بسام القنطار

قدم مركز الجيوفيزياء التابع للمجلس الوطني للبحوث العلمية الى رئاسة مجلس الوزراء نتائج مطالعته حول النشاط الزلزالي في منطقة مشروع سد جنة حيث راجعوا النشاط الزلزالي المسجل على السفح الغربي لجبل لبنان ومجرى نهر ابراهيم وصولا الى الساحل والمنطقة البحرية المقابلة لمدينة جبيل منذ العام ٢٠٠٦، وبنتيجة هذه المراجعة قدم مركز الجيوفيزياء مجموعة من الملاحظات حول السد المقرر انشاؤه في منطقة نهر ابراهيم، خلصت الى انه هناك مخاطر زلزالية مرتفعة لم تؤخذ بعين الاعتبار، والاهم ان التقرير إضاء بشكل واضح على الخطر الأساسي المزدوج من جراء التزامن والتكامل سلباً ما بين النشاط الزلزالي المثبّت والطبيعة الكارستية للمنطقة حيث سيتم إنشاء هذا السد.
ويعتبر المركز الوطني للجيوفيزياء، المجع الوطني الرسمي الوحيد الذي يقوم بعملية رصد وتسجيل الزلازل وتحديد مراكزها وإجراء البحوث والدراسات العائدة للعوامل الأرضية للتخفيف من المخاطر الزلزالية.
وتاتي مراجعة النشاط الزلزالي في منطقة مشروع سد جنة في ذروة النقاش العلمي والشعبي حول جدوى هذا المشروع من الناحية الاقتصادية والبيئية، في ظل انقسام واضح حول المشروع انطلاقاً من خلفية سياسية ومناطقية.
وثمة العديد من الثغر القانونية والادارية المتعلقة بهذا المشروع منذ ان سحب ملفّ سدّ جنة من المديرية مديرية الموارد المائية والكهربائية في وزارة الطاقة عام 2008 وعهد به الى مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان بما يخالف المادة 282 من قانون المياه وقانون انشاء وزارة الطاقة.
وتقدر كلفة التدهور البيئي لمشروع سد جنّة، وفق تقرير تقييم الأثر البيئي العائد للمشروع بحوالي ٤٢ مليون دولار،. أمّا كلفة الأضرار البيئية ل فقد قُدّرت بنحو 101.5 مليون دولار سنويا، ولقد دفعت هذه المعطيات الى اتخاذ وزارة البيئة قرار برفض المشروع وتوقيف أعماله في اواخر شهر آب/اغسطس ٢٠١٥.
كانت الشركة الاستشارية الفرنسية العالمية SAFEGE خلصت الى أن الموقع المقترح للسد يتميز بطبيعة جيولوجية وهيدروجيولوجية معقدة لا تناسب إنشاء خزان مائي.
كذلك، وبحسب التقرير الصادر عن الوكالة الألمانية الرسمية BGR، المكلّفة من الحكومة الألمانية التعاون التقني مع لبنان في موضوع المياه، والصادر في 3 حزيران 2012، فإن نسبة التسرّب المائي للسدّ هائلة تراوح بين %35 و52 % وهي تبدأ من ارتفاع 800 متر حتى 860 متراً، والتسرب الأكبر بين ارتفاع 810 و820 متراً. وتصميم سد جنة هو لارتفاع 834 متراً كحد أدنى و839 متراً كحد أقصى. وبالتالي ففي ارتفاع يزيد على 810 أمتار يصبح التسرب حوالى 100%. وهذا يعني أن تخزين المياه سيكون حتى ارتفاع ثمانمئة وعشرة أمتار فقط. وبذلك يكون التخزين الفعلي لسد جنة 7 ــ 8 ملايين متر مكعب فقط، وليس ثلاثين مليون متر مكعب.
ويأتي تقرير المركز الوطني للجيوفيزياء ليدق مسماراً اضافياً في نعش هذا السد لجهة الخطر الزلزالي واثره على جدوى المخاطرة في الاستثمار بانشاء هذا المشروع المكلف على الخزينة والمضر بالبيئة والذي لا يخدم الجدوى الاساسية المتمثلة بجر المياه الى بيروت والمناطق المجاورة. ومن المعلوم ان المجتمع المدني قدم العديد من التقارير الرافضة للمشروع وتقدم بدعاوى ضده امام القضاء الاداري، كذلك تقدم مجموعة من الخبراء هيدروجيولوجيين المستقلين المحليّين والأجانب بتقارير توصي بعدم جدواه، والى شركة BGR الألمانية، وشركة “سافيج” الفرنسية، وشركة “جيكوم” التي وضعت دراسة الاثر البيئي للمشروع، ومدير عام وزارة الطاقة د.فادي قمير ومهندس جيومورفولوجي رُفض تقريره في ما خصّ أبار الدراسة من قبل المسؤولين عن المشروع، ويفيد تقريره ان لا جدوى من هذا السد نظراً لوجود مخزون كبير للمياه الجوفية من تحته، وصولاً الى التقرير الحالي.
ويفيد تقرير لمركز الوطني للجيوفيزياء أن الأعمال العلمية (دراسات وسواها) عن “سد جنه بدأت منذ سنوات عديدة. ولاحظ المركز من المراجع التي سلمت اليه أن الأشغال قد بدأت سنة 2008 والتقارير مؤرخة عام 2012 وما بعد. وبالرغم من أنّ المخاطر الزلزالية كانت في صلب إهتمامات هذه الأشغال، لكن فحص سريع للمراجع المسلمة يبيّن عدم فهم بل فهم خاطىء لهذه المخاطر لأنه من الواضح انّ الأسس الأولية للوضع التكتوني لجبل لبنان (دراسات مركز الأبحاث الجيوفيزيائية منذ 1999 والمنشورة في مجلات علمية عالميّة) لم تؤخذ أبداً بعين الإعتبار من قبل المسؤولين العاملين على هذا السد. وبحسب التقرير فان مشروع السد يقع ضمن منطقة مجاوره لفالق اليمونة ومتفرعاته نحو الغرب التي تمر بشكل موازي لمجرى نهر ابراهيم وتمتد نحو البحر، وقد عرف فالق اليمونة بنشاطه الزلزالي العالي الذي يمكن ان تنتج عنه هزات ارضية مدمرة، اضافة الى ان منطقة نهر ابراهيم معروفة بعدم استقرار تربتها واضطراب في مجرى النهر واختفاء مريب لمياهه داخل الطبقات الارضية.

