حبيب معلوف

أن تنتهي أزمة النفايات بالترحيل، يعني أن تبدأ أزمة جديدة أكبر. إنها أزمة أخلاق. فكيف سنسمح لأنفسنا بنقل نفاياتنا الى الآخرين بعد ان رفض بعضنا استقبال نفايات بعضنا الآخر، وفق المعايير اللبنانية؟!
بالإضافة الى ازمة الأخلاق هناك ازمة المصداقية. الكل فقد مصداقيته في هذه الأزمة. الكتل السياسية المتحكّمة والحكومة مجتمعة والوزراء المعنيون… وكل مسؤول تعاطى بقلة مسؤولية تاريخياً في هذا الملف من قريب او بعيد. كل مسؤول لم يعرف كيف يضع الخطط المستدامة، مسؤول، وكل مَن اعترض بشكل مطلق وعن قلة مسؤولية، مسؤول.
ليس جوهر المشكلة في زيادة الكلفة. فوفق المعايير البيئية، تحدد الكلفة حسب طرق المعالجة والالتزامات، وتحسب الكلفة بكل ابعادها المرحلية والمتوسطة والدائمة. وإذ سترتفع كلفة الترحيل حتماً عن أي كلفة محلية للمعالجة وفق أي تقنية واي طريقة، كيف سيتم تبرير هذا التبذير في إنفاق المال العام لدولة مفلسة وشعب مفلس بكل المعاني؟
لم يكن مهماً ان نعرف مصير النفايات ووجهة الترحيل ولا الكلفة (الخيالية بالتأكيد) التي تناقشها الحكومة المتعثرة بحالها. فهذا الخيار بحد ذاته يعتبر قمة الإفلاس بكل معانيه وقمة الفساد أيضاً. وإذ نعرف ان ليس من بلد أوروبي قبل بنقل النفايات إليه كيفما اتفق، كان يجب ان نستنتج فوراً ان العملية لن تتم وفق معايير محترمة من أناس، او شركات، او حتى مافيات محترمة. فكيف قبلنا على أنفسنا أن نصل الى هذا الحد من قلة المسؤولية ومن الجنون؟
أي لا مسؤولية عند المسؤولين واستهتار واستخفاف بكل القيم والمعايير؟ أي مجتمع استهلاكي باتت تعيشه أكثريتنا، تستهلك فيه القيم والمعايير كما تستهلك السلع وترمي أخلاقياتها جانباً كما ترمي أكياس النايلون؟!
كيف سنؤمن للعيش مع بعضنا بعد اليوم؟ وقد فسدت اخلاقنا الى هذه الحدود؟ كيف نستسهل أن نرمي كل هذه النفايات هنا وهناك، فوق التراب وتحته، في الاودية والوديان، في الأنهر والبحر، فنلوث كل شيء ونسمم حياة ومستقبل أولادنا والاجيال القادمة؟
اية اخلاقيات تسمح لنا بفعل كل ذلك؟
اية اخلاق تسمح لنا بأن نرسل نفاياتنا أيضا الى خارج الحدود بواسطة شركات او مافيات (على الأرجح) فنسمّم حياة وبيئة آخرين؟
كيف سنؤمن العيش مع بعضنا وفق قواعد أخلاقية مماثلة؟ كيف سنؤمن للخباز وما الذي سيمنعه من إضافة كناسة مخبزه من الطحين الى عجينه وخبزه أو تحويل الخبز الفاسد إلى عجين وخبز او كعك مجدداً؟!
كيف سنؤمن للنجار او الحداد او أي مهني فسدت أخلاقه الى هذا الحد؟
كيف سنؤمن الى أي كاتب او صحافي او مواطن… عندما يقبل بالتخلّي عن المعايير الأخلاقية التي تحكم العلاقات الإنسانية؟!
الى أي حد من الإفلاس وصلنا على المستوى الأخلاقي؟
تتقاطع فكرة الترحيل مع فكرة التخلي. إنها عملية تخلي عن القيم. وكأننا نريد أن نرمي وراءنا مشاكلنا، لكي نستطيع ان نتقدم الى الأمام. الفكرة بحد ذاتها بشعة ولو أننا كنا نطرحها كإجراء مؤقت (لـ 18 شهراً)… وإحدى أهم قواعد الفلسفة البيئية تقول: إن فكرة أن نرمي مشاكلنا خلفنا للتخلص منها والتقدم الى الأمام لم تعد جائزة في عصرنا. فكل ما نرميه خلفنا، إنما نرميه بوجه أناس آخرين!
نحن لم نعُد وحدنا في هذا العالم. هذا هو عنوان الوعي البيئي الجديد. لم يعُد هناك من آخر. الآخر هو نحن. كوكبنا واحد بحياته ومماته ومشاكله. كل واحد من نوعنا الإنساني هو مواطن هذا العالم. وخلفنا بالتالي إنسان آخر، سواء في أفريقيا او في قبرص، او في أي بقعة من العالم. وكل فرد او دولة مسؤولة عن معالجة مشاكلها، لاسيما المنزلية منها (وبالأخص نفاياتنا المنزلية)! فكيف يُعقل أن نرحّل أو أن ننقل مشاكلنا المنزلية إلى العالم؟ هل مسّنا جنون العظمة؟ شعب عظيم وغني وفوق العادة… لديه مستخدمون والعالم كله مزبلته؟

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This