البلد في أزمة، والحقيقة أن النظام السياسي في أزمة شاملة كل مستوياته، في المجتمع والإدارة والاقتصاد والسياسة، وكذلك أيضا، في الأخلاق السياسية والإعلامية. خرق الدستور والالتفاف عليه مثل شربة الماء، تمارسه السلطة السياسية وقواها الكبرى، دون أن يرف لها جفن. وخرق القوانين، وتجاهلها، والاستهتار بها، والعمل بعكس نصوصها ومضمونها، عمل يومي لمعظم وزراء الحكومات، وعند أطراف السلطة. الارتجال، وغياب التخطيط، يعكس الخفة التي يتعامل بها وزارء في الحكومات مع قضايا كبرى تترك آثارها على لبنان وشعبه وطبيعته وموارده وبيئته بشكل عميق، وفي كثير من الأحيان، بشكل لا قلوب وغير قابل للتصحيح. كل هذا يتجلى بأوضح صوره مع وزير البيئة في تعاطيه مع معظم الملفات والقضايا البيئية، ولا سيما منها القضية الساخنة دائما، قضية النفايات. يتحدث وزير البيئة عن “نظام جديد” في إدارة هذا الملف. ما هي ملامح ومضامين هذا النظام الجديد؟ إبهام يخفي فشل ذريع في فهم هذا الملف والتخطيط له وإدارته، ويبرز الانزلاق في لعبة المتعاطين مع هذا الملف من باب عقد الصفقات المريبة، على حساب البيئة وصحة المواطنين في كل مناطق لبنان. أحاديث وزير البيئة الصحافية والتلفزيونية تبدو وكأنها هي كنه و لب الخطة والبرنامج البيئي، الذي حمله إلى الوزارة منذ توليه مسؤولياتها وحتى اليوم. فالكاميرات أهم من أي متابعة عميقة لأي ملف بيئي ينهش البلد وموارده وطبيعته وصحة أبنائه. إبهام، وربما غباشة في تدقيق المفردات والتعابير والمفاهيم، ففي حديث وزير البيئة لا يمكن لك أن تلتقط الفرق بين المكب، الذي هو في الحقيقة “مزبلة” بأسوأ أحوالها لناحية عشوائية اختيار موقعها، وعشوائية رمي النفايات فيها، وعشوائية التعامل معها، وهذه هي حالة المئات من المزابل المنتشرة عشوائيا في طول لبنان وعرضه، وبين المطمر. وتشكل هذه المكبات العشوائية، أي “المزابل” الفوضوية، أحد أهم أسباب تلوث تربتنا، وثروتنا المائية، السطحية منها والجوفية. فوزير البيئة، لا يميز في حديثه بين المكب والمطمر. فهو يعلن في “خطته الجديدة” إرسال مئات الأطنان من النفايات إلى “مزابل” لبنان المنتشرة في كل المناطق، على اعتبار أنها مطامر، يمكن لها مؤقتا استقبال ما كان مطمر الناعمة يستقبله قبل إقفاله النهائي في 17 تموز 2015. على ماذا يراهن وزير البيئة؟ إنه يراهن على تلقيم اللبنانيين، عبر الضغط والترغيب، الذي يمارسه، وتمارسه معه قوى فاعلة في السلطة السياسية، على أن هذا الوضع هو وضع مؤقت. هل هناك في لبنان شخص واحد يمكن أن يصدق؟ فالمؤقت في لبنان دائم أكثر من الدائم نفسه، فمنطق التمديد ليس جديدا على هذه الطبقة السياسية، التي تمدد وتجدد لنفسها من جيل إلى جيل. إنه يراهن على تمرير صفقة المحارق، التي يعد نفسه واللبنانيين بتمريرها بعد 4 – 5 سنوات حسب أقواله. ولكننا نطمئنه، أن هذه الصفقة لن تمر، لا اليوم ولا غدا ولا بعد غد. فصفقة المحارق لم تمر في العام 1996، حين حملها أيضا وزير للبيئة في ذلك الحين، وسعى لها وسوقها وزينها بغية تمريرها، ولكن الحركة البيئية في لبنان في ذلك الزمن، أفشلت هذا المشروع المشبوه، وحولته إلى دخان منثور مع حرق محرقة العمروسية وإقفالها. الحركة البيئية في لبنان، بكل منظماتها واتحاداتها وتجمعاتها، هي اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه في ذلك الزمان، وهي كما أفشلت مشروع المحارق سابقا، ستفشله بعزم أكبر حين يطل برأسه من جديد في أي وقت من الأوقات. مشكلة النفايات وإدارتها البيئية السليمة هي مشكلة تغطي مساحة لبنان، وهي ليست كما يصورها وزير البيئة بأنها مشكلة تصريف نفايات بيروت وضواحيها. في كل لبنان مشكلة النفايات غير “محلولة”.    

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This