وفي ما يلي النص الحرفي المترجم للتقرير المعد من قبل المركز الوطني للجيوفيزياء والمعد باللغة الفرنسية.

الإطار التكتوني العام
سلسلة جبال لبنان الغربية المعروفة بجبل لبنان هي كتلة جبلية قريبة جداً من البحر وهي تشكّل أعلى أقرب المرتفعات المحيطة بحوض البحر المتوسط.
يحد السلسلة من الشرق الحد التكتوني الفاصل بين الصفيحة العربية وتلك الأفريقية عنينا به فالق اليمونة. يحدها من الغرب نظام فوالق أو كسور أرضية تصادمية وضاغطة بشكل كبير.
خريطتنا (معهد البحوث…) لسنة 2003 لقياس الأعماق… (bathymétrie) والتي تبين المنخفضات البحرية، أظهرت وجود أودية تحت بحرية عميقة وإنتفاخ (إرتفاع ) للسقف البحري المتوازي مع وادي نهر إبراهيم المتواجد في وسط هذا النظام التكتوني.
بالنسبة للجيولوجي والجيوفيزيائي منطقة جبل لبنان وفي وسطها “نهر إبراهيم” (وهي المنطقة المنتفخة من السطح)، هي منطقة تشوهات صخرية نشطة جدا وهي في طور الإرتفاع عن سطح البحر، التقديرات لهذا الإرتفاع والتشوه هو بحدود 5 ملم سنويّاً أفقيا و إرتفاعا (عاموديّاً).
لهذا نرى الصخور الى الغرب ونتيجة للضغوط التكتونية العالية قد شكلت قشرة صخرية تجعدت بشكل كبير فوق الصخور الملساء العائدة لعصر الجوراسيك التي تشكل قلب جبل لبنان.
تستمر الأودية في صخور الجوراسيك في حفر مجاريها وتزداد حدة إنحناءات مجاريها الشتوية الصاخبة، في حين أن أودية صخور العصر الطبشوري السينومانياني تستقبل مياه ذوبان الثلوج وتحمل جرفيات وردميات بكميات كبيرة بإمكانها سد مجاري الأودية. في منطقة الصخور الكلسية التي تتوسط مجرى نهر إبراهيم، تحفر مجاري المياه في قعر الصخر وتوسع الفتحات وتخلق أودية صغيرة وعميقة.
وبما أن المادة الكلسية للصخور عالية الذوبان بالماء، فتترافق عوامل الإنحدار القوي للصخور مع الذوبان الى خلق المغاور والفراغات العديدة الأشكال في عمق الصخور الكلسية كما هوحال مغارة جعيتا و”بالوع” تنورين مثلا أو بمجاري تؤدي الى الينابيع التحت بحرية.

