في الثلاثين من الشهر الماضي (30-11-2015) كان العالم كلّه على موعدٍ مع أهم حدث بيئي كوني، مؤتمر باريس للمناخ COP21 والمستمرة فعالياته حتى الحادي عشر من الشهر الجاري.

وقبل الحديث عن المؤتمر بشكلٍ عام، لا بد من مراجعة تاريخية تساعدنا في الإضاءة بشكلٍ أعمق، على قضية المناخ، ففي العام 1992 انضمت البلدان إلى معاهدة دولية هي اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغيّر المناخ، للنظر في ما يمكن القيام به للحدّ من ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وما ينجم عنها من تغيّر في المناخ والتصدي لآثاره.

وبحلول عام 1995 ادركت الدول أن الأحكام المتعلقة بخفض الإنبعاثات في الإتفاقية ليست كافية، ونتيجة لذلك، فإنها بدأت المفاوضات لتعزيز التصدي العالمي لتغير المناخ، وفي عام 1997 اعتمدت “بروتوكول كيوتو”، ويُلْزِم هذا البروتوكول قانونياً الدول المتقدمة النمو بأهداف في مجال خفض الإنبعاثات، وقد بدأت الالتزامات الأولى للبروتوكول عام 2008 وانتهت في عام 2012 وبدأت فترة الإلتزام الثانية في واحد كانون الثاني (يناير) 2013، وستنتهي في عام 2020، وثمة في الوقت الراهن 192 طرفاً في “بروتوكول كيوتو”، وقد دخل البروتوكول حيز التنفيذ في 16 شباط (فبراير) 2005، ومنذ ذلك الحين واصلت الأطراف في البروتوكول المفاوضات، وعدّلت البروتوكول لتحقيق نتائج أكثر طموحاً بحلول عام 2030.

ومبدأ تضامن الدول يُعتبر أيضاً قضية رئيسية، فيما التمويل يعتبر أمراً ضرورياً لمتابعة تنفيذ الإلتزامات الخاصة بالتغيرات المناخية، ومن النقاط الواجب التركيز عليها هي القطاع الأهلي والقطاع الخاص للانخراط في هذه المعركة لانقاذ الكوكب وليس فقط الدول وبشكل رسمي.

وللمرة الأولى في تاريخ البشرية يجتمع 147 رئيس دولة للتباحث في كيفية انقاذ الكوكب والإبقاء على ارتفاعٍ للحرارة سقفه درجتين خلال ثلاثين عاماً، هذا المؤتمر هو تكملة لمؤتمر “كيوتو” في اليابان من حيث رمزيته عن المناخ، وحيث كان هناك التزام وللمرة الأولى لمجموعة كبيرة من الدول بتخفيض انبعاثات الغازات المسببة للإحتباس الحراري، وتأتي أهمية هذا المؤتمر بالبعدين السياسي والبيئي.

البعد السياسي جاء على أثر الهجمات الإرهابية التي ضربت باريس وراح ضحيتها 130 قتيلاً، وجاء المؤتمر تأكيداً لعدم الوقوف أمام الاعتبارات الأمنية لأن فرنسا صممت على تأكيد انعقاده، وبالبعد البيئي، أي مصير الكوكب وكيفية انقاذه من الإحتباس الحراري.

لكن ثمة سؤالا، هل هناك احترام حقيقي من الدول حيال تخفيض انبعاثاتها؟ ومن ثم هل هناك دعم حقيقي من الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والصين والمجموعة الاوروبية تجاه الدول الفقيرة ومصير الساعدات التي أقرت سابقاً بحدود 100 مليار دولار والتي تسمح للدول الفقيرة بتنفيذ برامج تراعي البيئة وتحافظ وبطريقة مستدامة على تنمية لا تسيء للمناخ؟

والسؤال الأهم هل قرارات مؤتمر باريس للمناخ ستكون ملزمة؟ وكلام وزير خارجية أميركا كيري لصحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية لا يطمئن بقوله أن المعاهدة لن تكون مُلزِمة قانونياً! وهذا هو المفصل الأساسي والمعركة الحقيقية للمؤتمر، وكلمة الرئيس الفرنسي هولاند حول الزامية القرارات تؤكد أهمية ومصيرية وجدية هذه المقررات، لأن أميركا الملوث الأول في العالم ضربت عرض الحائط بكافة قرارات المؤتمرات الكونية السابقة.

وحتى تكون مقالتنا ذات فائدة يهمني أن أشرح للقارىء الكريم وبطريقة تبسيطية ومختصرة ماذا يعني الإحتباس الحراري لسبب بسيط قاله الأمين العام للأمم المتحدة منذ عشر سنوات: في حال تهدد الكوكب فإن أقل الدول تعرضاً للزوال هي الدول التي تملك شعوبها وعياً كافياً وتطبيقاً كافياً لكيفيّة الإحتراز من الإحتباس الحراري.

على سبيل التوضيح ماذا يعني الإحتباس الحراري؟ لنتخيل بيتاً زجاجياً اذا أشرقت الشمس تدخل أشعتها من خلال السقف والجدران الزجاجية، تسخن الداخل فترتفع حرارته أكثر مما هي في الخارج، السبب هو أن الزجاج يمنع جزءاً من الحرارة من الخروج مما يسمّى بالدفيئة التي تعتبر مصيدة للحرارة.

انطلاقاً من المثل الحي: لا تصل كل أشعة الشمس التي تسقط على الغلاف الجوي إلى سطح الأرض فحوالي 30 بالمئة من حرارة الشمس ترجع منعكسة إلى الفضاء، منها 25 بالمئة بواسطة الغيوم و 5 بالمئة سطح الأرض، وحوالي 25 بالمئة تمتصه الغيوم مما يبقي للأرض والمحيطات 45 بالمئة من حرارة الشمس التي تدفئها. وتبعث هذه الأسطح الدافئة بدورها الطاقة الحرارية على شكل أشعة تحت الحمراء ذات موجات طويلة، وبما أن الهواء يحتوي على بعض الغازات بنسب خفيفة ومنها ثاني أوكسيد الكربون وأوكسيد النيتروجين والكلور والفلوروكاربون والميثان وبخار الماء. ومن مزايا هذه الغازات انها لا تسمح بنفاذ الأشعة تحت الحمراء مما يؤدي إلى احتباس هذه الأشعة داخل الغلاف الجوي، ما نطلق عليه (الإحتباس الحراري أو الدفيئة) والغازات غازات الدفيئة.

وللدلالة على أهمية هذه الغازات انه لولاها لتحولت الحرارة على سطح هذا الكوكب إلى 17 درجة مئوية تحت الصفر، أي دون نقطة تجمد المياه، مما يشكل استحالة للعيش على سطح الأرض، ولكن تكثيف وجودها بطريقةٍ تتخطّى الأسس والمعادلات يشكّل خطرا داهما على الكوكب بدل الإستفادة منها.

تحديات كبيرة تنتظر المؤتمر الأضخم في تاريخ البشرية، والهاجس الأساسي الحفاظ على هذا الكوكب بعد أن أصبحت التكهنات حقائق والأحلام كوابيس.

 

*رئيس “جمعية طبيعة بلا حدود”

عضو اللجنة البيئية في نقابة المهندسين

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This