بسام القنطار

يغفل فريق المراقبين الصحيّين في وزارة الصحة العامة – البرنامج الوطني للحدّ من التدخين – عن القيام باي اجراء ردعي لوقف الحملة المنظمة التي تشنها شركات التبغ في لبنان من أجل التحايل على قانون الحدّ من التدخين في لبنان، لا سيما لجهة نشر اعلانات التدخين غير المباشرة في العديد من المراكز التجارية.
وتؤكِّد منظمة الصحة العالمية أن «الحظر الشامل على الإعلان يحدّ من استهلاك التبغ، ويحمي الأفراد الذين لم يبدأوا بعد بتعاطيه، والشباب منهم على وجه الخصوص، كما يساعد من يتعاطون التبغ على الإقلاع عن تعاطيه. أما الحظر الجزئي، فلا يجدي نفعاً، وثبت أن تأثيره في استهلاك التبغ ضئيل، أو أنه لا يؤثِّر أصلاً، إذْ يغلب على شركات التبغ أن تُحوِّل تسويق منتجاتها إلى طرق تتحايل فيها على القوانين».
جولة لـ greenarea.info على المحال والسوبرماركت ونقاط بيع القهوة في العديد من احياء بيروت والمدن الساحلية في محافظة جبل لبنان، أظهرت وجود اعلانات غير مباشرة للدخان ، وتحديداً في الاماكن القريبة من صناديق الدفع. الاسلوب الجديد- القديم الذي تتبعه شركات التبغ يتمثل بعرض علب الدخان داخل لوحات زجاجية مضاءة ومغلقة، مع امرار رسالة تفيد عن سعر العلبة او شعار الحملة الاعلانية. وتتنافس كل من شركة فيليب مورس وشركة التبغ البريطانية على توسيع حصتها من سوق الدخان في لبنان، اضافة الى حضور شركات اخرى تعمل جميعها على التسلل الى السوق الاعلاني بطرق مبتكرة.

المخالفة الاكبر والاغرب التي رصدها greenarea.info تتمثل باستغلال شبان يبيعون القهوة عند رصيف عين المريسة في بيروت الذين البسوا “جيلية” تحتوي على اكثر من عشرة جيوب ثبت عليها مكعبات بلاستيكية شفافة ووضع بداخلها علب مالبورو، الصنف الاكثر رواجاً لشركة فيليب موريس. ولدى سؤال بائع القهوة عن السبب الذي دفعه الى لبس هذه الجيلية، اجاب: “ صاحب المحل البسني اياها بهدف الترويج لمالبورو”. ونفى البائع ان يكون قد تقاضى اجراً اضافياً لقاء هذه الاعلان الترويجي على جسده مؤكداً ان الشركة المعلنة تدفع لصاحب المحل لقاء هذا الترويج ، وانه مرغم على لبس الجيليه ولا يسمح له بنزعها على الاطلاق.
يحدث كل ذلك وسط صمت مطبق من قبل وزير الصحة وائل ابو فاعور المسؤول الاول عن انفاذ قانون الحد من التدخين، الذي يركز على استمرار حملة سلامة الغذاء التي اطلقها ولاقت نجاحاً منقطع النظير، لكنه يغض الطرف منذ تسلمه حقيبة وزارة الصحة عن انفاذ قانون الحد من التدخين.
وبحسب المعلومات المتوافرة اكتفت وزارة الصحة بتسطير محاضر ضبط مرة في العام 2014 بحق عدد من المراكز التجارية في بيروت، لجهة نشر مواد دعائية لمنتج تبغي، ولوجود منتجات لا تحمل تحذيرات صحيّة، وعدم وضع إشارات منع التدخين، وذلك خلافاً لأحكام قانون الحد من التدخين.

