بسام القنطار

رغم مرور قرابة ثلاثة أسابيع على اقرار خطة ترحيل النفايات في جلسة استثنائية لمجلس الوزراء، لم يعرف بعد وجهة البلدان التي ستتجه اليها النفايات، وذلك بانتظار ان تحصل الشركتان اللتان سيتم التعاقد معهما  على الاذونات من سلطات الدول التي تم ترشيح تصدير النفايات اليها. وبحسب المعلومات، فقد اشترط مجلس الوزراء على ان تحصل الشركة التي سيتم التعاقد معها على موافقة خطية من وزارة البيئة في الدولة المعنية ومصادق عليها في وزارة الخارجية في تلك الدولة.

اعترض اكثر من طرف سياسي على خيار الترحيل، ان لجهة الكلفة والجدوى الاقتصادية والسيولة النقدية وغياب الشفافية في اختيار الشركات بناء على مناقصة واستدراج عروض بدل تلقي عروض الشركات نفسها ومقارنتها مع عروض شركات أخرى بما يتعارض مع قانون المحاسبة العمومية ، لكن ايا من الاطراف السياسية لم يرتق باعتراضه الى مستوى تعطيل قرار الترحيل، لا بل ذهبت اكثر من جهة الى اعتبار اعتراض كتلتين وزاريتين على القرار غير ذي اهمية، وجرى تمرير قرار ترحيل النفايات بذريعة “حساسية الملف وطابعه الاستثنائي”، رغم ان قرار مجلس الوزراء يشكل خرقاً فاضحاً للآلية المعتمدة بالمصادقة على القرارات في ظل شغور الموقع الرئاسي.

 

ترحيل مؤقت ومحارق دائمة  !

 يحرص رئيس الوزراء تمام سلام  على وصف قرار ترحيل النفايات بأنه “حل مؤقت وانتقالي ومرحلي (…) وأن الحل الجدي والجذري لموضوع النفايات يجب أن يكون حلا مستداما”. وأمل سلام في ايجاد علاج نهائي على مستوى استخراج الطاقة من النفايات بالاستناد الى قرارات سابقة صدرت عن مجلس الوزراء. في اشارة الى القرار 55 الصادر في ايلول العام 2010  والمتعلق بمسار الخطة الوطنية الشاملة لادارة النفايات التي اعتمدت تقنية التفكيك الحراري للنفايات في المدن الكبرى، ودمجها مع الخطة الاساسية لعام ٢٠٠٦ وتعتمد تقنية طمر النفايات.

وينص قرار مجلس الوزراء على الموافقة على تكليف مجلس الانماء والاعمار تصدير النفايات الى خارج الاراضي اللبنانية، وفقا للقوانين المحلية والقوانين الدولية في معالجة النفايات، وذلك وفقا للاحكام المنصوص عليها، والموافقة على التعاقد مع شركة شركة Howa الهولندية وشركة شركة Chinook البريطانية. ويتوجب على الشركات تقديم كفالة مصرفية خلال مهلة أسبوع، وتقديم المستندات المفروضة للدولة أو الدولة المصدرة اليها النفايات، التي تثبت موافقة الدول خلال مهلة شهر، وفي حال عدم تقديم أي من الشركتين للكفالة المصرفية تلغى الكفالة، وفي حال عدم تقديم المستندات المطلوبة، يكلّف مجلس الانماء والاعمار باستدارج عقود جديدة. مدة كل عقد 18 شهرا ابتداء من تاريخ اعطاء الشركة أمر مباشرة العمل، 125 دولار كلفة ترحيل الطن الواحد، التفاوض مع شركة شيروك Chinook البريطانية لفرز النفايات قبل ترحيلها بكلفة 25 دولار للطن الواحد والتعاقد معها في حال التوافق. واخيراً التأكيد على قرار الحكومة باعتماد تحويل النفايات الى طاقة، ورفع دفتر الشروط الى الحكومة، والاستمرار في تسيير منشآت الفرز والمعالجة ابتداءاً من 17/7. ويتحمل الصندوق البلدي نفقات النظفاة. كما نص القرار على تشكيل الفريق الفني المركزي بمؤازرة وزارة الداخلية الاشراف على خطة النفايات. مهام هذا الفريق تكون اعداد برنامج تدريبي في الادارة المتكاملة للنفايات الصلبة خلال شهرين، وإعداد مشاريع القوانين والمراسيم، والتعميم الفوري للارشادات المتعلقة بالفرز من المصدر، واعداد مسودات دفاتر شروط ومناقشتها مع البلديات، ومؤازرة البلديات وتقديم العروض، اضافة الى أي مهام أخرى يكلفها به وزير الداخلية.

