم على الصحة. ويسرني أن أبلغكم بأن جمعية الصحة أجازت في أيار/ مايو من هذا العام أول قرار لها بشأن تلوث الهواء. وهذا القرار يدعو البلدان وأمانة المنظمة إلى تعزيز استجابتها لهذه المسألة الصحية الهامة، وتعزيز مساهمة قطاع الصحة في عملية صنع القرار عبر القطاعات على المستوى المحلي والوطني من أجل تنقية الهواء وتعظيم الفوائد الصحية. كما يؤكد القرار على الفرص السانحة لتحقيق الفوائد المشتركة من الإجراءات التي تخفض انبعاثات الملوثات المسببة للاحترار وتغيير المناخ، وتحسن الصحة في الوقت ذاته. وسوف نتصدى بالفعل للتحدي الذي يشكله تلوث الهواء، وسنساعد على إرشاد البلدان، حيثما أمكن، في تحديد الاختيارات التي تساعد أيضاً على تحقيق الأهداف المتعلقة بتغير المناخ.

الصحة والبيئة: التصدي لأثر تلوث الهواء على الصحة | قرار جمعية الصحة العالمية WHA68.8

ثالثاً، تسلط اللجنة الضوء على ضرورة رصد وتقييم التقدم المحرز، بما يشبه مبادرة العد التنازلي إلى عام 2015 التي ساعدت على توجيه التقدم في خفض معدل وفيات الأمهات والأطفال . وهذا أمر له أهمية حاسمة: فما نستطيع قياسه نستطيع تنفيذه. وفي العام الماضي، وأثناء المؤتمر العالمي الأول لمنظمة الصحة العالمية بشأن الصحة والمناخ، أعرب الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وأعربت أنا أيضاً عن التزامنا بإعداد مرتسمات محددة للبلدان بخصوص الصحة وتغير المناخ قبل انعقاد مؤتمر باريس بشأن تغير المناخ. وتجمع هذه المرتسمات أفضل البينات المتاحة عن مخاطر المناخ على الصحة، وعن الفرص السانحة لتحسين الصحة مع خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الوقت ذاته، وعن حالة السياسات القُطرية. كما يمكن أن تشكل البيانات المرجعية لرصد التقدم المستقبلي.

العد التنازلي إلى عام 2015: بقاء الأمهات والمواليد والأطفال على قيد الحياة

وأخيراً، فإنني أوجه عنايتكم إلى رسالة اللجنة التي مفادها أن مجتمع الصحة له دور حيوي في تسريع التقدم في التصدي لتغير المناخ. واسمحوا لي أن أقتبس من كلام الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي- مون،: “لا توجد خطة بديلة ولا كوكب بديل”. إن المهنيين الصحيين يعملون دائماً على خط المواجهة مع التغيرات الاجتماعية، مثل أولئك الذين عملوا تدريجياً على جعل التدخين عادة غير مقبولة على نحو متزايد، فخفضوا معدلات التدخين وأنقذوا العديد من الأرواح. وإنني أؤيد أن ندعوا مجتمع الصحة إلى دعم التحرك المتنامي من أجل تهيئة مستقبل أكثر نظافة واستدامة وصحة.

*المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية – تعليق على لجنة لانسيت لعام 2015  – 23 حزيران/يونيو 2015

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This