إدارة الثروة المائية في ضؤ المعطيات التكتونية

لاشك بأن كل منشأة أو بناء هو تعدي على الطبيعة الخاصة لنظام مائي معقد لمخزن صخري كارستي (صخور كربوناتية ذات نفاذية الشقوق والكسور و فراغات التذويب) في وضع تكتوني نشط (التكتونيك علم خاص بدراسة تشوهات القشرة الأرضية من تكسرات وتجعدات وإلتواءات نتيجة ضغوطات آتية من عمق الأرض)، لذا ينبغي العمل بحذر شديد مع تكثيف الدراسات والقياسات على الأرض وآخذين بعين الإعتبار جميع المعطيات العلمية.
هذا الحرص العلمي الشديد والوعي للمخاطر لا يتأتى إلا بعد عشرات السنوات من القياسات والتحاليل الطويلة الأمد.
نحن نشهد ومنذ 50 سنة إضمحلال مجاري الأنهار الدائمة التي لاتصل الى البحر مثلاً: نهر الكلب ونهر أبو علي ونهر الدامور التي لا تصل الى البحر سوى في موسم الفيضانات الشتويّة الكبيرة، وإختفاء نهر الكلب على إرتفاع 1000 متر عن البحر مقابل ميروبا مثل واضح على ذلك.
مجاري المياه الفيضانية في جبل لبنان هي بإتجاه عام شرق غرب متأثرة بالفوالق العرضية الواضحة على سطح صخور الجوراسيك الكربوناتية الكارستية غير بعيدة عن فالق اليمونه، مما يساهم في تقطيع سطح مجرى نهر إبراهيم الى كتل صخرية مستقلة تتكشف بإرتفاعات مختلفة.
سطح الصخور الكربوناتية لعصر الجوراسيك متشققة لدرجة كبيرة ومتكسرة نتيجة أحداث تكتونية قديمة ناتجة عن إنزلاق الصفيحة البحرية للمتوسط المقابلة للصفيحة القارية اللبنانية مما يساهم في رفع جبل لبنان من ناحية ونشؤ خط زلزالي بحري على طول خط تلاقي وإنزلاق الصفيحتين.
تأثيرهذا الوضع التكتوني النشط مع عمليات التذويب الصخري قاتل للمجاري المائية السطحية التي تختفي داخل الشقوق والفراغات وخاصة الفيضانية في فترة ذوبان الثلوج، بحيث أصبحنا نرى مجمل المجاري جافة تماما بفعل التسريبات الشبه كاملة الى عمق الصخور الكربوناتية بدون أي تدخل إنساني، مثل واضح على ذلك الوادي الجاف في المعاملتين الذي يتجه نحو البحر والذي يمتد الى جونيه بوادي تحت بحري عميق حوالي 800 متر تحت الكازينو.
جفاف هذه المجاري المائية له إنعكاساته على البيئة البحرية التي لم تعد تستقبل مياه عذبة وإرتفاع للملوحة وحرارة الماء وإنخفاض نسبة الأوكسيجين في الكتلة الحياتية البحرية والتغيرات المناخية المحلية.
المسطح الزلزالي المرفق يعكس حالة عدم الثبات في نظام اكسور الأرضية أو الفوالق في جبل لبنان. لو أصبح أحد هذه الفوالق مكان تمزق صخري تكتوني قوي، بإمكان ذلك أن يولد زلزال غير عميق على درجة 6 من مقياس ريختر ويمكن أكثر.
لكن الزلانزل على درجة 5 هي الأكثر شيوعا، هذا التصرف التكتوني يمكن ملاحظته بالأحداث التكتونية المعاصرة على طول الفالق الممتد من ضهر البيدر نحو العاصمة بيروت.
في 3 حزيران سنة 1983 زلزال بدرجة 5.3 في ضهر البيدر، في 26 آذار سنة 1997 زلزالين بدرجة 5.3 بنفس النهار في منطقة الدامور.
ترافق النشاط الزلزالي مع تدفق المياه المتسربة داخل الكسور الأرضية والتشققات يترك إنعكاسات تكتونية مركزة في الزمان وحول الأودية، في نيسان 2006 سجل مرصد الأبحاث الجيوفيزيائية نشاط زلزالي متواصل أكثره بدرجة 4 دام شهرا على طول مجرى نهر إبراهيم وإمتداده بخندق عميق تحت البحر، هناك فرضية بموسمية النشاط الزلزالي للأراضي اللبنانية يبلغ أقصاه مع قدوم فصل الصيف.
نذكر بأن الفوالق الكبيرة في لبنان ناتجة عن زلازل بدرجة 7.7 يدل على ذلك التسجيلات التاريخية والمعطيات الجيولوجية. على هذه الدرجة تتهدم كل الأبنية على قياس البلد كله، هذه الزلازل لحسن الحظ نادرة الحدوث و تكرارها أطول من عمر الإنسان العادي حتى نستطيع لحسن الحظ ملاحظتها منذ ما وُضع أول قياس زلازل في لبنان عام 1920.
من ناحية علوم الزلازل القول بأن النشاط الزلزالي في لبنان هو متوسط ليس بصحيح علميا. يمكننا القول بأن لبنان يمكن أن يشهد زلازل قوية مثل تلك التي تحدث في تركيا واليونان وأقوى بكثير من زلازل إيطاليا. نذكر هذه البلدان لكثرة ما يذكر عن الأضرار الناتجة عن الزلازل فيها كما يرد في الإعلام.