 

20 كانون الثاني موعد حاسم

 ملاحظات عديدة يمكن وضعها على الصيغة التي خرج بها نص قرار مجلس الوزراء. فمن جهة، يبدو واضحاً ان اللجنة الوزارية التي اعدت ملف الترحيل قد اوصت التعاقد مع شركتين للترحيل وليس شركة واحدة بهدف تنويع دول التصدير وعدم حصرها بدولة واحدة او بشركة واحدة ، لان اي تعطل لعلمية الترحيل فيما لو بدأ تنفيذها ستفضي الى عودة ازمة النفايات وتكدسها في الطرقات وفي مراكز التوضيب والتغليف. كما تفيد المعلومات ان عروض اخرى تقدمت بها شركات اوروبية وهندية قد جرى استبعادها لعدم مطابقة عروضها للشروط التي وضعتها اللجنة الوزراية.

النقطة الابرز التي يتوجب توضيحها، ان جلسة مجلس الوزراء لم تفضي الى الموافقة على توقيع عقود مع هذه الشركات، لتعذر ذلك من الناحيتن القانونية واللوجستية ، رغم ان مسودة هذه العقود جاهزة لدى مجلس الانماء والاعمار. وبناء على قرار مجلس الوزراء يفترض بالشركات التي تمت الموافقة على عروضها ان تحصل في غضون شهر  من  الدول التي ستقبل دخول النفايات الى اراضيها للحصول على موافقة السلطات المختصة في هذه البلدان.

يصرّ رئيس مجلس الوزراء تمام سلام ووزير الزراعة اكرم شهيب على ابقاء وجهة الترحيل سرية، حتى على بقية الوزراء ، بحجة ان الاعلان عن الوجهة حالياً سوف يعني العمل على عرقلة الخطوة من داخل لبنان وخارجه. ويؤكد شهيب أن الدول التي سوف ترحل إليها النفايات غير مجهولة، بل معلومة، وتم التحفظ على إعلانها إلى حين الحصول على موافقاتها المكتوبة، ذلك أن توقيع العقد النهائي مع الشركتين وتنفيذ قرار ترحيل النفايات مرهون بموافقات مسبقة موقعة من وزارات البيئة والخارجية في هذه الدول. كما اوضح شهيب أن تقديم العروض لم يكن حكراً على الشركتين المذكورتين، ذلك أن باب تقديم العروض كان مفتوحاً لكل الشركات المهتمة، وقد تقدمت سبع شركات بعروض مكتوبة، خمس منها كانت مستوفية للشروط.

وترجح مصادر واسعة الاطلاع لـ “الاعمار والاقتصاد” ان وجهة السفن التي ستبحر من مرفأ بيروت ستكون الى دول في افريقيا واوروبا الشرقية، وسط ترجيحات بقبول احد دول اوروبا الغربية بدخول النفايات الى اراضيها ايضاً. علماً ان الشركة التي ستفشل في الحصول على موافقة الدولة التي اقترحتها للتصدير ستخسر الكفالة المالية التي ستضعها لدى مجلس الانماء والاعمار والبالغة ٢.٥ مليون دولار. علماً ان المهلة القصوى لاتمام هذه العملية هي 20 كانون الثاني الجاري.

