بدأت التحقيقات في ملفّ المخالفات المرتكبة في وزارة البيئة، بتسليط الأضواء على السلفة المالية التي أخذها وزير البيئة سمير مقبل في العام 1994 ولم يسدّدها، ولم يرجعها، فبقيت في ذمّته، ذلك أنّ رئيس قسم المحاسبة في الوزارة، وهو المؤتمن على حفظ المال العام، ميلاد ض. لم يُعْلم رؤساءه، لا شفهياً، ولا خطّياً، بأنّ هناك سلفة في ذمّة الوزير مقبل لم تسدّد. وأقدم ميلاد المذكور على حضّ لجان الإستلام على التوقيع على المعاملات العائدة لهذه لها لإتمام المعاملة شكلياً بالتوقيع عليها دون القيام بالكشف على الأعمال، وذلك خلافاً لأحكام المادة 139 من قانون المحاسبة العمومية، بالإضافة إلى إقدامه على تحريض المسؤول عن مكتبة (…) أنطوان م. على ارتكاب جرم التزوير والطلب منه لكي يعطيه العرض، زيادة أسعاره وتحريف المستندات المقدّمة إلى الوزارة للحصول على المال العام دون وجه حقّ. تفاوت في الأسعار واتضح أنّ الأسعار مبالغ فيها جدّاً للأصناف نفسها ومتفاوتة تفاوتاً ملحوظاً، وفي خلال فترة زمنية بسيطة ليس مع أسعار السوق، وإنّما أيضاً بالنسبة إلى الأسعار الواردة في فواتير أنطوان م. بالذات والذي أفاد أمام قسم المباحث الجنائية المركزية بأنّ رئيس قسم المحاسبة والموظّفين واللوازم في وزارة البيئة ميلاد ض. عرض عليه، ولكي يعطيه العرض أن يرفع أسعار الأصناف المطلوبة، وأنّ يعطيه المبلغ الزائد عن ربحه باعتبار أنّ هذه المبالغ ستعطى للمتعاقدين مع الوزارة خلافاً للأصول. ومن مهام ميلاد ض. إعداد الموازنة وتحضير جداول الرواتب، وتصفية النفقة، ودفع الرواتب بالشيكات بصفته معتمد قبض، والتحقّق من وجود الاعتمادات اللازمة، والتثبّت من المستندات القانونية المتعلّقة بالعقود والفواتير، تمهيداً لإحالتها إلى وزارة المالية. وبعد ورود أمر الدفع من هذه الوزارة، يسلّمه إلى مستحقيه. أمّا بشأن الشقّ المتعلق باللوازم، فإنّ ميلاد ض. يقوم بإجراء جردة بموجودات الوزارة بكاملها، بينما لجان الإستلام يتمّ تعيينها من قبل المدير العام للوزارة، على أن يدقّق هو شكلاً في الفواتير التي تحيلها لجان استلام المشتريات أو الأشغال، نافياً علاقته بالمضمون، لأنّه خارج عن صلاحيته التحقّق من تنفيذ الخدمة المطلوبة بموجب الفاتورة. وبناء على هذه الفواتير، ينظّم ميلاد ض. مستند التصفية ويرسل المعاملة بكاملها إلى مصلحة الصرفيات في وزارة المالية، مشيراً إلى أنّ مهمّته تنحصر في التحقّق من سلامة عقد النفقة، ومن إنجاز عملية الإستلام على مسؤولية لجان الإستلام. أين سلفة مقبل؟ أمّا بخصوص السلفة التي استلمها الوزير سمير مقبل وتبلغ قيمتها نحو 150 مليون ليرة، فقال ميلاد ض. إنّه علم بأنّها بحوزة هذا الوزير قبل استلامه مهامه، وأنّه لاحظ وجود فواتير مختلفة تدفع من قيمة السلفة موقّعة من الوزير سمير مقبل شخصياً، وكانت ترده بعد استلام مهام المحاسبة، فواتير شراء، وأجور، وأعمال مختلفة، موقّعة أيضاً من هذا الوزير ومدفوعة من قبله بموجب شيكات. وأشار ميلاد ض. إلى أنّه لفت نظر الوزير سمير مقبل في مكتبه وبحضور المدير العام إلياس مطلّي، إلى وجوب تسديد هذه السلفة، وأنّه أوضح أنّ الفواتير الموجودة في المحاسبة تتضمّن مشتريات وأعمالاً بعضها لا يتطابق مع وجهة الإنفاق في بند عقد السلفة، وأنّه لمس من الوزير مقبل عدم إكتراثه للأمر، وأنّه صرف السلفة للصالح العام. وبعد تشكيل حكومة الرئيس رفيق الحريري في العام 1995 لم يعد سمير مقبل وزيراً للبيئة، ولكنّ الفواتير بقيت على حالها ولم يتمّ تسديد السلفة. والغريب في الأمر أنّ رئيس مصلحة الخزينة لم يسأل عن هذا الموضوع. أمّا بالنسبة إلى القرطاسية التي تحتاجها وزارة البيئة، فقال ميلاد ض. إنّه يطلع المدير العام إلياس مطلي شفهياً على النواقص التي ترده خطّياً من كلّ دوائر الوزارة، ويأخذ موافقته الشفهية لشراء الحاجيات المطلوبة، ثمّ يتصل بالمكتبات المتعاملة مع الوزارة طالباً تأمين الحاجيات وفق عروض أسعار تقدّم إليه ويرفعها إلى المدير العام من أجل اختيار المناسب منها والموافقة على الشراء خطّياً، ثمّ يجري استلام المشتريات من قبل لجنة الإستلام، نافياً أن تكون مهمّته إجراء مقارنة بين الأسعار المقدّمة من التجّار وتلك الرائجة في السوق والأسعار المعتمدة من الوزارة، إذ أنّ عمله يقتصر على عرضها على المدير العام الذي يختار السعر الأدنى!. زيادة الأسعار رشوة مخفية وعن وجود فوارق في الأسعار في ثلاث فواتير تحمل تواريخ مختلفة في العام 1996 وتتعلّق بشراء “ماعون ورق فوتوكوبي” من مكتبة أنطوان م. بأسعار تراوحت بين ثمانية آلاف ليرة و28 ألف ليرة، ثمّ قيام الوزارة بشرائها بسعر أربعة دولارات في العام نفسه، أعرب عن اعتقاده بأنّ الأمر يتعلق بوجود فوارق بين أصناف الورق من حيث الجودة والماركة والنوعية!. أمّا مسؤول المبيعات في مكتبة (…) أنطوان م. فقال إنّه يقدّم عرض الأسعار لدى الموظّف المسؤول عن شراء القرطاسية ميلاد ض. وعندما ترسو المناقصة عليه، يخبره ميلاد ض. لإحضار القرطاسية بموجب فاتورة فيسلمها للجنة الإستلام، ثمّ تتصل به الوزارة لقبض الحوالة المالية، مشيراً إلى أنّه في بعض الأحيان كان تُطلب منه قرطاسية دون تقديم عرض أسعار بداعي الحاجة الماسة إلى بعض الأصناف ويقبض ثمنها البالغ مئتي ألف ليرة نقداً من ميلاد ض. وهذا الأمر كان يحصل مرّة أو مرّتين في العام الواحد. ولم ينف أنطوان م. في التحقيق الاستنطاقي أمام قاضي التحقيق الأوّل في بيروت حاتم ماضي ما سبق له أن قاله أمام المفتّشين الماليين من أنّ ميلاد ض. كان يطلب منه رفع الأسعار في العرض الذي كان يقدّمه، وأنّه كان يعطي ميلاد المذكور الزيادة عندما ترسو المناقصة عليه.