سيناريو وإقتراحات
في ما بعد سيناريو للنتائج والتأثيرات التي يمكن ان تطرأ من جراء إنشاء سد لحصر المياه السطحية في وادي بقلب الصخور الكربوناتية لعصر الجوراسيك في جبل لبنان.
يؤدي شطف وغسيل الصخور الكربوناتية للعصر الطبشوري في المرتفعات الجبلية بمياه الأمطار والثلوج الى نشؤ كميات كبيرة من الترسبات الصلصالية الردميات والجرفيات في مجاري المياه التي بدورها ستؤدي الى “ردم” بحيرة السد وإغلاقه (منع المياه المتدفقة من دخوله او الخروج منه)، في نفس الوقت الجوانب الصخرية ذات النفاذية لجوانب السد ستسمح بتسريب المياه عبرها نحو العمق الصخري مانعة بذلك تعبئة السد بالمياه، أحدى التقارير تتحدث عن تغذية نبع جعيتا بالمياه المتسربة جوفيّاً عبر السطح في موقع السد، نقول لم لا لاشيئ يمنع ذلك ؟
نتناسى أحيانا أن خلق مجاري مياه جوفية جديدة داخل المخزن الكارستي الجوراسيكي قد يضعف أو يغلق مجاري أخرى كانت موجودة، كما أنه من غير المستبعد أن تنشأ مجاري تحت او بجوار حائط السد وتتخطاه لتظهر على السطح بعدها، بمعنى أن المجاري تحفر تحت السد وتخلخل البنية الأساسية لقواعد السد التي تصبح غير ثابتة.
جريان المياه والنشاط الزلزالي مزيج خطر يمنع إنجاز المشاريع الإنشائية على الصخور الكربوناتية الكارستية، كما أن التراكمات والترسبات المحلية داخل الشقوق ممكن أن تسكر بعض الفوالق وتؤدي الى زلازل صغيرة محلية.
هذا واضح بالنسبة لعلماء الزلازل التراكمات (وزن المياه في منشآت السدود) تشكل ضغوطات جديدة على الضغوطات الموجودة قبلا وتزيد من نسبة حدوث زلازل محلية.
سنة 2011 المدينة الإسبانية “لوركا” تأثرت بزلزال درجة 5 نتج عن سحب كميات كبيرة من المياه الجوفية المحازية (خلق فراغات جديدة داخل الصخور الحاملة للمياه).
في كاليفورنيا وعلى سبيل التجربة يتم ضخ كميات من المياه داخل فالق “سان أندريا” الكبير لتحفيز الزلازل ذات المنشأ العميق (القليلة الضرر)، ولتقليل أخطار وأعداد الزلازل السطحية الإعتيادية الكثيرة الضرر.
في لبنان لانستطيع القول بأن الأزمة الزلزالية التي ظهرت سنة 2006 لم تؤثر على النظام المائي السطحي لنهر إبراهيم والجوفي داخل الكارست الجوراسيكي.
كما أنه لايمكننا القول بعدم وجود صلة بين الأزمة الزلزالية سنة 2008 ووضع سد القرعون الذي يتم ملأه شتاء لإستعمال مياهه للري صيفا ولتوليد الكهرباء، نظرية ولكن كيف نستطيع تفسير حدوث موجة على سطح القرعون بطول وعلو متر واحد أثناء زلزال بلدة صريفا 5 درجات في الجنوب اللبناني وذلك ب15 شباط سنة 2008؟
لانعلم إذا ما إتخذت الإحتياطات في سد جنة لتفادي مثل هذه الأحداث التي من الممكن أن تحصل في موقع السد (Phénomène de Seiche)؟
تم إنشاء سدود على مناطق ناشطة زلزاليا ومن الأفضل في هذه الحالة اللجوء الى طريقة “السد الوازن” (Barrage Poids)، وهذا ما سيقومون به في جنة. لكننا فهمنا بأن تصورات السد الوازن لسد جنه جديدة ولم تجرب من قبل حسب مُصمّمي المشروع ! فهذا الوادي من جبل لبنان سيضحى مركزاً لعملية تجريبيّة ضخمة.
