هل تشهد منطقة الشرق الأوسط حروبا تطاول هذه المرة مصادر المياه؟ هذا السؤال ليس بمستغرب، خصوصا وأن خبراء استراتيجيين أكدوا منذ القرن الماضي أن حروب المستقبل ستكون محكومة بعناوين تتخطى الصراع المعهود على النفط والثروات الدفينة، وستتحول حروبا للسيطرة على موارد ومصادر المياه. وفي هذا المجال، حذّر باحثون من “المعهد العالمي للموارد المائية” من أن 33 دولة نصفها من الشرق الأوسط، ستواجه العطش وأزمة مياه شديدة بحلول العام 2040، حين يزداد الطلب على المياه التي قد تصبح نادرة، وأن 13 دولة شرق أوسطية، بما فيها الأراضي الفلسطينية ستواجه أزمة مياه غير مسبوقة. واذ حذر الخبراء – الذين وضعوا المقياس الأول لمدى شدة المنافسة على المسطحات المائية مثل البحيرات والأنهار – من نفاد هذا المخزون على مدار كل عقد من عام 2010 حتى 2040، اشاروا الى ان من بين الدول، البحرين والكويت والأراضي الفلسطينية وقطر ودولة الإمارات وإسرائيل والسعودية وسلطنة عمان. وشددوا على أن منطقة الشرق الأوسط ربما كانت أكثر مناطق العالم من حيث الافتقار للأمن المائي، وأن هذه الدول تسحب المياه الجوفية بغزارة وتقوم بتحلية مياه البحار وتواجه “تحديات استثنائية تتعلق بالمياه في المستقبل المنظور”. وأكدت مديرة البرنامج العالمي للمياه في المعهد بيتسي أوتو، ضرورة أن “تتفهم الحكومات الأخطار المحتملة التي تواجهها في ما يتعلق بالمياه اللازمة لتسيير شؤونها الاقتصادية، بما في ذلك ازدياد الطلب الناجم عن الزيادة السكانية، فضلاً عن الآثار غير المؤكدة لتغير المناخ”. ورأت أوتو أن “لا جدوى من معالجة المياه إلى مستوى المياه القابلة للشرب وإتاحة استخدامها في المنازل، ثم تهدر في شبكات الصرف الصحي”. ولفتت إلى أن بعض دول الشرق الأوسط “يعوّل على تحلية المياه من خلال إزالة ملوحة مياه البحار وتلك الجوفية، وربما يواجه مثل هذه الدول وغيرها التي تشهد أزمات، عجزاً عن توفير الغذاء اللازم لشعوبها”. ولم يغفل الخبراء أن تكون المياه “لعبت دوراً مهماً في الصراع الممتد منذ عقود بين الأراضي الفلسطينية واسرائيل”. وإذ استبعدت اوتو أن “تصبح المياه سبباً للصراع”، توقّعت أن “تكون عنصراً لتسريع وتيرته أو مضاعفة الصراعات”. وشمل التحليل أربع دول يُتوقع أن تواجه أزمة حادة في المياه بين عامي 2010 و2040، هي تشيلي واستونيا وناميبيا وبوتسوانا، ما يضيف أعباء جديدة على نشاطاتها التجارية والزراعية والمجتمعية. وحذرت من أن التصنيف على المستوى القومي “يخفي خلفه تفاوتاً ضخماً بين الدول، إذ صُنّفت الولايات المتحدة 49 في عام 2010 و47 عام 2040، لكن كاليفورنيا تكابد أزمة جفاف خانقة”. وتوقعت اوتو أن “تشهد بعض هذه الدول زيادة في إمدادات المياه مستقبلاً من خلال مياه الأمطار بسبب التغير المناخي. كما يمكن أن يعوّل قطاع الزراعة على مياه الأمطار بدلاً من مياه الري ما ينقذ الطلب المباشر على مياه المسطحات المائية”. وعن الوضع في جنوب القارة الأفريقية ومناطق أخرى في العالم، حيث يُرجّح نضوب المعروض من المياه مع تعاظم الطلب، شددت أوتو على “ضرورة تحرّك صناع السياسة للحؤول دون تفاقم أزمة المياه”. وأكدت “الحاجة إلى تفهّم العلاقة بين المعروض المتاح من هذه المياه والطلب عليها، وعلينا اتخاذ خطوات لاستهلاك المياه في شكل أكثر كفاءة”. غالباً ما يُدق ناقوس الخطر، ونادراً ما يلقي آذاناً صاغية، وفي ما خص لبنان، فلا حياة لمن تنادي. في حين ان وزارة الطاقة والمياه توزّع مراراً وتكراراً رسائل ترشيد استهلاك المياه، الا انها للاسف باتت حبرا على ورق، رغم ان مضمونها بات قديماً من حيث الارشادات المطروحة. وبغض النظر عن ان الصور في تلك المنشورات تحتل الحيّز الاكبر، ربما باتت الحاجة الى سياسات واقعية في اعادة تأهيل نظام الصرف الصحي والمياه الجوفية، فضلاً عن نشر الوعي وبدء تعليم طرق الترشيد في المدارس وصولاً الى مكاتب العمل والمنازل.