IMG_2556

اعلان ترويجي في مركز تجاري في بيروت

قانون غير مطبق ودعوى جزائية عالقة
رغم تصديق المجلس النيابي على القانون رقم 174 في أيلول عام 2011، وصدور مرسوم تنظيم لافتات إعلان بيع منتجات التبغ في 25 كانون الثاني 2012، لا تزال الإعلانات الترويجية للدخان موجودة داخل التعاونيات والسوبرماركت، وإن بطريقة غير مباشرة، عبر عرض علب دخان غير مخصصة للبيع ضمن قالب زجاجي يعلوه ملصق ترويجي لشركات التبغ لا يظهر اسمها، لكنه يوحي بوضوح أن المقصود منه الترويج لبضائعها.
كذلك إن وضع الملصقات التحذيرية على علب التبغ الذي تأخر تنفيذه أكثر من ستة أشهر لا يزال غير مطبق بنحو كامل، ولقد دفع ذلك اتحاد حماية المستهلك اللبناني إلى تقديم مراجعة أمام مجلس شورى الدولة ضد وزارة المالية لخرقها قانون الحد من التدخين ومراسيمه التنظيمية في ما يتعلق بالنصوص التحذيرية على جميع منتجات التبغ.
رفع الاتحاد دعوى جزائية على شركة فيليب موريس لخرق حظر الإعلان والترويج لمنتجات التبغ، ولا تزال محكمة جنايات جبل لبنان تنظر في هذه القضية منذ عامين. ولقد خاضت شركات التبغ مدعومة مع إدارة حصر التبغ والتنباك معركة قانونية لإبقاء إعلانات التبغ داخل المحال، متذرعة بأن القانون ينص على حظر الإعلانات في الطرقات العمومية، لا داخل المحال.
حملة للحد من التدخين في الدراما اللبنانية

10169395_641658482570520_581340136_n

اطلقت منظمة اليد الخضراء الاسبوع الماضي، حملة للحد من التدخين في الدراما اللبنانية ولالغاء ديكورات المسلسلات التي تشجع على شرب النرجيلة خصوصا والدخان عموما. وذلك انفاذاً لقانون الحد من التدخين الذي ينص على عدم جواز الترويج للتدخين من خلال الاعمال الفنية.
ويشير مؤسس رئيس منظمة اليد الخضراء زاهر رضوان مشروع تفعيل الحد من التدخين في الدراما اللبنانية لا يطالب بالحد من التدخين اذا كان هناك من ضرورات تمثيلية “الا اننا نحاول الحد من وجود النراجيل والدخان في أماكن التصوير من دون استعماله ولضرورات الديكور فنحن نحترم الإبداع في الدراما ونشجعه ولكن ضمن الضرورات التمثيلية”. وتابع: “هناك أكثر من 60 ممثلا وفنانا ومخرجا سيكونون حاضرين في اطلاق الحملة، ونحن قمنا ببحث علمي دقيق للدراما ولاحظنا ان الحد من التدخين في الاماكن العامة لم يطبق حتى بالافلام حتى الآن، فنحن لا نريد المنع لجهة المنع إنما خدمة للبيئة.