في هذه الحالة يتطلب التأكد هل تمّ إتخاذ جميع الإجراءات الإحترازية الشديدة الحذر في إدارة ومراقبة هذا النوع من الإختبارات وهذه التجربة الجديدة، لكن قراءة سريعة للتقارير لا توحي بذلك.
ماذا سيكون الوضع الزلزالي للمنشاءات الملحقة بالسد من قساطل “مضغوطة” والمغاور والانفاق التي سيتم حفرها و إستحداثها في الصخور المشققة أصلا؟، معامل الضخ ؟ التمديدات المائية العديدة حتى المستهلكين؟ أي التي ستصل لبيروت؟
لاتوجد معطيات ضمن التقارير التي وصلت لنا حول تفاصيل التدابير التي ستتخذ لحماية هذه المنشآت، فكيف يمكن لخبير زلازل ألاّ يكون قلقاً جداً مثلاً من إمكانية إلتواء قساطل مياه مغطاة تحت الأتربة الممتدة من معمل ضبية بإتجاه العاصمة بيروت، هذا الخط الحيوي الذي يمكن أن يتأذى من زلزال كالذي حدث سنة 1918 أو سنة 1956 .
خطر تشقق السد و”إنكساره” بحد ذاته يمكن للمهندسين أن يقوموا بحساباتهم لتحديده ومعرفة إمكانية حصوله، ولكن يبدو أن هذا غير متوفّر بعد وليست هناك تجهيزات لإحتساب التأثيرات الجانبية على المناطق المجاورة للسد في حال حدوث زلزال مصدره “أنتروبي” حتى لو كان فقط بقوة 5.
يجب إقامة منطقة حماية واسعة حول السد (حرم السدّ لمنع أي نشاط إنساني خارجي)، وكم يبلغ عرضها؟ وادي نهر إبراهيم، قمم الجبال التي تحيطها، او أيضاً قسم كبير من وسط جبل لبنان ؟ يستحيل ان نستطيع تحديد ذلك لكن يمكن ان يكون هذا الحرم بهذا الكبر لو كانت المناطق فارغة من السكان.
من أجل كل هذه الأسباب لنضع في الميزان كل الخصائص الجيولوجية للمخزن الكارستي ومخاطر النشاط الزلزالي المحلّي الطبيعي وما هو ممكن إستجراره إصطناعيا من جراء النشاطات الإنسانية المتعددة على السطح، وكل الدراسات التقنية المتناقضة والمنقوصة على جميع الأصعدة، كما الخطر الداهم المميت على كل القرى والتجمعات السكنية تحت السد وفي الوديان الموازية والمجاورة، نعتقد بأنه بوجود هذا الكم الكبير من المخاطر وتداخل تأثيراتها في ما بين بعضها البعض يجب أتخاذ أقصى تدابير الحرص والحذر الشديد بالنسبة لأشغال من هذا النوع في هذا الوادي وكل أودية جبل لبنان حتى نفهم جيداً الطبيعة الجيومورفولوجية للمكان والتشوهات المحلية للصخور بإجراء دراسات ميدانية وأخذ القياسات والكيول ولفترة لاتقل عن 10 سنوات متواصلة .
نظرة واحدة على مسطح الزلازل الحديث للمنطقة الوسطية من لبنان يكفي ليهيب على أكثر المشكّكين القيام بمنشاءات وسدود في هذه المنطقة الخطرة.
(خريطة مسطّح النشاطات الزلزاليّة 2006 – 2012 لمناطق “وسط لبنان”)
إذا كانت السلطات تعتبر بأن النقص بالمياه يبرر كل المخاطر الممكنة، لماذا لا يتم التفتيش عن مواقع أخرى تكون مناسبة أكثر لتجميع مياه سطحيّة خارج قلب جبل لبنان وصخوره الكربوناتية الجوراسيكية.
المستهلكون للمياه في لبنان يسكنون بمعظمهم في المناطق الساحلية، لذا لتأمين المياه لبيروت نحن على الأرجح نفضّل ان يتمّ اللجوء الى حواجز صغيرة على نهاية المجاري المائية لسيول جبل لبنان القريبة من البحر بحيث تكون أكثر قربا من المستهلك الأساسي.

