مايا نادر

منذ بدء الازمة السورية عام 2011، يتهافت النازحون السوريون الى لبنان ودول الجوار بشكل كبير، وفي حين سجّلت اول حالة نزوح بتاريخ 28/4/2011، بعد اندلاع الأزمة السورية بتاريخ 15/3/2011 .. تزايدت أعدادهم تباعاً مع مرور السنوات لتصل الى ما يقارب المليون ونصف المليون نازح في لبنان.
هذه النسبة المرتفعة وضعت لبنان أمام تداعيات ومخاطر متعددة الجوانب، فمع ارتفاع العدد السكاني من 4 ملايين نسمة الى خمسة ملايين ونصف المليون نسمة ، تصدّعت أساسات مختلف القطاعات الاقتصادية، الصحية، التعليمية وحتى الامنية.
ولبنان الذي يعاني اساساً من مشاكل جمة، زاد النزوح السوري على همومه هماً ، فسيطر عليه العجز الكبير في القدرة الاستيعابية للبنى التحتية ، وتراجعت الخدمات العامة من صحة ونقل وتعليم وادارة نفايات . فضلاً عن مشكلة البطالة التي تفاقمت في صفوف اللبنانيين وسجّلت في صفوف السوريين نظراً للضيق فرص العمل في لبنان لمواطنيه اولاً . ففي حين يحتاج سنوياً الى 25 الف فرصة عمل، السوق اللبناني لا يقدم اكثر من 5 آلاف منها ، وبالتالي فقد باتت الهجرة الملاذ الوحيد للشعب اللبناني- قبل النزوح السوري وخلاله – مع انحدار أكثر من ثلث الأسر المقيمة إلى ما دون خط الفقر، ومديونية عامة قياسية تصل إلى 70 مليار دولار.
في مقابل هذا النزوح، وفي حين ان المسؤولية المرماة على عاتق المفوضية السامية للاجئين وبعض المنظمات الدولية تتقاعس لسبب او لآخر، دقّ لبنان ناقوس الخطر، فطرق ابواب المجتمع الدولي، تماماً كغيره من البلدان المتضررة، للمساعدة على تحمّل اعباء اثقلت كاهل الدولة بشكل كبير .
تحذير بالاسوأ
في حين قالت مفوضية الامم المتحدة إن معظم اللاجئين الفارين من الصراع الدائر في سوريا منذ أربع سنوات يقيمون في لبنان والأردن والعراق ومصر وتركيا … حذرت مراراً انه ” سنة بعد سنة وشهرا بعد شهر واسبوعا اثر اسبوع، ويوما اثر يوم، تندفع ازمة اللجوء السوري في لبنان الى التأزم اكثر وترخي بتداعياتها الامنية والاقتصادية والمعيشية والتربوية والصحية والاجتماعية والسكانية على مجمل الاوضاع العامة للبنان، الذي تحمل الجزء ربما الاكبر من تبعات هذه الازمة مع تناقص متسارع لحجم المساعدات الدولية، وتراخي المساعدات العربية وتراجعها الى مادون الخمسين بالمائة عما كانت عليه منذ بدء الازمة السورية وبالتالي انخفاض قدرة المجتمعات المحلية اللبنانية على النهوض بهذا العبء الكبير في ظل اوضاع سياسية واقتصادية وامنية لبنانية في الاكثر تدهورا ” .
البنك الدولي يرصد الآثار الاقتصادية .. ويحذّر
في الاطار نفسه، كشف البنك الدولي في «الموجز الاقتصادي الفصلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا« أن البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عجزت عن تحقيق الاستفادة الكاملة من انخفاض أسعار النفط، لأنها تواجه إمَّا الآثار غير المباشرة للحروب الأهلية والصراعات في المنطقة، أو غياب الأمن بسبب الهجمات الإرهابية، أو الأمرين معا.
