عباس ابراهيم زهر الدين – السفير

يُنتج المواطن في أوروبا حاليّاً ما يعادل ٤٨١ كلغ من النفايات المحليّة سنويا، ٤٣% منها تُعالج من خلال حلقة التسبيخ والتدوير. نتحدّث هنا عن النفايات المحليّة وهي كناية عن نفايات منزلية ومكتبيّة وخدماتيّة تشكّل فقط  ٢٥ % من مجموع النفايات الأوروبيّة.
من هنا يجب أن نقدّر التصنيف الواضح والجلي للنفايات لدى الإتّحاد الأوروبي (الصورة). نحن إذاً لا نتكلّم هنا عن الفصائل الأخرى من النفايات ،وسنأتي على ذكرها في وقت آخر.  هذه المعلومة عن التصنيف مهمّة للغاية، تساعدنا ألا نختصر فقط موضوع النفايات المنزليّة كما نشاهده اليوم في سياق “الكلام عن الزبالة” (فالنفايات المنزليّة هي ٨% أوروبيّاً) ،وهو تصنيف يسمح لنا بالتفكّر حول الأهميّة القصوى للإدارة المتكاملة لمعالجة النفايات “الصلبة والسائلة” من أجل تصنيفها ومعالجتها والتخلص منها من خلال “المنهجيّة العنقوديّة”.
بالنسبة للنفايات المحلّية ، تشهد أوروبا (٢٨ دولة) بشكل عام انخفاضا مستمرا في توليدها ( ٥٢٧ كلغ للفرد في عام  ٢٠٠٢)، وهذا إرتكز ويرتكزمنذ عقود على سياسات الترشيد والتوعية والتحفيز والضرائب والردع، ومبادئ استراتيجية في تغيير نمط الإنتاج والإستهلاك تقوم على التجنّب والتخفيف،كلها ساهمت في تراجع هذه النسبة مقارنة بالدول النامية (سوء تخطيط “وانعدام” حوكمة هذا القطاع ،ما أدى الى تفاقم الأزمة لتصبح كارثة بيئيّة وإنسانيّة نشهدها اليوم).
إن كميّة النفايات المحليّة المنتجة تختلف اختلافاً كبيراً بين دولة وأُخرى في أوروبا. وتجدر الإشارة إلى أن التفاوت هذا يكشف بوضوح الخلافات البنيويّة الخاصة بالأنماط الإستهلاكيّة للدول الأعضاء.
وتهدف سياسات حوكمة النفايات في الاتحاد الأوروبي للحد من الآثار البيئية والصحيّة للنفايات وتطوير الكفاءة في استخدام الموارد، الخبرات والتقنيّات والتكنولوجيا ، وبناء القدرات. والهدف من هذا على المدى الطويل هو تجنّب وتخفيف النفايات واستخدام النفايات التي لا يمكن تجنبها وتخفيفها من خلال اعتبارها موردا حين يكون ذلك ممكناً. والأهم من ذلك هو تقليل استخراج الموارد الطبيعية وتحقيق مستويات أعلى في حلقة الإسترداد،أي إعادة الإستعمال والتدوير، وتحقيق مستويات مرضية في حلقة الطمر والترميد (الصورة)
من هنا تأتي “المنهجية العنقودية” لمعالجة النفايات المعروفة والمعتمدة عالميا ، لتقدم حلولا متكاملة للمعالجة ،خاصّةً وأن أزمة النفايات ليست مشكلة نفايات منزلية أو مكتبية فحسب، بل ثمة كميات هائلة من النفايات تصنف خطرة، وخطرة جداً، غير مفرزة وغير قابلة للتدوير، من مصادر الأنشطة الإقتصاديّة المتعدّدة. لذا فإن ثمة حاجة إلى مطمر صحّي متطوّر ومراقب في كل قضاء ،وإلا فسيبقى ما نشهده من انتشار المزابل والحرائق.ويأتي دور المنهجية العنقودية حول المعالجة المتكاملة في موقع واحد (في كل قضاء) وتعتمد على عدة نقاط أساسيّة:
أولا- دراسة خارطة تصنيف واستعمالات الأراضي في كل قضاء.
ثانيا- اختيار الموقع الملائم الجغرافي والجيولوجي (الموقع الملك) وتنفيذ الإدارة المتكاملة لإدارة النفايات الصلبة بوجود الثلاثي المكوّن من اتحاد البلديات والشركات ومراكز البحوث.
ثالثا- تدعيم هذه العملية بحملات التواصل الإجتماعي والإعلام الترشيدي، فضلا عن بلورة الحوافز والغرامات من خلال شرطة بيئية متخصّصة.
لا ننسى دور اتحادات البلديات الريادي في تخطيط وتنفيذ وإشراف المشاريع العامة ذات المنافع المشتركة التي تستفيد منها جميع البلديات الأعضاء، أو بعضها أو التي تشمل نطاق اكثر من اتحاد واحد، سواء كانت هذه المشاريع قائمة أو مرتقبة، كالطرق والمجارير والنفايات والمسالخ والإطفاء وتنظيم المواصلات والتعاونيات والأسواق الشعبية وخلافها، وفي التخطيطات والاستملاكات ودفاتر الشروط وكل ما يلزم لتنفيذ المشاريع المختلفة. فلدى معظم الإتحادات خارطة طريق نموذجية وليست بحاجة لأحد أن يرسم لها، فهي التي تقوم ببناء الجسور مع السلطة المركزية، والتواصل مع الشركات وسماع مقترحات مبنيّة على آخر التقنيات والتكنولوجية النظيفة والملائمة، والشركات هي أيضا من منظمات المجتمع المدني، ولا نستطيع التغاضي عن دورها، فهي اليوم موجودة وبقوة ومن خلالها نستطيع انهاء الإحتكارات.