IMG_2555

اعلان ترويجي في مركز تجاري في ساحل المتن

اساليب تلاعب شركات التبغ
«لا يحتاج المدخن الى اعلانات لتشجيعه على الاستمرار في التدخين». تستخدم هذه الحجة على نحو مستمر لتبرير عدم تأثير اعلانات التدخين في الحد من انتشار هذه الآفة الصحية والاجتماعية. لكن شركات التبغ لا تنفق اموالها مجاناً، فإضافة الى دور الاعلانات في تعزيز المنافسة بين اصناف الدخان والابتكار الفريد في التصاميم وطريقة العرض، تؤدي اعلانات التبغ دوراً مهماً في توسيع نطاق التدخين مع تركيز خاص على النساء والشباب والأولاد، لجعلهم «مدخّنين بدلاء» للزبائن القدامى، الذين قضوا بسبب منتَجاتها القاتلة، الأمر الذي تنفيه هذه الشركات، لكنه ثبت من خلال الوثائق الداخلية المسربة.
منذ سريان مفعول قانون الحدّ من التدخين الذي فرض حظراً على إعلاناتها، استخدمت شركات الدخان في لبنان الاستراتيجيات نفسها التي طبقت في مختلف دول العالم، حيث يُعمل بقوانين وطنية مشابهة. ومن أبرز هذه الاستراتيجيات تحويل استثماراتها في السوق إلى الإعلانات غير المباشرة خارج وسائل الإعلام.
ويعد «قانون الحدّ من التدخين وتنظيم صنع وتغليف ودعاية منتجات التبغ»، الذي اقره البرلمان اللبناني في ايلول 2011 من القوانين المتقدمة. ولقد استعان برنامج الحد من التدخين في وزارة الصحة اثناء ورشة التعديلات على مسودة القانون، بالخبيرة البريطانية في السياسات المتعلقة بحظر التدخين، فيونا دلفري، وحسم النص المعدل أيّ امكانية لتهرب شركات الدخان من تطبيق القانون. ومن أهم هذه التعديلات تأكيد حظر أشكال الدعاية والرعاية كلها المتعلقة بمنتجات التبغ في جميع وسائل الإعلام والإعلان.
لكن النصوص تبقى حبراً على ورق اذا لم تعمل الضابطة العدلية على انفاذها، وتشتكي الجمعيات الناشطة في قضية حظر التدخين، وابرزها جمعية «حياة حرة بدون تدخين» ووحدة الابحاث في الجامعة الاميركية في بيروت، من ان الوزارات المعنية بتطبيق القانون غضت الطرف عن جملة من المخالفات، بحيث بات عدد من مواد القانون بحكم المعلقة! ويشمل هذا التعليق اضافة الى السماح بالتدخين داخل الاماكن المغلقة، عدم تحرير مخالفات بحق الخروق المتكررة للدعايات غير المباشرة للدخان. ابرز هذه الخروق، وضع لوحات ترمز الى منتج التبغ دون تسميته، تعرض الى جانبها علب الدخان بطريقة لافتة، فيكتمل المشهد امام المستهلك بطريقة تجعل اللوحة تؤدي الدور الاعلاني الترويجي، وان على نحو غير مباشر.
العقوبة 30 مليون ليرة لبنانية
يعاقب القانون بغرامة تراوح بين 10 ملايين إلى 30 مليون ليرة لبنانية، كل من ينشر إعلاناً أو مادة دعائية مجاناً أو لقاء أجر عن المنتجات التبغية، بما في ذلك المنتجات غير التبغية المشابهة (السيجارة الإلكترونية، والسيجارة بدون نيكوتين، واللبان وغيرها)، إضافة إلى حظر الترويج للمنتجات التبغية من طريق الإعانة أو خفض الأسعار أو الحق بالمشاركة في سحب اليانصيب لقاء شراء أي منتج تبغيّ أو مشتقاته.
وتتقاعس وزارتي الصحة والمالية وادارة حصر التبغ والتنباك عن اقتراح مشروع مرسوم لتنظيم وضع التحذيرات الصحية التصويرية على جميع مغلفات منتجات التبغ على الوجهتين الرئيسيتين من علب وعبوات منتجات التبغ، ليغطي ما لا يقل عن 40% من مساحة كل جهة. ورغم مرور عامين واربعة شهر على ظهور عبارة «التدخين يقتل» على علب الدخان، لا تزال العديد من علب الدخان التي تباع في الاسواق لا سيما المنتجات المهربة خالية من عبارات التحذير.
3500 لبناني يقتلون سنوياً بسبب التدخين

يُظهر المسح العالمي لاستهلاك التبغ بين الشباب، الذي أجرته منظمة الصحة العالمية في بلدان إقليم شرق المتوسط، أن مستويات التعرُّض للإعلان عن التبغ عبر اللوحات الإعلانية وفي الصحف والمجلات في منطقتنا هي مستوياتٌ مرتفعة؛ أي إن الإعلان والترويج عن هذا المنتج نشطٌ ومستمر، على الرغم من أنه محظورٌ تماماً طبقاً لاتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ التي وقَّعها لبنان.
وتركِّز المادة الرقم 13 من الاتفاقية الإطارية بشأن مكافحة التبغ، على الحظر الشامل على كافة أنشطة الإعلان عن التبغ والترويج له ورعايته.
ويزداد تعاطي التبغ بسرعة في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل، ويعود ذلك إلى استهداف تلك البلدان من قِبَل شركات صناعة التبغ. وبحلول عام 2030 سيقع 80% من مجمل الوفيات التي يتسبب بها التبغ في هذه البلدان التي ينتمي إليها إقليم شرق المتوسط. ويقتل الدخان ما يقرب من 6 ملايين إنسان كل عام، بينهم حوالى 3500 انسان في لبنان.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This