على خلفية فشل الخطط الحكومية للخروج من أزمة النفايات، التي أدخلوا البلاد إليها، وذلك لعدم اتعاظ فريق الحكومة المكلف بوضع هذه الخطط من دروس فشل السياسات السابقة، التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه. وهي فشلت وتفشل لإنها أبقت على “الطمر” و”الحرق” خيارين وحيدين للتخلص من النفايات المنزلية، متجاهلة بشكل يثير الاستفزاز، والاستهجان والغرابة، كل ما يطرحه البيئيون من حلول متكاملة لإدارة بيئية سليمة وآمنة للنفايات. يبدو أن السبب الوحيد لهذا التجاهل، يكمن في كون هذه الحلول المتكاملة لا تتيح المجال لـ”بيض الذهب”، الذي تتيحه الخيارات الأخرى التي يصرون عليها رغم كل مخاطرها ومساوئها وفشل السير بها. على خلفية الفشل الموصوف هذا، يعود جهابذة السلطة عندنا ليطرحوا موضوع “ترحيل النفايات إلى الخارج” من جديد. وهم كانوا قد طرحوا هذه الفكرة في بدايات الأزمة، وطويت نظرا لتعقيداتها الكبيرة ولكلفتها الجنونية. وعلى ضوء العودة لهذه “النغمة”، نرى من الواجب إعادة تذكير المسؤولين بإجراءات إتفاقية “بازل”، التي ترعى دوليا حركة انتقال النفايات عبر حدود الدول، من الدولة المصدرة إلى الدولة المستوردة مرورا بدول العبور. حرصا منا على ألا يقعوا في محظور “اتجار غير مشروع”، ولو عن غير قصد، الذي يمكن أن يرتب على لبنان مسؤولية معنوية ومادية وقانونية كبيرة. إن الحركة المشروعة للنفايات عبر حدود الدول تنظمها إجراءات إتفاقية “بازل” بشأن حركة النفايات الخطرة وغيرها من النفايات عبر الحدود. والخروج على هذه الإجراءات، أو تجاهلها أو الاستخفاف بها من شأنه أن يجعل من أي شحنة للنفايات “حركة غير مشروعة”، وبالتالي تصنف في باب الاتجار غير المشروع المعرَّف عنه في الاتفاقية. المادة 6 الفقرة الأولى، والقرار رقم VIII/18، الذي أقر في المؤتمر الثامن للاتفاقية، تشمل شرحا مفصلا لإجراءات النقل، وتحضير وثائق النقل، والموافقات المسبقة للسلطة المختصة في بلد الاستيراد وبلدان العبور. إن بلد التصدير، وهو في هذه الحالة لبنان، يبعث بإخطار خطي عبر السلطة المختصة فيه ( وهي وزارة البيئة في لبنان) إلى السلطة المختصة في بلد الاستيراد وبلدان العبور، بشأن أي شحنة للنفايات الخطرة أو أي نفايات أخرى. هذا الإخطار يجب أن يتضمن كل البيانات والمعلومات المنصوص عنها في الملحق V A للاتفاقية، مكتوبة بلغة مفهومة ومعتمدة في بلد الاستيراد وبلدان العبور. وترسل نسخة من هذا الإخطار إلى كل بلد معني بهذه الشحنة، ويقصد هنا بالإضافة إلى بلد التصدير والاستيراد البلدان التي ستمر فيها الشحنة اي بلدان العبور. ومن الضروري إخطار سكرتارية اتفاقية بازل بهذا الأمر. إن القرار VIII/18 الذي أقر في المؤتمر الثامن للاتفاقية (2006)، يدعو الأطراف إلى استعمال النموذج المعدل للإخطار الجديد الذي أقره المؤتمر، واتباع توجيهات تحضير الوثائق المتعلقة بالشحنة. تتكون وثيقة الإخطار لنقل النفايات من عدد كبير من الأبواب والخانات، تتعلق بمعلومات تفصيلية كاملة عن النفايات، لن نذكرها كلها، ولكن سنتوقف عند ثلاث منها، نعتبرها هامة جدا في موضوع نفاياتنا، التي يفكر مسؤولونا بترحيلها إلى الخارج، وهي التالية:

  • الخانة رقم 12 المتعلقة بـ “تعيين النفايات وتكوينها” Designation and composition of the waste، وذلك بشكل مفصل وكامل.
  • الخانة رقم 13 المتعلقة بـ “الخصائص المادية” Physical characteristics، وباستعمال الرموز والمختصرات المعتمدة في الاتفاقية.
  • الخانة رقم 14 المتعلقة بـ “تحديد النفايات” Waste identification، وذلك أيضا باستعمال الرموز والمختصرات المعتمدة في الاتفاقية.

وأخيرا، لا يمكن للشحنة أن تبدأ وتأخذ طريقها قبل الموافقة الخطية من كل الدول المعنية، بلد الاستيراد وبلدان العبور. وبعد التخلص من النفايات يصار إلى إخطار الدولة المصدرة خطيا بهذه العملية، مرفقة بكل التفاصيل بشأنها. هذه هي الحلقات الأهم في إجراءات “الانتقال المشروع” للنفايات عبر الحدود. وهنا يجدر التنبيه، أن “الاتجار غير المشروع” بالنفايات لا يزال ممارسة موجودة منذ سنوات طويلة، ورغم كل الجهود الكبيرة لاتفاقية “بازل” وتعاون كل الأطراف، لا زلنا نشهد في كل عام حالات من الانتقال غير المشروع للنفايات، عن طريق “شركات” و”تجار” و”مروجين” تفتقر إلى الشفافية في عملها، أو أحيانا تشوبها الأخطاء في تطبيق الإجراءات الصارمة لاتفاقية “بازل”، وبغض النظر عن النوايا، إن أي خلل في هذه الإجراءات يصنف “اتجار غير مشروع”، ويرتب مسؤولية ومساءلة قانونية ومعنوية على الدولة المصدرة لهذه النفايات. إن هذه العملية معقدة، وتتطلب وقتا، وهي عالية الكلفة بسبب كل تلك التعقيدات. فهل نحن فعلا على اضطرار للقيام بها؟ نحن لا نعتقد ذلك، لأن الحلول البيئية موجودة، ولكن على السلطة السياسية أن تتخلى عن اعتبار ملف النفايات “دجاجة تبيض ذهبا”، والذهاب إلى المعالجات البيئية السليمة المتكاملة، التي يطرحها البيئيون في لبنان.  

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This