بدا نائب رئيس مجلس الوزراء سمير مقبل، وزير البيئة الأسبق – من العام 1992 حتى 1995 – أكثر المحتفين بـ “النصر”، إذ صرح اليوم مزهوا بالانجاز الذي تحقق، ومنتقدا كل وزراء البيئة الذين أتوا من بعده، أي كل الذين تعاقبوا على هذه الوزارة على مدى عشرين عاما، لأنهم لم يحركوا ساكنا في موضوع محارق النفايات في لبنان. أول من حمل مشروعا متكاملا لإنشاء المحارق في لبنان، كان وزير البيئة الأسبق سمير مقبل، وهو سعى بكل ما أوتي من قوة في العام 1995 لتمرير هذا المشروع، الذي أطلقت عليه الجمعيات البيئية وكل البيئيين في تلك الحقبة، إسم مشروع “الـ 450 مليون دولار”، وذلك للإشارة إلى كلفة المشروع آنذاك، لبناء سلسلة من 9 محارق على طول الشاطىء اللبناني وفي المدن الداخلية. فشل المشروع وأسقط بعد مواجهات غطت مساحة لبنان، بكل الوسائل، من ندوات وورش عمل ومؤتمرات وطنية واحتجاجات، وانخرط الإعلام بقوة في مواجهة هذا المشروع، الذي ينتحل صفة معالجة النفايات، وهو في الحقيقة تلويث فظيع لبيئة لبنان، وتهديد خطير للصحة العامة، ويمتد للأجيال اللاحقة أيضا. وعلى ضوء بيانات اليوم، على لسان وزير البيئة الحالي، الذي أصدر التعليمات برفع النفايات من بيروت، مثيرا تساؤلات جدية حول احتمال صدور تعليمات سابقة بإيصال الأمور إلى إغراق بيروت وجبل لبنان بالنفايات على مدى 12 يوما، كوسيلة ضغط على الجميع، قوى سياسية وسكان ومجتمع مدني وأهلي، لتمرير مشروع المحارق تحت إسم تمويهي “التفكك الحراري”. وكان تصريح نائب رئيس مجلس الوزراء هذا الصباح، احتفاء بقرار الليل بشأن المحارق، وتأكيده على أنه أول من حمل هذا المشروع منذ عشرين عاما، ملفتا للغاية. أي إسم سيحمل هذا المشروع القديم في حلته الجديدة؟ وكم ستكون كلفته، لا سيما أننا اليوم نتعامل باليورو، والمحارق المفككة في أوروبا، لتباع إلى جمهوريات الموز، الشبيهة ببلدنا هذه الأيام، قد أصبحت من جيل متقدم على تلك في العام 1995، وبالتالي أعلى كلفة. وأن نسب السمسرة والعمولات قد عرفت قفزات كبرى في لبنان خلال العشرين سنة المنصرمة، وأن عدد المحتفلين بهذا الانتصار أصبح أكبر من ذي قبل، وهو مرشح للازدياد. لا تستعجلوا فالمواجهة لم تنته بعد. وهي مستمرة وستستمر، وستتصاعد تباعا مع كل مرحلة تصل إليها مؤامرة المحارق، التي قررتم السير بها. نطمئن الجميع، أن الحركة البيئية في لبنان، ومنظمات المجتمع المدني، والمدافعين عن البيئة في كل المنظمات والجمعيات، وفي كل الأوساط، بما فيها الإعلامية والسياسية والحزبية، المناهضة للمحارق، هي اليوم أقوى بما لا يقاس من العام 1995. وكما أفشل مناصروا البيئة مشروع وزير البيئة الأسبق، سيفشلون مشروع وزير البيئة الحالي، الذي تمكن، تحت ضغط أطنان النفايات المتراكمة على أبواب غرف نوم سكان العاصمة، ومعظم المناطق اللبنانية، من تمرير قراره في ليلة ظلماء، حيث تنكر فيها الجميع لأمن لبنان البيئي والصحي، وقامروا بهما حتى الورقة الأخيرة، بالسير على شفير الهاوية وعتبات الكارثة، لحظة أشد أزمة سياسية يعرفها لبنان الحديث. كما فشلتم في السابق ستفشلون الآن وغدا. وحده الفرز من المصدر وإعادة التدوير ومعالجة المكونات العضوية هو المسار البيئي السليم لإدارة النفايات في لبنان، واسترداد القيمة التي تهدر فيها. هذا المسار، الذي يقطع الطريق على صفقات اقتسام مال البلديات والمال العام على حساب بيئة لبنان وصحة شعبه.