ولا يمكننا إهمال الدور الأساسي لبعض الخبراء والناشطين في مراقبة المناقصات المركزية واللامركزية (خبراء مستقلين) على مستوى عالٍ، لرصد ومراقبة المسار الكامل والمتكامل لدفاتر الشروط وللمناقصات، ولا يمكننا إلا الإشادة ولفت النظر إلى دور “برنامج ادارة النفايات الصلبة” المموّل من الاتحاد الاوروبي وينفّذ بالتعاون مع مكتب وزير التنمية للشؤون الادارية OMSAR . وباعتقادي أن هناك تكاملا لهذه المنشآت ضمن الخطة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة، وتناغما بين وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية ووزارة البيئة.
للمعلومة، ليس إجباريا اتباع الهرم التسلسلي لمعالجة النفايات خصوصا في لبنان، لجهة البدء بالتخفيف وبالفرز والتدوير وصولا إلى التسبيخ والترميد وطمرالمرفوضات (متبقّيات وعوادم إلخ) ولكن من الضروري انشاء مطمر كخطوة أولى وبشكل فوري لجمع وتلبيس وطمرالنفايات القديمة والمجموعة في كثير من البلديات. فالمطمر دوره اليوم في الجانب العلمي المؤكّد  يعتبر إنقاذيا، ولكن في الآن عينه يجب اتباع المنهجية العنقودية لنضمن في نهاية المطاف معظم حلقات المعالجة والتخلص في موقع جغرافي واحد.
وعن اقتراحات الحكومة في مواضيع الطمر والحرق، جرى تأليب الرأي العام حول هذه الخيارات وبشكل منهجي. وللتوضيح، فحلقتا الحرق والطمرهي جزء من إدارة متكاملة ضمن المنهجيّة العنقوديّة، وبحالة النفايات السامة والخطرة من عضوية وكيميائية : انشاء مطمر مخصص لهذه المخلّفات، وقد تجري معالجة بعضها قبل طمرها، فضلا عن أنه ليس هناك لزوم لأي اعتراض عن دراسة محرقة (ترميد) متطورة وتحت إشراف ومراقبة خبراء محلّيين دولييّن.
إن الخطط والحلول المستدامة التي تقدم بها المجتمع المدني هي خطوات هامة، إلا أنها تفتقد إلى الحل المتكامل كما نقرأ في عناوينها اللافتة للإنتباه. فالطمر والحرق ليسا بالضرورة حلولا مخيفة كما يجري الحديث عنها، إلا أن العملية يجب أن تتم بمبادرة علميّة عمليّة ومعترف بها عالميّاً (أنظروا نفايات أوروبا) .
أصلاً المراكز المعتمدة على المنهجية العنقودية موجودة وتعمل حاليا في لبنان بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي وOMSAR، ومنها المعمل في اتحاد بلديات الشقيف على أطراف بلدة الكفور، ونجح هذا الإتحاد في ارساء المناقصة بسعر 21 دولارا للطن الواحد، ويعمل على استقبال كميات كبيرة من النفايات وفرزها بغرض اعادة استعمالها بدلا من تشويه البيئة، أما المواد العضوية فيعمل على تسبيخها، والمرفوضات تضغط على شكل مكعبات وتطمر في مطمر صحي، فضلا عن معمل بعلبك حيث تتم العملية بتقنية مماثلة مع وجود منشأة تتسع لـ 40 طنا من النفايات العضوية، فضلا عن إنتاج السماد لجهة إنتاج الغاز الحيوي Biogas، بهدف توليد الطاقة الكهربائية، إضافة إلى تخفيض كميات الطمر بنسبة 70 بالمئة في (مكب الكيال) العشوائي الموجود في بعلبك، مع هبة منتظرة لمطمرين صحيين. تجارب ناجحة تقوم بها العديد من اتحادات البلديات ،ويمكن دعم نجاحها وتعميمه باعتماد اللامركزية الإدارية في معالجة هذا الملف، إضافة إلى الإفراج عن أموال البلديات وعائداتها، ومراقبة سير عمليات المعالجات، والقيام بالترشيد والتوعية المدعومين ببرامج منظمة ومستمرة وصولا إلى عملية صحية متكاملة.وربما… كان من الأجدى على الحكومة العمل على تعميم هذه التجارب في كافة المناطق، فضلا عن صيانة وإعادة تجهيز المنشآت القائمة، بدلا من العمل على ترحيل  وتصدير  النفايات.
وأخيراً ،الغاية والوسيلة هي أن نرتكزعلى سياسات الترشيد والتوعية والتحفيز والضرائب والردع، ومبادئ استراتيجية في تغيير أنماط الإنتاج والإستهلاك تقوم على التجنّب والتخفيف، كي نساهم في تراجع نسبة توليد النفايات وفي عدم تفاقم الأزمة لتصبح كارثة بيئيّة وإنسانيّة نشهدها اليوم،إضافة الى مبادئ استراتيجية في تنظيم المُدن واستعمال الأراضي، منها الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة  ضمن المنهجية العنقودية…كي نساهم في تراجع نسبة توليد النفايات وفي عدم تفاقم الأزمة لتصبح كارثة بيئيّة وإنسانيّة.

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This