الناحية الاهم في العقود التي سيتم توقيعها انها تتضمن نموذجان ، الاول يتعلق بالترحيل والثاني يتعلق بمرحلة الاعداد والتجهيز قبل الترحيل، وسط ترجيحات تشير الى ان عقد التجهيز والتوضيب سيوقع مع شركة Chinook البريطانية اضافة الى عقد آخر يوقع معها للترحيل، في حين لن تتولى شركة Howa الهولندية سوى اعمال الترحيل لجزء من الكمية، وليس معلوماً بعد ما اذا كانت الكمية التي سترحل شهرياً والبالغة قرابة ٨٠ الف طن سيتم اقتسامها بالتساوي بين الشركتين او ان حصة شركة Chinook البريطانية ستكون الاكبر ؟ لكونها ستتولى وفق العرض المقترح عقد التجهيز والتوضيب، ما يعني عملياً انه سيتم تسليمها المنشآت التي تملكها الدولة اللبنانية في العمروسية والكرنتينا، والتي تتضمن تجهيزات الفرز الآلي واليدوي، ما يعني عملياً ان هذه الشركة ستحل محل شركة سوكومي التي تتولى حالياً اعمال الفرز والتوضيب في هذه المركزين، والتي الغى مجلس الوزراء العقد الموقع معها والذي يشمل اضافة الى اعمال الفرز تسبيخ ٣٠٠ طن من النفايات العضوية في معمل الكورال في برج حمود والذي سيتم اغلاقه الى حين اتخاذ قرار بشان اعادة تاهيله وتوسيعه او اغلاقه نهائياً في مرحلة لاحقة.

 

نوعية النفايات التي سيتم ترحيلها

 تفيد مصادر متابعة لهذا الملف، ان ادخال شركة Chinook البريطانية الى معملي الفرز في الكرنتينا والعمروسية مبرر من الناحية التقنية لكونه يرفع عن الدولة اللبنانية اي مسؤولية تتعلق بنوعية النفايات التي سيتم شحنها. في المقابل يؤكد خبراء بيئيون ان مسؤولية الحكومة اللبنانية بالاستناد الى الاتفاقات الدولية تبقى قائمة ولا يمكن القول انها تقف عند لحظة تسلم الشركة للنفايات في معامل الفرز والتوضيب او لحظة ابحارها من مرفأ بيروت. وفي مطلق الاحوال روجت اوساط حكومية ان شركة Chinook ستكون مسؤولة عن ضمان فرز جميع النفايات التي يمنع تصديرها وفق موجبات اتفاقية بازل التي ترعى مسالة تنظيم النفايات الخطرة وانتقالها بين الدول. والنقطة الاهم ان الشركة وفق المعلومات المتوفرة تقدمت بعرض اسعار، للقيام باعمال فرز المواد المعاد تدويرها وبيعها في السوق المحلي او الى الخارج، وتغليف المواد العضوية وتلك غير القابلة لاعادة التدوير تمهيداً لترحيلها ، اضافة الى فرز النفايات الخطرة والسامة التي تدخل مع النفايات المنزلية والتي لم يعرف حتى اللحظة ماذا سيكون مصيرها! إلا انه من المؤكد ان الشركة ستحرص على عدم وجودها ضمن الشحنات التي سترفع الى السفن التي ستدخل الى مرفأ بيروت لان السلطات الجمركية في الدولة المستوردة تعيد كاملة الشحنة في حال اكتشفت وجودها ضمن البضائع. كما لم يعرف بعد مصير النفايات الكبيرة الحجم وغير المنزلية (النفايات الخامدة والكبيرة)، التي تختلط عادة مع النفايات المنزلية وماذا اذا كانت ستطمر كما يجري حالياً في مطمر بصاليم ومن سيقوم بهذه المهمة ؟ اضافة الى عدم وضح مسألة تقنية بالغة الاهمية تتعلق بالنفايات العضوية وما اذا كان سيتم تجفيف المواد السائلة منها قبل الترحيل، وما مصير هذه المواد واي سترمى ومن سيقوم باعمال التكرير للمواد السائلة ؟ وما اذا كان هذا الامر وارد في العقد؟

ووفق السيناريو المرسوم ستسلم شركة سوكلين التي تتولى حاليا اعمال الجمع والكنس والنقل النفايات المجمعة الى شركة Chinook البريطانية في مركزي العمروسية والكرنتينا، علماً انه سرت معلومات ان شركة سوكلين تتجه وفق هذا السيناريو الى تبليغ مجلس الانماء والاعمار بعدم رغبتها تجديد عقد الكنس والجمع والنقل، وفق ما نص عليه قرار مجلس الوزراء في ايلول الماضي، وبذلك سيكون امام المجلس مهلة شهرين لاجراء مناقصة جديدة لتسليم مهمات هذا العقد الى شركة اخرى.

