د. ناجي قديح |

أصبح من الصعب إيجاد إسم ملائم لهذه الجمهورية. فلقب “جمهورية الموز” لم يعد كافيا للتعبير عن هزالها. فبعض الوزراء والسياسيين يضربون بالدستور والقوانين عرض الحائط، ويلقونها خلف ظهورهم، ويمعنون بالتصرف وكأنهم أمراء على مزرعة فالتة، لا يحكمها دستور ولا قوانين ولا تشريعات ولا ضوابط حقوقية. فالوزير يتجاوز صلاحياته بخفة، ودون حسيب، فيأخذ قرارا بمفرده ليلغي أو يعدل قرارا حكوميا لمجلس الوزراء. أو أنه يتجاوز صلاحياته وحدودها القانونية والدستورية، ليعطي ترخيصا تعود صلاحية إصداره بمرسوم لمجلس الوزراء، وفق قانون البيئة 444 تاريخ 2002.

فبالأمس يعطي ترخيصا لأفران ترابة “هولسيم” في شكا بحرق أدوية صيدلانية منتهية الصلاحية، وهي بتصنيف اتفاقية بازل، التي ينتمي إليها لبنان منذ العام 1996، تصنف نفايات خطرة، والترخيص لأي مؤسسة للتعامل معها والتخلص منها يتحدد في مرسوم صادر عن مجلس الوزراء. واليوم، يصدر قرارا، أو أنه بالأصح، يمرره، ليعدل أو ليغير قرارا اتخذ من قبل مجلس الوزراء في مطلع هذا العام ويحمل الرقم 1 للعام 2015. قرار تحديد موعد نهائي لإقفال مطمر الناعمة في 17 تموز 2015. وها هو وزير البيئة، يختصر مجلس الوزراء في  عدد من مستشاريه غير البيئيين، ليضعوا ما يطلقون عليه، زورا، إسم الخطة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة المنزلية. ويحل محل الحكومة، ولم نسمع حتى الآن أي اعتراض من أحد، لا من رئيس الحكومة، الذي يبدو أنه يبارك هذا التجاوز ويسكت عنه، ولا من قبل أي من الوزراء، الذين ربما يمارسون نفس الخروقات، في مجال “مزارعهم ” المسماة وزارات.

إذن، تمخض الجبل فولد فأرا، وها هو الفصل الجديد من خطة “قضية النظافة” لوزير البيئة، والتي تتلخص في إيقاظ المكبات العشوائية النائمة منذ حوالي العشرين سنة في برج حمود، وإلقاء زبالة مناطق بيروت وبعض جبل لبنان، في وجه المناطق اللبنانية، المبتلية أصلا بمزابلها العشوائية، المنتشرة في كل المناطق، حاملة التلوث والمرض لسكان لبنان برمته.

لا يرف لهم جفن، ودون خجل أو وجل، يطلقون على هذه الإجراءات إسم “خطة وطنية لإدارة النفايات”. إنهم ينتقلون بهذا الملف، من فشل إلى فشل، إلى فشل. وبدل من أن يتحملوا مسؤولية الإمعان في فشلهم، فيذهبوا إلى بيوتهم مطأطئي الرؤوس، ها هم يتمادون في غيهم، ويستمرون في الغرق في بحر فشلهم، المؤدي إلى تلويث كل البلد، وبأغلى الأثمان، حيث يتم هدر وتبذير أموال البلديات، في خيارات عبثية، تسمم أجواء وأرض ومياه لبنان.

يقولون إنها الأزمة، ولا خيارات أخرى لديهم، وهذا هراء بالطبع. إذ أنهم هم المسؤولون عن الوصول لهذه الأزمة من خلال إصراراهم على خياراتهم الخاطئة وغير البيئية في إدارة هذا الملف. أما عن الخيارات البديلة، فقد بح صوتنا ونحن نرددها، وندعو إليها، ونشرح مضمونها، ونقابل بمقولة متحضرة وشديدة الذكاء: “القافلة تسير و…. تنبح”!!!.

 لقد أوصلت قافلة سياساتكم العبثية والفاشلة البلد إلى ما وصل إليه من كارثة بيئية في ملف النفايات الصلبة المنزلية. ونحن لا نزال “ننبح” بالحق، ولن نمل هذا “النباح”، لأنه الدعوة إلى الحلول والمعالجات الحكيمة، والعاقلة، والعقلانية، والبيئية والصحية، والتي تحفظ مال البلديات والمال العام من التبذير والهدر والنهب، لحساب “خطط” مشبوهة، تحيل كامل البلد مزبلة عشوائية، منتشرة على مساحة طول الجغرافيا وعرضها. وصوتنا موجه أصلا إلى الشعب اللبناني، وليس إلى الحكام الفاسدين.

إن المدخل الحقيقي لإدارة ملف النفايات إدارة بيئية سليمة هو باعتماد لامركزية النفايات. فعلى مستوى كل قضاء، أو اتحاد بلديات، يمكن الأنطلاق في خطة متكاملة لإدارة النفايات، عبر الفرز من المصدر، ومعالجة المكونات العضوية، وتدوير المكونات القابلة للتدوير، في مركز لاستقبال وفرز ومعالجة النفايات. إن شرط نجاح هذا التوجه، هو الإفراج عن أموال الصندوق البلدي المستقل، وإعطاء البلديات حصتها كاملة، التي تعود إليها، لتتمكن من تمويل وإدارة هذا الملف، بعيدا عن الهدر والفساد والتلويث البيئي وتهديد الصحة العامة بشتى المخاطر.

ندعو الجميع، وفي كل المناطق، للوقوف بوجه توسيع المكبات العشوائية، وعدم السماح باستقبال مئات الأطنان من النفايات القادمة، عبر مسافات طويلة، من مناطق بيروت وبعض جبل لبنان. وإدانة الحلول الملوثة للبيئة والمهددة للصحة العامة، بكل أشكال الإدانة.

ندعو الجميع إلى التحرك بكافة الأشكال للإسراع في تشغيل العديد من معامل الفرز والمعالجة، الجاهزة، والتي تحول دون تشغيلها معوقات سياسية أو إدارية. والعمل بكل الوسائل للإسراع في تجاوز هذه المعوقات، وإطلاق العمل فيها فورا.

ندعو الجميع إلى رفع الصوت عاليا للمطالبة بأن يتحمل الفاشلون نتيجة فشلهم. ورفض إسقاط هذه المسؤولية، ظلما، على اللبنانيين في كل المناطق. فليذهب إلى بيته من أوصل، بسياساته وخياراته الفاشلة، الأزمة إلى هذا الحد الكارثي.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This