وكأن بعض نواب بيروت يؤثرون تشويه رمزية هذه المدينة، وحصرها في نطاق طائفي ومذهبي واستحضار مواقف ملتبسة في التاريخ والجغرافيا، خصوصا وأن بيروت شهدت الكثير من التغيرات الديموغرافية منذ الحروب الصليبية والحكم العثماني، فمن كانوا أكثرية باتوا أقلية والعكس صحيح، وما تردد من تصريحات ومواقف مؤخرا، بدا معها وكأن بيروت تعتبر حصرية لفئة دون غيرها، أما الأخطر في هذا السياق، أن نائباً تبنى موقفا يقول أن “أكثر من نصف سكان بيروت أتوا من خارجها”، في معرض حديثه على رفض المناطق استقبال نفايات بيروت، ورأى أنه “قد يأتي يوم يرفض فيه أهالي بيروت أن يتعلم ابناء المناطق في مدارس العاصمة أو أن يحصلوا على الطبابة في مستشفياتها”! بدايةً، مثل هذه المواقف هي التي تعزز الفرقة بين اللبنانيين، ومن ثم هل نسي النائب عينه أن بيروت التي واجهت الحصار الاسرائيلي عام 1982 احتضنت المقاومين من كل المناطق، ولم تسأل إلى أي مذهب ودين ينتمون، وأرغموا جيشها “الذي لا يقهر” على رفع الرايات البيضاء بعد احتلالها، وصولا إلى المناداة بمكبرات الصوت “يا أهالي بيروت لا تطلقوا النار علينا… إننا خارجون”، فلماذا اليوم يُراد تشويه عاصمة المقاومة؟      علما أن موقف بعض نواب العاصمة كان يفترض ردا يقول “إن بيروت لمن دافع عنها”، وهذا مكمن الخطر في خطابات منفعلة تكرس منطقا فئويا يفاقم من أزماتنا بدلا من تذليلها. لقد استغرب النائب كيف أن أيا من مناطق لبنان رفضت استقبال نفايات العاصمة، وفسر الأمر على أنه موقف فئوي، فرد بمثله، لكنه لم يتفهم سبب هذا الرفض، فلو أن تجربة الناعمة كانت ناجحة وفق ما أُعد لها من خطة محددة وواضحة قبل سبع عشرة سنة، لما كانت ثمة مشكلة لدى أي منطقة في لبنان في استقبال النفايات من أي مكان وليس من بيروت وحسب، خصوصا وأن مطمر الناعمة كان معدا لاستقبال العوادم وتنتهي صلاحيته بعد اثني عشرة سنة، وما حصل أن المطمر استقبل النفايات العضوية بما فاق قدرته الاستيعابية فجرى استملاك أراض جديدة من بلدية عين درافيل ومُدد له أكثر من مرة. كما أن النائب عينه ومعه نواب ينتمون إلى كتلته النيابية عبروا عن هذا الامر بشكل يجافي الواقع، وربما لا يعلمون أن ما تواجهه بيروت لجهة عدم إيجاد أراض لطمر النفايات يواجه أيضا القرى والبلدات المتضررة من مطمر الناعمة، قرى غرب عاليه والشحار بالتحديد، ويواجه كذلك مدينة الشويفات وهي أكبر مساحة من بيروت بكيلومتر واحد، فضلا عن أن منطقة المتن الأعلى عجزت بلدياتها عن تأمين قطعة أرض لرفع النفايات التي بدأت تتحلل وتنشر روائحها في الاحياء السكنية. ما يثير التساؤل أن النائب عينه فضح بالعرَض نية وزارة البيئة بتعميم المحارق، حين أكد “ان الحل النهائي يتمثل في بناء محارق وفق التكنولوجيا الجديدة التي تمنع أي تلوث”، وهذا ليس صحيحا، بدليل أن فرنسا واليابان أوقفا حرق النفايات منذ سنوات طويلة، وليس ثمة تقنيات في مجال حرق النفايات دون آثار سلبية على الصحة والبيئة. إن بيروت تستحق أكثر، وعاصمة اللبنانيين جميعا لا تليق بها محارق النفايات، وهي تدعونا جميعا لتبني ثقافة الفرز من المصدر وتعميم تجارب عواصم أوروبية، ولا نظن أن اللبنانيين غير قادرين على مجاراة التطور، شريطة ألا يكون الفساد عنوان الدولة والصفقات المشبوهة خبزها اليومي!

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This