في نظرة بسيطة إلى الوطن تتراءى لنا الانهيارات على الصعد الاجتماعية والسياسية والقانونية والبيئية، وكل ما يتعلق بحياة الإنسان وواجباته وحقوقه. باختصار شديد نعيش في “مزرعة” حقيقية لا قانون فيها ولا محاسبة، وتتبدّى الاستنسابية في كل تدرجاتها، ويتسلط القوي ويضيع دور (الأوادم)، فإذا بآخر قلعة تسقط بشكل مريع وهي قلعة القضاء، فيصبح القاضي مطية لأهواء السياسيين وإراداتهم، ويتوارى القاضي النزيه القادر، وكلما استنبط قانون جديد استنبطت طريقة لتجاوزه، وليس ثمَّة نظام مقبول خارج القانون، والتطلع إلى العدالة يضع احترام الفرد في الحياة الاجتماعية هدفاً اساسياً ونهائياً للقانون، ومتى رحلت العدالة رحلت معها ثقة المواطن بحكامه. والقانون هو تعبير على الاتفاق القائم بين أفراد الجماعة، ويضع الأفراد قانوناً يتفقون على الخضوع له إلى أن يتفقوا من جديد على تبديله أو استبداله بغيره، وعلى الوزراء والموظفين أن يجعلوا السلوك المحتشم مبدأهم الأساس، وعندما نرى ونتابع البرامج السياسية على الفضائيات نستنتج إلى أي درك وصلنا، وأي مستنقع غرقنا فيه، والحاكم الصالح هو من يشن الحرب ضد الفقر والجهل، ورجل الدولة الذي نبحث عنه هو ذاك القوي الذي يستمد قوته من ينبوعين: ينبوع نفسه وينبوع الشعب، والسياسي الحقيقي هو الذي يجعل أساس حياته الاستقامة في العمل والاستقلال التام في الرأي وحرية الضمير. بالاستناد إلى هذه المعايير، أليس من الطبيعي أن يقلب الحراك المدني الطاولة على كل الفاسدين والمفسدين؟ وعندما يطاول الاهتراء ثلاثة أمور أساسية: الكهرباء والماء والنفايات، أي المقومات الحياتية الأساسية للمواطن، عندها لا تلومَنَّ من فقد صبره، ويصبح أقل ما يمكن التعبير عنه هو حراك يترجم وجع المواطن وعذابه اليومي واحتراق اعصابه. من هنا، نقدر الحراك المدني ونحن نتابعه يومياً، ونحترم حيويته في الدفاع عن حقوق مشروعة في كل زمان ومكان، وهو يمثل النموذج الواعي لحراك قادر، استقطب جماهيراً من كل أنحاء الوطن، وامتلأت الساحات وبطريقة حضارية، فاستبشر اللبنانيون خيرا لأنهم اعتبروه حراكا نابعا من رحم الحقيقة والواقع. تطورت الأمور بعد ذلك إلى مجموعة حراكات واعتصامات أمام مطارح وأمكنة ترمز إلى الفساد بشكل كبير أيضاً، وقدرنا ذكاء ونضج الحراك وهو يمثلنا جميعاً، ولكن… وأضع مئة خط تحت كلمة “ولكن”، أقول بخلفية أنصع من ثلج صنين أن الحراك يكاد يغرق في ثلاثة أخطاء: 1-عندما بدأ الحراك المدني بملف النفايات بشكل ممتاز، تحركت الحكومة تحت هذا الضغط، وحصد الحراك الإحترام والتقدير، وكانت خطة النفايات التي وضعها الوزير أكرم شهيب مع لجنته الفنية ونادى الآخرين للمشاركة في تحسينها، كان من المفروض تسهيل تنفيذ هذه الخطة والتركيز عليها لإيصالها إلى شاطىء الأمان، وعدم توسعة بيكار النضال ليطاول كل الملفات التي تفوح منها رائحة الفساد، ولكن الشعب ضاع فبدل التركيز على ملف النفايات ضاعت “الطاسة”، وكثر الخبراء واصبحت الشاشات معبراً لـ “الأبطال”، وتناقضت الأرقام من خبير إلى آخر، وسمحت للقاصي والداني أن يدلي بدلوه وبانت الأمور وكأن هناك خطة لا علاقة لها بهذه الملفات، بمعنى تسييس الحراك وابعاده عن هدفه الأساس، ونحن مستعدون لمناظرة أمام الجميع لتبيان الحقائق، وخصوصا في ملف النفايات. 2- الخطأ الثاني وهو تحويل التظاهرات إلى الإساءة بحق مواطنين آخرين في أرزاقهم وايمانهم بوطنهم وتخريب ممتلكاتهم، فنحن انتقلنا من الحراك الحضاري إلى الحراك العنيف غير القادر وضمن تناقضات النظام اللبناني على التغيير. 3-عندما ترتفع صور الزعماء كل الزعماء، وتسير الإعتصامات إلى بيوت مسؤولين من جهة معينة فيما الفساد يطاول الجميع، بذلك بدأ الحراك يخسر مروحة التعاطف مع جزء كبير من اللبنانيين، لأن أول شروط النضال الشجاعة في مقارعة الجميع وعدم الاستنسابية. نؤمن بكل المبادىء التي قام الحراك المدني على أساسها، ومثل وجع كل اللبنانيين، ونقول عودوا إلى يوم 29 أيلول كمثل يقتدى به، والانجازات التي قمتم بها هي في عيون كل لبناني شريف.   رئيس جمعية طبيعة بلا حدود*  

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This