وفي الموجز المعنون «الآثار الاقتصادية للحرب والسلام»، أورد التقرير أن لبنان والأردن يتحملان مع تركيا المسؤولية الدولية عن استضافة اللاجئين السوريين، لذلك فإن هذه البلدان تتعرَّض لضغوط هائلة على ماليتها العامة. ويستضيف الأردن أكثر من 630 ألف لاجئ سوري مُسجَّل، بينما يُؤلِّف اللاجئون ربع السكان في لبنان.
لبنان .. اضرار سياحية وعقارية
في لبنان، يشدد التقرير على ان القطاعات التي تضررت بشكل رئيسي هي تلك التي تُعزِّز النمو مثل السياحة والعقارات والإنشاءات. وتوقّع التقرير أن تُبقِي هذه العوامل معدل النمو بين 2,5 في المئة و3,5 في المئة عامي 2016 و2017 للبلدين وهو أقل كثيرا من إمكانات الاقتصادين.
ومن المحتمل أن تكون تحويلات المغتربين قد تضررت أيضا في لبنان الذي يعتمد بشكل كبير على التدفقات الوافدة من دول مجلس التعاون الخليجي.
35 مليار دولار خسائر خمس دول
في سياق قريب لتقرير البنك الدولي، قامت إيانتشوفيتشينا وايفانوس عام 2014 بحساب خسائر الحرب في سوريا وآثارها غير المباشرة على تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر. واظهرت نتائج الدراسة أن الحرب في سوريا وآثارها على البلدان الخمسة المجاورة تسبَّبت في خسائر في الناتج تبلغ قرابة 35 مليار دولار، أو ما يعادل إجمالي الناتج المحلي لسوريا في عام 2007.
لقد أثَّرت الحرب السورية على مستوى معيشة البلدان المجاورة، ويُقدَّر أن متوسط نصيب الفرد من الدخل انخفض 1,1 في المئة في لبنان و1,5 في المئة في تركيا ومصر والأردن بالمقارنة بالمستويات التي كان من الممكن تحقيقها لو أمكن تفادي الحرب.
وفي لبنان وحده، يُقدَّر البنك الدولي أن نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي انخفض 2,9 % سنويا خلال الفترة بين عامي 2012 و2014. وقد أدَّى هذا إلى سقوط أكثر من 170 ألف لبناني في براثن الفقر، وضاعف مُعدَّل البطالة إلى أكثر من 20 في المئة، معظمهم من الشباب من غير ذوي المهارات. ويوجد في لبنان أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة إلى عدد سكانه (232 لكل ألف نسمة من السكان). ويُظهر مسح استقصائي لمنظمة العمل الدولية اُجرِي في الآونة الأخيرة أن نحو 92 في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان لا يحملون عقود عمل، وأن أكثر من نصفهم يعملون على أساس موسمي أسبوعي أو يومي وبأجور متدنية.
وتُظهر الدراسة أن نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي تعافى ببطء في البلدان المستوردة للنفط بالمقارنة بالبلدان المصدرة للنفط. ففي لبنان، استغرق إجمالي الناتج المحلي الحقيقي 20 عاما بعد انتهاء الحرب، لكن ظل نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي دون مستواه قبل الحرب.
الدعم الدولي بين التوقعات والوقائع !!
من اجل تغطية احتياجات اللاجئين في لبنان ودعم المجتمعات المضيفة والمؤسسات العامة اللبنانية المتأثرة جراء الازمة، طلبت الحكومة اللبنانية ووكالات الامم المتحدة المعنية عام 2015 ميزانية بقيمة 87 ,1 مليار دولار الا ان الاستجابة لم تتجاوز نسبة 40 بالمائة فقط .. اي اقل من نصف التمويل المطلوب، ما انعكس تدهورا في احوال معيشة النازحين والمضيفين، وتسبب بمشكلات خطيرة.
في عام 2016 قدر التمويل المطلوب بنحو 2,48 كليار دولار الا ان التوقعات تفيد بان الاستجابة الدولية لن تتجاوز الثلث، مما يعني ان الاوضاع ستصبح اسوأ بكثير مما هي عليه.
