يتهمنا السيد فادي عبود، صاحب “محرقة ضهور الشوير – الخنشارة”، بأننا نعمل عند السيد ميسرة سكر، أي عند سوكلين، وهذا ما يدفعنا لشيطنة المحارق، لحساب المطامر. يبدو أن السيد عبود لا يعرفنا، ولم يسمع يوما عنا، ولا هو متابع لتاريخنا، في مواجهة كل السياسات غير البيئية السليمة في موضوع النفايات، وفي كل الملفات البيئية الأخرى. ويبدو، أكثر من ذلك، أنه يظننا طريي العود، ويجهل أننا منذ 35 عاما نتابع، من موقع العلم والمعرفة والاختصاص، المؤتمرات العلمية الدولية، والاتفاقيات الكيميائية الدولية، إتفاقية “ستوكهولم” بشأن الملوثات العضوية الثابتة، واتفاقية “بازل” بشأن النفايات الخطرة، واتفاقية “روتردام” بشأن التجارة الدولية للكيماويات، والنهج الاستراتيجي للإدارة الدولية للكيماويات، واتفاقية ميناماتا بشأن الزئبق، وهي كلها تبحث في مصادر التلوث الكيميائي، وضمنا محارق النفايات، وتعتبرها مصدرا رئيسا لانبعاثات أكثر الملوثات الكيميائية ثباتا وسمية وخطورة على البيئة والصحة البشرية، لهذا الجيل من البشر ولأجيال قادمة. وهو لا شك يجهل بأننا تابعنا منذ 1996 وحتى اليوم، ومن مواقع مختلفة، رسمية حكومية، ومدنية غير حكومية، كل أعمال هذه المؤسسات الدولية، من اتفاقيات وبرامج وأطر عالمية للإدارة السليمة بيئيا للكيماويات. وبأننا نشارك منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، في معظم اجتماعات الخبراء التقنية بشأن الإدارة الكيميائية، والتلوث الكيميائي من كل المصادر، الصناعية منها وغير الصناعية. وربما هو يجهل أيضا، اننا نعير مسألة إدارة النفايات الصلبة المنزلية، والنفايات الصناعية، والنفايات الخطرة من كل المصادر، والنفايات الطبية بكل أنواعها، الخطرة وغير الخطرة، اهتمامنا الخاص على مدى سنين طويلة. وبأننا من رواد الإدارة البيئية السليمة لكل أنواع النفايات، ونعتبر أنفسنا منذ بدأنا مسيرتنا في هذا المجال العلمي عالي التخصص، روادا في الكفاح من أجل الإدارة السليمة بيئيا، والآمنة صحيا، والمعقولة اقتصاديا وماليا، والملائمة اجتماعيا، للنفايات بكل أنواعها، وروادا في الكفاح من أجل حماية الصحة البشرية، من كل المخاطر المترتبة عن الخيارات غير السليمة في معالجة ملفات النفايات، ومن أجل حماية البيئة من التلوث والتدهور الناتج عن تلك السياسات. إذن لسنا مروِّجين لبضاعة فاشلة بيئيا منافسة لبضاعتكم، ولسنا “نُشَيطِن” المحارق لحساب المطامر، إذ أننا نخوض المعركة بنفس القوة ضد طمر النفايات، كما ضد حرقها، ولو في سياقين متباينين، تبعا لخصوصية كل منهما. بل نحن نحمل رؤية متكاملة لإدارة النفايات المنزلية، محكمة المنهجية، مرتكزة على العلم والمباديء الأساسية لحماية البيئة والصحة العامة، واسترداد الموارد وقيمتها المهدورة في النفايات. وهذه الرؤية المتكاملة ترتكز على فصل مكونات النفايات، وجمعها ونقلها المنفصل، ومعالجة كل مكون حسب ما تقتضيه الإدارة السليمة من إعادة تدوير وتسبيخ أو هضم لاهوائي. باستبعاد كامل لخيارات الطمر الكلي أو الحرق، لعبثية هذين الخيارين، وتأثيراتهما المدمرة، المباشرة والبعيدة، على البيئة والصحة العامة، وفي لبنان تحديدا، على المالية العامة أيضا. أما بعد، نتوجه بكلامنا لإهالي منطقة “ضهور الشوير- الخنشارة”، أولى ضحايا “محارق” الموت البطيء، والسريع أحيانا، وإلى عموم أهلنا في منطقة كسروان والجبل، وإلى أهلنا في النبطية والجنوب، وإلى الشعب اللبناني العزيز في كل المناطق، حيث سيعملون على زرع “محارق” الموت، و”مطامر” التلويث المستدام للبيئة اللبنانية، مستظلين