أنور عقل ضو |
تدرك روسيا – سابع أكبر اقتصاد في العالم – أكثر من أي وقت مضى، أن قضية تغير المناخ باتت تمثل خطرا داهماً على مستقبل الكوكب، يتطلب اتخاذ تدابير وإجراءات استثنائية من قبل المجتمع الدولي، لا سيما في مواجهة القضية الأبرز المتمثلة بالحد من انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
وإذا ما تتبعنا سياسة روسيا حيال قضايا البيئة في السنتين الماضيتين نجد أنها ما عادت ترتضي دورا ثانويا في قضية المناخ، لا على مستوى سياساتها الداخلية في تبني التنمية المنخفضة الكربون وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، ولا على مستوى الحراك الدولي، وقد أصبحت إلى جانب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية والصين في قلب المعادلات الدولية، ولاعبا أساسيا في بلورة اتفاقات إطارية للحد من الانبعاثات وإنقاذ الكوكب.
منذ اتفاق كوبنهاغن، تبنت روسيا هدفا واضحا لجهة تقليل كثافة الطاقة للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 13.5 بالمئة بحلول عام 2020، وإذا ما عدنا إلى العام 2011، نجد أن روسيا كانت تنظر إلى التغير المناخي على أنه “لا يتعدى مجرد أسطورة”، حتى أنه في تلك المرحلة أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على سبيل المزاح – وكان يومها رئيسا للوزراء – بأن “ارتفاعا طفيفا في درجات الحرارة، لن يكون بالأمر السيئ في بلد شديد البرودة مثل روسيا، إذ لن يتوجب على الناس عندئذ ارتداء معاطف الفرو”.
كل ذلك بات من الماضي، خصوصا بعد رصد ظواهر مناخية متطرفة في روسيا في السنوات الثلاث الأخيرة، ففي كانون الثاني (يناير) 2014 على سبيل المثال ظهرت أزهار الزنبق في حدائق سان بطرسبورغ وأيضا في الغابات المحيطة بموسكو، وفي شباط (فبراير) من نفس العام استيقظت الدببة في وقت مبكر من سباتها في منطقة الشرق الأقصى، لا بل أبعد من ذلك، فقد تم كسر سجلات الحرارة القياسية ثماني مرات خلال شهر آذار (مارس) في العاصمة موسكو، فضلا عن أن بعض خبراء المناخ الروس يتوقعون في السنوات المقبلة تغيرات دراماتيكية عالمية نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.
من هنا، تواجه روسيا استحقاقين، الأول داخلي، ويتمثل في دعم ما حددته الدولة كهدف وطني للمساهمة في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة البشرية المنشأ بحلول عام 2020، وتشجيع البحث والتطوير في مجال كفاءة الطاقة، إضافة إلى التوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة.
والاستحقاق الثاني، دولي، وتجلى في انضمام روسيا إلى الدول التي أعلنت خططها لخفض الانبعاثات، وحددت عام 2030 ليكون عاماً حاسماً لتحقيق خفض ما بين 25 إلى 30 بالمئة من الانبعاثات الكربونية، عن مستويات الانبعاثات في العام 1990، وكانت الدولة رقم 32 في العالم التي أعلنت خطة خفض الانبعاثات الكربونية، وتمثل هذه الدول نحو 80 بالمئة من مجموع الانبعاثات من الدول الصناعية الكبرى، ولم يكن مستغربا أن تؤكد الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ كريستيانا فيجيريس أن تقديم روسيا بخطتها في الوقت المناسب يقدم قوة دفع إضافية للجهد العالمي.
لن تكون روسيا في ما حددت من أهداف مجرد رقم عابر في معادلة الصراع لتبني دول العالم اتفاقية إطارية ملزمة للحد من الانبعاثات ومواجهة ظاهرة الاحترار، فهي ستؤكد حضورا في “مؤتمر باريس للمناخ COP21” يوازي دورها في السياسة والاقتصاد.