بعدما شهدته البلاد من تطورات خلال الأسبوع الفائت، لم يعد ممكنا لمسألة البيئة في لبنان، ومنها ملف النفايات الساخن، أن تنفصل، ولو نسبيا، عن مسألة أزمة النظام، وأزمة الحكم، وأزمة السلطة السياسية في البلاد. فاستعمال القوة المفرطة في قمع شباب لبنان المعتصم والمتظاهر، مع انطلاق شرارة النفايات، وانفتاح أبواب كل الأزمة السياسية على مصراعيها، قد شكل لحظة قلق حقيقي على إمكانية استمرار التعايش مع حكومة على هذا القدر من الاستعداد للقمع والقتل والتآمر لتفكيك وإفشال التحرك الشبابي، الذي تحول إلى تحرك شعبي جارف. إن النظام اللبناني، الذي تجسده بحق السلطة السياسية، متمثلة بالحكومة الحالية ومؤسسات الدولة، من رئاسة جمهورية شاغرة، ومن مجلس نيابي معطل عن العمل، قد أظهر حالة هشاشته وضعفه وتهالكه الكبير وقدرته على السقوط والانهيار هذه المرة، على رغم أنه صمد ولم يسقط على امتداد الحرب الأهلية، التي استمرت 15 عاما. يبدو أن القمع والاستعداد للقتل وإطلاق الرصاص الحي، واستعمال قنابل الغازات السامة الخانقة والمسيلة للدموع، وخراطيم المياه، ورمي المتظاهرين بالحجارة الحادة، وأخيرا اللجوء إلى رفع جدار الفصل على أبواب السراي – المقر الرسمي لحكومة لبنان، ما هي إلا نذير انهيار هذا النظام بكل مؤسساته، وانفراط لحمة الحكومة والسلطة السياسية في البلاد. ولكن، أن يبدأ النظام بالسقوط دون أن يكون تحالف القوى البديلة قد تشكل، لينطلق في صنع النظام الجديد، هذا ما يترافق مع أخطر التهديدات، وينذر بحصول ما من شأنه أن يؤدي إلى تفكيك الدولة، وفرط الشعب، وانفتاح الاحتمالات على أبشعها وأخطرها، مع الوجود الحقيقي للمخاطر، التي تشكلها وتمثلها “داعش” ومثيلاتها في المنطقة العربية كلها، وعلى تخوم لبنان وجروده الشرقية. حذار من التمادي في القمع يا حكومة لبنان، وإلى التراجع فورا عن سياسات الاستمرار باحتكار السلطة، ومصادرة الحقوق، ونهب المال العام، والإمعان في الفساد وتلاوينه في كل مجالات الحياة والاقتصاد والسياسة والبيئة أيضا. لا خيار لانقاذ لبنان في وضعه الراهن إلا الانفتاح على الحوار المسؤول لإنقاذ الوطن، والسير بسياسات تتوافق مع مصالح لبنان وشعبه.