بما أوصلوا البلد إليه من أزمة خانقة للنفايات، ومن فشل ذريع في إدارة هذا الملف، سابقا وحاليا. إن ادعاءهم بالتعامل مع وضع طاريء، وبالتالي، الضغط على الناس للقبول بخياراتهم العبثية والملوثة والمهددة للبيئة والصحة العامة، هو ادعاء كاذب. فلو كانوا فعلا يتحسسون أن الأزمة شكلت وضعا طارئا، أو استثنائيا، أو أنها تشكل وضعا ضاغطا ومهددا لصحة الناس، في العاصمة، وفي كل المناطق، لكنا شهدنا سلوكا مغايرا للحكومة، ولجانها المتخصصة بموضوع النفايات، ولكل مؤسساتها. وهذا طبعا لم يحصل على الإطلاق. فنحن في اليوم 121 لأزمة النفايات، ولم نشهد أي إجراء استثنائي، أو سلوك يشي بالتعامل مع حالة طارئة. بل بالعكس تماما، شهدنا ونشهد تسويفا، وتأجيلا، وضجيجا وقرقعة بلا طحين، ومماطلة، بل أقبح من ذلك، شهدنا عرقلة رسمية لمبادرات البيئيين وبعض منظمات المجتمع المدني الهادفة للتخفيف من مخاطر النفايات، المتراكمة في الشوارع، على صحة المواطنين. على خلفية الأزمة المستمرة، واللامبالاة الحكومية حيالها، نشهد إعادة إحياء لنظام المحاصصة في اقتسام “كعكة” النفايات من جديد. هم مارسوا كل الضغوط، وفي مقدمتها ضغط الزبالة في الشارع، وعلى نوافذ غرف نوم المواطنين، وكذلك التحريض الطائفي والمذهبي، بكل الوسائل، طوال هذه المدة، ليستقروا على اقتسام من نوع جديد، ربما هو أربح لكل الأطراف، التي تنافست و”تكابشت” لكي ترث تركة الصفقات السابقة. فالصورة بدأت تأخذ نقاوتها النهائية، وفق خطتهم، التي يضعون اللمسات الأخيرة عليها قبل دعوة مجلس الوزراء لإقرارها. وهكذا يتم اختزال دور “مقام مجلس الوزراء” من سلطة تدير شؤون البلاد، إلى معبر لتمرير توافقهم على تقاسم “التارتة”. فوفق هذه التوافقات، مطمر “سرار” في عكار لنفايات عكار والشمال وبيروت. ومطمر الجنوب، يقول البعض أنه في “الكفور”، فوق آبار فخر الدين في النبطية، التي تغذي مدينة النبطية، وعدد كبير من القرى والبلدات في منطقتها، بالمياه العذبة، والبعض الأخر يقول أنه في “بعصفور”، بين أنصار والدوير، في قضاء النبطية أيضا، ليستقبل إضافة لنفايات الجنوب، نفايات الضاحية الجنوبية لبيروت. ومطمر في “الكوستابرافا”، على الشاطيء الجميل لمدينة الشويفات، وعلى مضرب الريح الجنوبية الغربية، التي تحمل نسيم البحر وتوزعه على كل المرتفعات الواقعة لجهة الشرق والشمال الشرقي، وكل بيروت، ليستقبل نفايات منطقة الشوف وعاليه. أما مناطق كسروان وبعبدا وربما جبيل أيضا، فاستقر الرأي على نشر المحارق في تلك المناطق، وقد بدأت فعلا، على الرغم من القرارات القضائية واعتراضات الأهالي. وجديد المعلومات، أن صفقات قد أبرمت، بالتفاهم والتكافل، بين “صناعيي” محرقة “ضهور الشوير” وآخرين “جنوبيين” لاستيراد المحارق ونشرها في كل المناطق. وهناك عقود لاستيراد 6 محارق قد تم دفع أثمانها، مسبقا، تأكيدا وتثبيتا لـ”حق حصرية” استيرادها إلى لبنان. وهكذا، إن الخطة الجديدة لتقاسم “كعكة النفايات”، توزع المطامر كما المحارق على كل المناطق، ولكل منطقة أسيادها، إن رضوا، وهم على طريق الرضى يتقدمون، نجحت الخطة، ودعي مجلس الوزراء لإبرام فرمانها. في سياق كل هذه التطورات، وبالترابط معها، يستمر أصحاب المحارق بتسويق مقولاتهم الترويجية، المستقاة من “كاتالوغ” تجاري، ترويجي، لا يرقى إلى الحقائق العلمية بشيء، ويقدمون الإغراءات لبعض وسائل الإعلام كي تتبنى حملتهم، والسير معهم في تسخين حملة الترويج هذه. أتوجه إلى أهالي منطقة “ضهور الشوير – الخنشارة”، وإلى كل أهالي منطقة كسروان والجبل، وإلى أهالي الجنوب والبقاع