بعيدا من التحضيرات المتسارعة لمؤتمر باريس للمناخ COP21 المزمع انعقاده في كانون الأول (ديسمبر) الجاري، ليس ثمة ما ينبىء إلى الآن بأن تقدما تم إحرازه في سياق التحضير للمؤتمر، في ما عدا رسالة البابا فرنسيس التي حاصرت من بُعدين إنساني وأخلاقي الدول الأكثر تلويثا في العالم، أي تلك الخاضعة لاقتصاد السوق، وتتحكم بها كبريات شركات النفط، وهي لا تشكل أداة رادعة في مواجهة الملوِّثين. تكفي الإشارة إلى أن البنية الأساسية للطاقة على مستوى العالم المجهزة بدقة لاستخدام النفط تعادل قيمتها 55 تريليون دولار، والقيمة الورقية لاحتياطيات الوقود الأحفوري – وأغلبها مملوكة لشركات الوقود الأحفوري العملاقة – تعادل نحو 28 تريليون دولار، بحسب تقرير لِـ بات موني (مدير تنفيذي في مجموعة ETC Group) ونيث دانو مديرة مجموعة (ETC Group) في آسيا. من هنا، يتبدى مشهد لا يشي بما يطفىء الهواجس ويبدد ضباب الأسئلة، فمن يملك المال قادر على تشويه الحقائق، ومن لا يعلم أن الكثير من الدراسات “الأكاديمية” المشككة بظاهرة الاحتباس الحراري ممولة من “كارتيلات” النفط في العالم؟ إلا أن مثل هذه الاستراتيجية ما عادت مقنعة، خصوصا للرأي العام الأميركي الذي ما عاد في مقدوره التنكر لحقائق علمية وسط ما تشهد الولايات المتحدة من تغيرات مناخية متطرفة، أعاصير غير مسبوقة وجفاف وفيضانات، كبدت الخزانة الأميركية مليارات الدولارات منذ إعصار “ساندي” 2012. من هنا، نجد أن شركات النفط راحت تروج مؤخرا لـ “الهندسة الجيولوجية”، وهي عبارة عن تكنولوجيا لاحتجاز الكربون، بما يتيح لها الإبقاء على وتيرة إنتاج قصوى كي لا تتراجع مواردها من الوقود الاحفوري، خصوصا وأن العديد من العلماء يعتبرون هذه التكنولوجيا مستحيلة من الناحية الفنية من جهة وباهظة التكاليف من الناحية المالية من جهة ثانية. وبحسب أنصار هذه التكنولوجيا، فإن العزل البيولوجي سوف يصبح مدعوما ببرامج تتلخص مهمتها في احتجاز الانبعاثات فور انطلاقتها، أو امتصاصها من الهواء لكي يتم ضخها إلى مهاوٍ جوفية عميقة بعيدا عن الأنظار. وبحسب المنظرين لتكنولوجيا المناخ، فإن منع درجات الحرارة من الارتفاع إلى خارج نطاق السيطرة يتطلب حلا هندسيا جيولوجيا ثانيا، والمعروف باسم إدارة الإشعاع الشمسي، وتتلخص الفكرة في محاكاة عمل التبريد الطبيعي للانفجار البركاني باستخدام تقنيات مثل نشر خراطيم تضخ الكبريتات لمسافة ثلاثين كيلومترا داخل الطبقة العليا من الغلاف الجوي “الستراتوسفير” لحجب أشعة الشمس. لا نعلم من الآن ما إذا كان المؤتمرون في باريس سيصفقون لمثل هذه السيناريوهات أم سيدينونها، وهذه مسألة مهمة، إذا علمنا أن المقصود بـ “الهندسة الجيولوجية” وغيرها مما تروج له شركات النفط هو حرف مسار المحادثات عن الأهداف المعلنة بتقليص حجم الانبعاثات بطرق تسمح بمقاربات علمية واقعية، ويبدو من الآن أن هذه الشركات تحاول رمي قنبلة دخانية بهدف التعمية وإفشال مؤتمر باريس وحجب الرؤية عما يرتكبه الملوثون الحقيقيون.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This