أنور عقل ضو

ظل التفاؤل حيال إمكانية أن يتوصل مؤتمر باريس للمناخ COP21 (الاجتماع الـ21 للدول الأطراف في اتفاقية تغير المناخ)، إلى اتفاق دولي يجنب العالم كوارث تتهدد كافة أشكال الحياة والنظم البيئية على الكوكب الأزرق، في حدود ترسمها مخيلة الحالمين بإمكانية تخطي العقبات والإشكاليات العالقة، منذ قمة الأرض في الريو العام 1992، ظنا منهم أن المصير القاتم الذي ينتظرنا سيكون كافيا لتتبنى الدول سياسات عقلانية مستشرفة المخاطر من بوابة الظواهر المناخية المتطرفة التي تكبد العالم خسائر بمليارات الدولارات، نتيجة الأعاصير المدمرة وموجات الجفاف، وأخيرا ظاهرة النينيو التي توقع العلماء أن تكون الأقسى منذ خمسة عشر عاما، فضلا عما تتكبده شركات إعادة التأمين العالمية من خسائر نتيجة الكوارث الطبيعية، وهي تكافح لتقييم المخاطر الناجمة عن تغير المناخ، وهذا ما ألمحت إليه شركة “ميونيخ ري” أكبر شركات إعادة تأمين في العالم، من أن اجمالي الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية مثل الزلازل والعواصف وموجات الحر ارتفع بصورة حادة خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي (2015)، وكانت أفدح الكوارث سلسلة العواصف الشتوية التي اجتاحت شمال شرق الولايات المتحدة وكندا في نهاية شباط (فبراير) الماضي، وتسببت في خسائر تأمينية حجمها 1.8  مليار دولار فيما اجمالي الخسائر بلغ 2.4 مليار دولار.

ومع اقتراب موعد انعقاد المؤتمر، تبدو الصورة أكثر قتامة، حتى من قبل المتفاءلين أنفسهم، بعدما تأكد اتساع الهوة بين الدول الغنية المصرة على التمسك بأنماط الإنتاج المتفلتة من ضوابط ولا تراعي الاستدامة والحد من استنزاف موارد الكوكب من جهة، وبين الدول النامية والاقتصادات الناشئة وهي تدافع عن حقها في تحقيق ما وصلت إليه الدول الغنية من رفاه وتطور من جهة ثانية، وهنا تكمن الإشكالية التي ستكون ماثلة بقوة في المؤتمر، وهي تفترض أن يكون ثمة خفض للانبعاثات بما يضمن إبقاء درجة حرارة الأرض بزيادة لا تتعدى حدود درجتين مئويتين، وهذا ما لن تتمكن الدول كافة الالتزام به لاعتبارات مرتبطة بحجم أزماتها الاقتصادية المتزايدة.

وعلى ضفة مقابلة، يستحيل حتى الآن توفير موارد مالية لدعم مشاريع الطاقة المتجددة، وهذا الأمر كان حتى الأيام القليلة الماضية موضع متابعة في المحادثات التمهيدية التي تقودها الأمم المتحدة بشأن المناخ، حيث يبذل دبلوماسيون جهودا مضنية لضمان تأمين الوصول إلى الهدف السنوي (100 بليون دولار) قبل انطلاق مؤتمر باريس، وطبقا لتقديرات أنجزتها “منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية” الدولية، لم تتجاوز التعهدات المعلن عنها خلال العامين الماضيين 57 مليار دولار، فيما الدول السائرة في طريق النمو تؤكد أنه لن يكون في مقدورها الإستثمار في الطاقة المتجددة، دون توفر الأموال التي تمكنها من التحول تدريجيا من الطاقة الأحفورية إلى الطاقة النظيفة دون أن يتأثر اقتصادها، فضلا عن أن آلية تأمين التمويل ما زال يكتنفها الغموض، أي لجهة ما الذي يعنيه تمويل إجراءات مكافحة المناخ، وهي قضية خضعت لنقاش مطول العام المنصرم في مؤتمر ليما.

وثمة الكثير من القضايا الإشكالية تمثل بعضا من هواجس، تعزز قتامة المشهد قبيل انطلاق فعاليات المؤتمر، فضلا عن أمور تقنية وعلمية، ومنها على سبيل المثال أن تخفيض الانبعاثات، لن يكون ذا جدوى في لجم التغير المناخي إلى مستويات آمنة، خصوصا إذا علمنا أن غازات الدفيئة التي انبعثت من الأرض منذ الثورة الصناعية، تفوق قدرة الأرض على امتصاصها، بمعنى أن أي اتفاق – حتى لو كان ملزما – لن يكون قابلا للحياة في المدة المحددة بتاريخ التطبيق في العام 2020.

ومع ما استجد على صعيد الاعتداءات الإرهابية التي استهدفت العاصمة الفرنسية، بات واضحا أن العالم ينظر الآن إلى مواجهة الإرهاب كأولوية، حتى أن إصرار رؤساء الدول الكبرى على حضور المؤتمر يأتي من قبيل التأكيد على عدم الرضوخ لهذا الارهاب، وليس لدعم ورفد المؤتمر بما يتيح له إنتاج اتفاقية إطارية يبدو الوصول اليها في ظل الظروف العادية صعبا، فكم بالحري وأن المؤتمر ينعقد وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة، مع الحديث في الكواليس عن إمكانية تأجيل المؤتمر، وإن كان مثل هذا الأمر غير وارد، فهو يعني بصورة غير مباشرة الرضوخ للارهاب، وأقصى ما يتوجس منه كثيرون أن تتحول هجمات باريس الأخيرة شماعة تعلق عليها إخفاقات الدول المجتمعة في عاصمة الأنوار.

 

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This