والشمال، وإلى كل شعبنا العزيز والكريم في كل المناطق، لأحيطهم علما بأن كل المعطيات التقنية للمحرقة تشير إلى أنها غير مزودة بأي تجهيز لمعالجة الغازات المنبعثة من عمليات الحرق. لا فلاتر متطورة لالتقاط وتجميع “الرماد المتطاير” Fly Ash، لمنعه من الانتشار في الهواء الجوي، وهو من أخطر الملوثات على الصحة البشرية، وفق كل التقارير العلمية ذات الاختصاص. ولا أبراج لغسيل الغازات المنبعثة، وتعديلها، بهدف التخفيف من مخاطرها على البيئة والصحة العامة. ولا قسم خاص لغسل “الرماد المتبقي” ومعالجته. ولا تجهيزات ملحقة بالمحرقة لاسترداد الطاقة وتحويلها إلى أشكال قابلة للاستخدام. وعلى الرغم من كل ذلك، يصر المروجون على تكرار القول أن المحرقة “من الجيل الرابع”، لإيهام الناس الطيبين أنها على درجة عالية من الأمان البيئي والصحي. فهل يعرف هؤلاء ماذا يعني مصطلح “الجيل الرابع” 4th generation؟ في بلدان العالم، يأتي “حرق النفايات” من ضمن خطة متكاملة لإدارة النفايات، مع تحديد دقيق لنوع ومواصفات النفايات المعدة للحرق، وأهداف واضحة من عملية الحرق ضمن الخطة المتكاملة. ولذلك، تكون المحرقة، في البلدان المتقدمة، ملحقة في مجمع لإدارة النفايات، وتخضع هذه العملية لمعايير ومقاييس ومواصفات عالية الدقة، ولتشريعات منظمة عالية الوضوح، ولأجهزة متابعة ورصد ومراقبة عالية الكفاءة والفعالية. وعلى الرغم من كل ذلك، هي في كل بلدان العالم إلى تراجع كبير بسبب مخاطرها البيئية والصحية. إن محرقة “ضهور الشوير – الخنشارة”، تسللت إلى لبنان تحت أسماء مستعارة، لا تنم عن هويتها الحقيقة، ويجري وضعها في غابة بعد قطع عشرات الأشجار، وبدون أي ترخيص من أي جهة ذات صلاحية، وعلى الرغم من قرار قضائي بوقف إنشائها. فهل تشبه هذه المحرقة في شيء المحارق، التي تتمثل بها على شاشات التلفزة وفي مختلف وسائل الإعلام؟ إن موضوع “الأجيال” لا يتعلق بالمحارق كتجهيزات، بل بتاريخ الحرق كاستراتيجية للتعامل مع النفايات. فالمحرقة مجهزة بغرفتين للاحتراق، الأولى لحرق النفايات، والثانية لحرق الغازات المتولدة عن الغرفة الأولى، وهذه التقنية يعود عمرها إلى الستينات من القرن الماضي، وهي ليست إنجازا تقنيا حديثا تنفرد فيه “محرقة” “ضهور الشوير”. وكذلك الأمر فيما يتعلق بدرجات حرارة الاحتراق، فهذا يعود أيضا إلى ستينات وسبعينات القرن الماضي. وهذا ليس مدعاة للتباهي، ولا مؤشرا على حداثة التكنولوجيا، إذا منذ أن نشأت المحارق، حتى حينما كانت بغرفة فرن واحدة، كانت تتميز عن الحرق في الهواء الطلق، بارتفاع درجات حرارتها، سعيا وراء تأمين الأحتراق الكامل للمواد، على خلاف الاحتراق غير الكامل الذي يحصل في الحرق في الهواء الطلق، الذي شهدته القرون السابقة على القرن العشرين. فما هي مراحل تاريخ استراتيجية الحرق منذ مطلع القرن العشرين حتى اليوم؟ أي ما هي “أجيال” استراتيجية الحرق؟ “الجيل” صفر Generation 0: هي المراحل من التاريخ البشري، حيث كان سائدا حرق النفايات في الهواء الطلق. أو هي مرحلة ما قبل التاريخ في موضوع حرق النفايات. وهنا، من المفيد القول، أن ما يشهده لبنان من حرق لمزابله المنتشرة في كل مناطقه، على جباله وهضابه وسهوله، ساحلا وجبلا وسهلا، بالإضافة إلى ما شهده ويشهده من حرق في الهواء الطلق في شوارع عاصمته ومدنه وقراه، ينتمي بكل أسف إلى ممارسات ما “قبل التاريخ”. “الجيل” الأول 1st Generation: يبدأ منذ بداية القرن العشرين 1900، مع استعمال الفرن بغرفة احتراق واحدة لحرق النفايات. “الجيل” الثاني 2nd Generation: يبدأ مع بداية