د. أكرم سليمان الخوري

يتسبب البشر على الدوام في إحداث تلوث ما للبيئة، فقد أوجد الناس المخلفات منذ عصور ما قبل التاريخ، ومثلها مثل  النفايات في هذه الأيام كانت المخلفات تحرق أو تلقى في مجاري المياه، أو تدفن في الأرض، أو تطرح فوق سطحها، لكن مخلفات الأقدمين كانت في معظمها نفايات طعام أو مواد سهلة التحلل عن طريق الانحلال الطبيعي، كما أن عدد السكان في الماضي كان قليلا وكانوا موزعين على مناطق شاسعة من الأرض، ونتيجة لذلك كان تركيز التلوث قليلا ولم يسبب إلا القليل من المشاكل. ثم أصبحت المشاكل البيئية أكثر خطورة واتسع نطاقها في القرنين الثامن والتاسع عشر خلال الحقبة المسماة بالثورة الصناعية.

دخلت القضايا البيئية الحالية عصرا جديدا من المناقشات تندرج ضمن الحاجة إلى الموازنة بين المكاسب ومخاطر مكافحة التلوث والآثار المترتبة على انتشار التلوث، فقد أدى الاهتمام المتزايد في نهاية القرن الماضي بالبيئة إلى الاحتجاج على كثير من المنتجات والممارسات، لكن بعض المنتجات والعمليات ما زالت موضع نزاع لأنها تقدم الكثير من الفوائد للمجتمعات، فمثلا تجادل الناس حول دور الحفاضات ذات الاستعمال لمرة واحدة لأنها جيدة على المستوى العائلي، وتختصر جهدا كبيرا لكنها تتحلل ببطء، بينما الحفاضات القماشية تتطلب غسيلا والغسيل يلوث المياه ويستهلك طاقة، كما أن محطات الطاقة النووية تولد طاقة نظيفة دون أن تسبب تلوثا للهواء، لكن هذه المحطات تنتج مخلفات إشعاعية يصعب التخلص منها، ليس هذا فحسب، بل أن هذه الطاقة يستخدمها البعض لأغراض سياسية دون الدخول بتفاصيل كونها طاقة نظيفة أم طاقة ملوثة، والبعض الآخر يقول أنها لا تستخدم لأغراض سلمية من قبل الآخرين وتوجه الاتهامات حسب الهدف المطروح.

عند إصدار القوانين الخاصة بالتلوث، ينبغي على المسؤولين في الحكومات أن يأخذوا بعين الاعتبار المخاطر الناجمة عن الملوث والآثار المالية المترتبة على اختيار نظام معين، تقتضي بعض الأنظمة أن تحصل الصناعات على أجهزة لمكافحة التلوث عالية التكلفة (فلاتر قماشية لمعامل الاسمنت)، أو تحدث تغييرات انتاجية مكلفة (معاصر الزيتون من ثلاثية إلى ثنائية العصر) أو تتوقف عن تصنيع بعض المنتجات، وقد تتسبب هذه التكاليف الفجائية بخروج بعض الصناعات عن مجال العمل مما يخلق بطالة، وقد ينتج عن ذلك أن تشكل الآثار المترتبة على بعض قوانين التلوث المقترحة ضررا على الناس أكبر من الضرر المترتب على الملوث نفسه.

على الرغم من التقدم المطرد في مجال حماية البيئة، إلا أن مسألة التلوث قد اتسع نطاقها وازداد خطرها الكامن مع زيادة النمو السكاني، فالمزيد من الناس يعني وجود المزيد من النفايات، فالبعض يقول إن الحد من النمو السكاني يعد من أهم الطرق التي يمكن أن تستهل في مكافحة التلوث البيئي، ويتوقع أصحاب هذه الأفكار أن يخفف الحد من النمو السكاني حدة التلف في الأنظمة البيئية، ويعطي الناس مزيدا من الوقت لتطوير أنظمة فعالة لمكافحة التلوث، المشكلة أن النمو السكاني العالي يحدث في المناطق الفقيرة من العالم، بما في ذلك دول معينة من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، حيث يستغل السكان في هذه المناطق ما يتاح لهم من موارد قليلة لسد الكفاف.

القضية الأهم متعلقة بالكائنات المحورة وراثياً والتي تنتجها الدول المتقدمة والتي تفرض على الدول النامية (ضمن بروتوكول قرطاجنة للكائنات المحورة وراثيا) إصدار التشريعات اللازمة ليتم إدخالها وتداولها دون معرفة آثارها والتقنيات اللازمة للكشف عنها، بحجة الزيادة السكانية الكبيرة  ومحدودية الموارد الطبيعية، دون مناقشة طبيعة النفايات الصادرة عن هذه الكائنات أو كميتها.

إن التدوير وإعادة الاستخدام وتخفيض المخلفات من أسهل الطرق الواجب اتباعها من أجل الحد من التلوث، والأهم من ذلك أن يتعلم السكان قدر استطاعتهم كيف يمكن لنشاطاتهم أن تؤثر في البيئة، وفي مقدورهم بعد ذلك اللجوء إلى خيارات ذكية للتقليل من الدمار الحاصل لهذا الكوكب.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This