في الرابع من شباط 2016، توجهت أنظار اللبنانيين عموماً والحكومة خصوصاً الى مؤتمر المانحين في لندن ، والمخصص لدعم لبنان والأردن فقط، بوصفهما أكثر الدول احتواءً للنازحين السوريين، وليس خافياً على أحد تعويل لبنان الكبير على المؤتمر المذكور، واعتباره خشبة نجاة للأزمة الإقتصادية المستعصية التي يواجهها البلد، والمعزّزة بتداعيات الحرب السورية.
الوفد اللبناني الذي رئسه رئيس الحكومة تمام سلام وشارك فيه وزيرا الخارجية والمغتربين جبران باسيل، والتربية والتعليم العالي الياس بوصعب حمل معه الى لندن ورقة عمل تضمنت مجمل حاجات لبنان التمويلية لسد أعباء النزوح السوري على الإقتصاد اللبناني، والتي تصل الى 2 مليار و480 مليون دولار، بعد أن كانت في العام 2014 نحو 2 مليار و100 مليون دولار.
وفي حين ارتفع منسوب الأمل في الأوساط الرسمية اللبنانية بالحصول على مساعدات وافية من مؤتمر المانحين، كانت الهواجس التي تدور حول التعاطي مع ملف النازحين في لبنان في المرصاد.
اعلن في ختام المءتمر عن تقديم أكثر من 10 مليارات دولار للدول المتضررة من أعباء أزمة اللجوء السوري، سيحصل الأردن منها على 2.1 مليار دولار على مدى 3 سنوات، الا ان حصة لبنان فهي لم تحدد بعد.
فبعد أن تحدثت المعلومات عن حصول لبنان على 2,5 مليار دولار خلال المؤتمر، قال الرئيس سلام في اكثر من تصريح له أن حصة لبنان من المؤتمر لم تُعرف بعد وهي تحتاج لبعض الوقت لان التعهدات التي حصل عليها لبنان جزء منها مالي والجزء الاخر مشاريع تنموية، وبالتالي لا يمكن التحدث عن أرقام حتى تستقر هذه المساعدات على شكلها النهائي. وأكد سلام أن لبنان لن يتنازل عن المطالبة بعودة النازحين الى بلادهم، مشيرا الى انه لم يسمع مطلقا أي دعوة لتوطينهم. وذكر سلام بأن بلاده قدمت ورقة عمل يطالب فيها بـ 11 مليار دولار، جزء منها للسنة الحالية والباقي موزع على مدى 5 سنوات.
مساعدات مشروطة ؟
بين المبلغ المطلوب والآخر المقدّم، تحدث وزير العمل، سجعان قزي، عن أن المجتمع الدولي ودول المانحين اشترط منح المساعدات لبلاده مقابل قبوله دمج اللاجئين السوريين في سوق العمل. واعتبر في احاديث متفرقة أن المنظمات الدولية، مدفوعة من بعض الدول المانحة، تسعى الى فتح سوق العمل اللبناني أمام النازحين السوريين عن طريق إلغاء إجازات العمل لهم، ويتوقع أن يمارس المانحون الضغط على الحكومة اللبنانية خلال المؤتمر لقبول هذا المشروع كشرط لإرسال المساعدات.
رغم هذه المعلومات، اكد قزي انه لن يسمح بالتدخل بسوق العمل في لبنان على حساب اليد العاملة اللبنانية، وشدد على أن وزارة العمل تمنح إجارات العمل للنازحين السوريين في القطاعات التي يحتاجهم فيها سوق العمل اللبناني لاسيما قطاعات البناء والزراعة والبيئة وذلك ليس بجديد، إنما الجديد في الملف هومحاولة بعض الدول المانحة تقليص مساعداتها للنازحين السوريين عن طريق إشراكهم في سوق العمل اللبناني وهو الأمر الذي شدد على انه سيرفضه ويرفض تالياً أن يكون لبنان رهن مساعدات الدول المانحة للنازحين السوريين.