 

كلفة الترحيل تتجاوز 200 دولار اميركي

تقول اللجنة الوزارية على ان التفاوض مع الشركات التي وقع الاختيار عليها، قد افضى الى تخفيض كلفة الترحيل بنسبة كبيرة جداً، وانه خلافأ لما ذكر بأن الكلفة قد تتجاوز الـ250 دولارا أميركيا للطن الواحد، فإن الكلفة هي:

– 33 دولارا للطن: جمع ونقل إلى معملي الكرنتينا والعمروسية.

– 25 دولارا للطن: فرز وفرم وكبس ورزم وتغليف ونقل إلى المرفأ من معملي الكرنتينا والعمروسية.

– 4 دولارات للطن: المراقبة الكاملة لحسن تنفيذ العقود.

– 8 دولارات للطن: كلفة التحميل من المرفأ إلى سطح الباخرة.

– 125 دولارا للطن: الشحن إلى الخارج.

وبذلك يصبح المجموع 195 دولارا للطن الواحد.

لكن اللجنة الوزارية تغفل عن ان الكلفة الحقيقة لا يمكن احتسابها بالاستناد الى سعر الطن الواحد فقط، رغم ان كلفة 194 للطن تبقى خيالية ! الحقيقة ان مسألة الكلفة باتت ترتبط  بكمية النفايات التي سيتم تحميلها الى السفن في المرفأ، وبالتالي ما هي نسبة الاسترداد التي ستحصل بعد مرور النفايات في الكرنتينتا والعمروسية للفرز الأولي والتوضيب ؟ خصوصاً ان قرار مجلس الوزراء الصادر مطلع عام 2015 اشترط استرداد 40 بالمائة من النفايات قبل طمرها؟ في حين غابت بشكل نهائي اي نسب استرداد قبل الترحيل، ومعلوم انه ا مهما بلغت كلفة الاسترداد في لبنان قبل الترحيل فهي بالتأكيد اقل كلفة من الترحيل (125 دولار للطن).

ان القول ان شركة Chinook البريطانية  قد تقدمت بعرض 25 دولارا للطن للقيام باعمال فرز وفرم وكبس ورزم وتغليف ونقل إلى المرفأ من معملي الكرنتينا والعمروسية،  يغفل عن قصد الاشارة الى ان هذه الكلفة هي صافي اعمال الفرز بعد بيع النفايات المعاد تدويرها والبالغة قرابة 10 بالمائة ضمن القدرة التشغيلية الحالية لمعملي الفرز في الكرنتينا والعمروسية ، والتي يمكن رفعها الى نسبة 15-20 بالمائة في حال تركيب خطوط اضافية، ستحرص الشركة على تركيبها لان ارباح اعادة بيع المواد المعاد تدويرها  ستكون اعلى بالتاكيد من ارابح ترحيلها الى الخارج. في المقابل فان جميع المكونات الاخرى للنفايات خصوصاً المواد العضوية سوف ترحل، دون بذل اي جهد يذكر لاسترداد جزء منها في لبنان، ان من خلال التسبيخ، او اي شكل من اشكال المعالجة الاخرى، وهنا يطرح اكثر من علامة استفهام حول الاسترداد قبل الترحيل، دور الرقابة في ضمان ان لا ترتفع نسب المواد المرحلة الى ما يفوق 90 بالمائة من النفايات ، مع ما عينيه ذلك من تحقيق ارباح خيالية على حساب المكلف اللبناني والخزينة التي تعاني مع عجز غير مسبوق.

 

ينشر بالتعاون مع مطبوعة الاعمار والاقتصاد

 

 

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This