الخلاصة ببضع النقاط:

1.ضمن الدراسات التي تمّ تسليمها لنا:

إذا أخذنا بالإعتبار الأشغال الجديدة ضمن الإطار التكتوني العام والخطرالزلزالي فالدراسات لم تتم بشكل مناسب.
طبيعة الإنحدار القوي والسريع لمجاري الأنهار اللبنانية النابعة من جبل لبنان ضمن صخور كربوناتية كارستية على درجة كبيرة من التشقق والتكسير والتذويب، لم تؤخذ هذه الخصائص بالحسبان لجهة الأخطار الكبيرة الناتجة عنها.
تداخل النظام التكتوني الزلزالي مع المخاطر الأخرى (نظام المياه السطحي والجوفي) هو خطر جدّاً ولم تتم معالجته او التطرّق اليه في الدراسات المقدمة.
بحسب إحدى هذه الدراسات، المكتب الألماني BGR يفترض ان تراكم الجرفيات والردميات الأتية من أعلى (وتماسكها) ستؤدّي الى منع دخول الماء اليها (ومن ثم نقص القدرة التخزينية من ناحية والكلفة العالية لتعزيل السد والمنشآت من الوحول…)
التناقضات الكبيرة ضمن هذه الدراسات وفي ما بينها يدعو الى الحذر الشديد.

2.الخلاصات:

المخاطر الزلزالية الطبيعية الداهمة على سكان المناطق “ما بعد” السد كما المجاورة له ستزداد بسبب إنشاء هذا السد.
تجفيف مجرى ووادي نهر إبراهيم الأوسط والسفلي من المياه، وهو إحد الأنهر القليلة النادرة الذي لا يزال موجود، له إنعكاسات سلبية حادة على البيئة البحرية كما على المناطق الساحليّة.
كل مشروع سد على المخازن الكارستية في جبل لبنان يستلزم دراسات علمية معمقة وقياسات وكيول على فترة زمنية طويلة مع ضرورة أخذ آراء الخبراء الجيولوجيين العاملين (المتخصّصين) على الكارست، من هنا أخذ كل الحيطة والحذر إزاء هكذا مشاريع لم تحظى بهذا النوع من الدراسات الوافية.
يجب التفتيش عن مشاريع بديلة (وهو أمر ممكن) لتزويد العاصمة بيروت بالمياه العزبة غير مشاريع السدود في جبل لبنان.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This