ونظراً الى كون العمالة السورية باتت جزءاً لا يتجزأ من بعض القطاعات، يرى قزي أن لا حاجة لدعوة المجتمع الدولي للبنان لتسهيل توظيف النازحين واشتراط تقديم المساعدات بفتح سوق العمل اللبناني أمامهم، فالمساعدات الدولية المشروطة اليوم بإلغاء إجازات العمل للسوريين، سيتم ربط تقديمها في المستقبل بتوطين السوريين، وهو ما لن نسمح به أبداً .
وأشار قزي الى ان المجتمع الدولي بدأ يطرح مشروع فتح سوق العمل اللبنانية امام اللاجئين السوريين، بعد مرور 5 سنوات على اندلاع الحرب السورية، مما يعني ان الحرب مستمرّة لفترة طويلة، والدليل على ذلك أن مؤتمر لندن أقرّ مساعدات لغاية 2020. وهذا أمرٌ في غاية الخطورة .
خسائر بالجملة
كلفة النزوح السوري الى لبنان باهظة الثمن، وكان وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس قد اشار في وقت سابق الى ان الخسائر المباشرة التي تكبدها لبنان من جراء النزوح السوري اليه تراوحت ما بين 12 و13 مليار دولار. واعتبر ان لبنان خسر حدوده البرية ودوره كبلد سياحي لان الوضع القائم لا يشجع السياح العرب والاجانب على المجيء اليه.
وأشار الى ان معدل النمو تراجع من 7,5 % الى الى نحو 1 % لافتا الى الضغط المتزايد على الصرف الصحي والقطاع التعليمي حيث تستقبل المدارس الرسمية اكثر من 100 الف طالب بالإضافة الى ما تستقبله المدارس الخاصة.
ويشكل تزايد النازحين السوريين الى لبنان ضغوطا كبيره على البلد الذي استقبل اكثر من مليون و100 الف نازح سوري اي ما يقارب 38 بالمائة من النازحين خارج سوريا.
في الاطار نفسه، ورغم الاشادات ببعض الايجابيات الاقتصادية التي يمكن من خلالها للنازحين السوريين تحريك العجلة الاقتصادية الا ان تداعيات وجودهم السلبية تخطت تلك الايجابية في الشق الخدماتي اللبناني . فتوزعت تلك التداعيات على الفاتورة الصحية التي تكلف كل نازح سوري أكثر من 450 دولاراً، وعلى الفاتورة التعليمية اذ تضم المدارس الرسمية اللبنانية نحو 450 ألف طالب سوري مقابل 350 ألف طالب لبناني. فضلاً عن ارتفاع مستوى البطالة اللبنانية الى الـ 25% ، اكثر من 35% منها هم من الشباب ، في حين تحدثت الارقام عن ان أن اكثر من 300 الف لبناني خرجوا من وظائفهم منذ بداية الازمة.
عن فاتورة البلديات، حدث بلا حرج فالنفايات اللبنانية لم تستطع الدولة تصريفها ، ولكثرتها أغرقت اللبنانينن والسوريين بها .
انتاجياً واستهلاكياً، ارتفعت الحاجة الى الطاقة في مقابل عدم القدرة على تسديد العجز، وانخفض مستوى التصدير للانتاج اللبناني بسبب اقفال كل المعابر البرية التي تصل لبنان بعمقه العربي، والاكتفاء بالمعابر البحرية التي تكبّد التصدير تكاليف باهظة. الى جانب ذلك كله، فإن السياحة اللبنانية تاثرت بشكل كبير بالأزمة السورية ان بسبب الاضطراب الأمني في لبنان او بسبب اقفال المعابر البرية الذي عطل السياحة البرية…

ينشر بالتزامن مع مطبوعة الاعمار والاقتصاد

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This