الستينات من القرن الماضي 1960، حيث أضيفت على استراتيجية حرق النفايات عمليات إزالة الجزيئات من الغازات المنبعثة Dust Removal from flue gas. وهنا أضيفت للمحارق تجهيزات لالتقاط الجزيئات من الغازات، أي الفلاتر التي تلتقط جزءا هاما من الرماد المتطاير عالي الخطورة، وتنظف الانبعاثات منها ولو جزئيا. “الجيل” الثالث 3rd Generation: بدأ في أواسط الثمانينات من القرن الماضي 1985، حيث أضيفت إلى استراتيجية الحرق تجهيزات للغسل الكيميائي للغازات المنبعثة، إضافة لما حمله الجيل الثاني من إضافة فلاتر لالتقاط الجزيئات. وهذا ما نسميه “أبراج غسيل” الغازات، حيث نستعمل رشاشات لمحاليل حمضية لتعديل القلويات، ومحاليل قلوية لتعديل الأحماض، ومحاليل كيميائية أخرى لتغيير طبيعة بعض المركبات الكيميائية السامة، بهدف التخفيف من سميتها. إذن في واقع تقنيات الحرق، تضاف منجزات الأجيال السابقة على اللاحقة في استراتيجيات حرق النفايات، لتحقق التقدم المطلوب في التحكم بالتلوث الرهيب، الذي تحدثه المحارق، وللتخفيف منه قدر الإمكان، وللتخفيف من مخاطره على الصحة البشرية، ولو جزئيا. “الجيل” الرابع 4th Generation: بدأ في 2006، بتعديل في فلسفة الحرق ومضمون استراتيجية الحرق وأهدافها. فمن التخلص من النفايات في “الأجيال” السابقة لاستراتيجية الحرق، إلى استرداد الطاقة والمواد كهدف لاستراتيجية الحرق Recovery of Energy and Materials. إذن عندما نقول استراتيجية حرق من “الجيل الرابع”، نعني بهذا المصطلح، استراتيجية استرداد الطاقة والمواد، في منشآت تتوفر فيها كل متطلبات الأجيال السابقة من تجهيزات لالتقاط الجزيئات وللغسل الكيميائي للغازات. وتجهيزات لتحويل الطاقة لأشكال صالحة للاستخدام لتلبي حاجات محددة، وعمليات تؤمن استرداد المواد في شكل يجعلها قابلة للاستعمال في استخدامات محددة. على ضوء ما تقدم، إذا أردنا أن نصنف محرقة “ضهور الشوير – الخنشارة” إلى أي جيل من أجيال استراتيجية الحرق تنتمي؟ على ضوء افتقارها للفلاتر لالتقاط الجزيئات (الرماد المتطايرFly ash)، ولأبراج الغسيل الكيميائي للغازات، فهي تنتمي إلى الجيل الأول معدلا، أي فرن يعمل بغرفتي احتراق بدل واحدة. وللأمانة، فهي أفضل بقليل من محارق العام 1900. وهي بالتالي، مصدر عالي الخطورة للتلوث البيئي ولتهديد الصحة البشرية بكبير المخاطر، إذ تدع الرماد المتطاير ينبعث في الهواء الجوي، وهو يتكون من جزيئات صغيرة ومتناهية الصغر مصنفة نفاية خطرة، وملوث خطير على البيئة والصحة البشرية خصوصا. وهي تدع غازات الاحتراق تنطلق في الهواء الجوي دون أي معالجة، أو تفاعلات تخفف من خطورتها وسميتها، وهي بذلك تكون غنية بمركبات كيميائية عالية السمية والخطورة مثل الديوكسين والفوران، والمركبات الهالوجينية، الكلورية والبرومية والفليورية، وكذلك المعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص والكادميوم. ختاما… لسنا “أرانب” تجارب لتجار الموت… وعليه، ندعو كل الأهالي المتضررين، وأصحاب المؤسسات الصناعية والخدمية والتجارية والتربوية، المتوقع أن تكون متأثرة بمخاطر هذه المحرقة، أن ينظموا أنفسهم للقيام بتحركات احتجاجية متصاعدة، وأن يرفعوا دعاوى للقضاء المختص للنظر بهذا التهديد باعتباره “تلويثا مقصودا بمواد خطرة” يسبب الضرر على صحة المواطنين، تتناوله القوانين البيئية المرعية الإجراء، ولا سيما القانون الإطاري لحماية البيئة رقم 444 للعام 2002، والقانون رقم 64 الصادر في 12/8/ 1988 المتعلق بالمحافظة على البيئة ضد التلوث من النفايات الضارة والمواد الخطرة.