ليس ثمة مبالغة في اعتبار عدد من الخبراء المشاركين في مؤتمر باريس للمناخ COP21 أن “المؤتمر هو الفرصة الأخيرة للكوكب” (التوصيف للبابا فرنسيس)، ما يعني أن هامش المناورة لدى الأطراف كافة بدأ يضيق، فالوقت يضغط فيما الأهداف كبيرة، وبين الواقع والمأمول، بدأ الشك يحتل مساحات واسعة بينهما، وليس ثمة من يردمها ليبدِّد الهواجس والمخاوف والأخطار، لا سيما وأن المؤتمر استحضر إشكاليات أخلاقية وإنسانية غير بعيدة عن المناخ، لا بل هي بعض أسبابه، كالفقر والجوع والمرض، وما عادت الخطابات الجميلة كافية، فيما شعار المؤتمر غير المعلن بات يتلخص في “كيف ننقذ كوكب الأرض؟”.
وإذا ما تتبعنا وقائع المؤتمر بعد أيام عدة على انطلاق فعالياته، نجد أن المواقف المبالِغة في التفاؤل تراجعت، بعد أن عادت الخلافات في تاريخ النقاشات البيئية لتطفو من جديد على السطح، بين دول الشمال الملوِّث التاريخي للكوكب ودول الجنوب المتمسكة بحقها في النمو، وهي تدعم قرار التكيف، ما يعني أن السير نحو اتفاقية ملزمة وشاملة دونه الكثير من العقبات، وهذا ما تبدى بوضوح أمس (الخميس)، عندما حذرت الدول النامية من خطر فشل المفاوضات إذا لم تتعهد الدول الغنية بتقديم تمويل لمكافحة ارتفاع حرارة الأرض.
وإذا كان مؤتمر باريس يهدف إلى التوصل لاتفاق بحلول 11 الشهر الجاري عنوانه تقليص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، واحتواء ارتفاع حرارة الارض عند سقف درجتين مئويتين قياسا إلى الحقبة السابقة للثورة الصناعية، فإن العلماء يتخوفون من ارتفاع حرارة الارض اكثر من درجتين مئويتين، ما سيؤدي إلى حصول أعاصير بشكل متكرر، فضلا عن تراجع المحاصيل الزراعية، وارتفاع مناسيب مياه البحار لتغمر مناطق مثل نيويورك وبومباي.
ما يسترعي الانتباه أن ثمة إشكاليات تقنية ظهرت حيال آلية النقاش، وتسريع وتيرة المفاوضات، وهذا ما تنبهت إليه مجموعة الـ77 للدول النامية حين اقترحت أسلوبا جديدا للعمل من أجل إحراز تقدم بسرعة اكبر، ومن المفترض في هذا المجال أن يتم تقليص عدد مجموعات العمل وتسهيل المحادثات حول النقاط المشتركة.
وبررت وزيرة البيئة الفرنسية سيغولين رويال الأمر، بأنه من الطبيعي أن يستغرق انطلاق المفاوضات يوما او يومين، علما أن تسهيل مسار المحادثات حول النقاط المشتركة يهدف للتوصل إلى تسويات، وإذ أكدت رويال أن الفشل غير وارد، قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون “لن نتوصل إلى اتفاق مثالي”.
من هنا تبدو الأيام القليلة المقبلة حاسمة، وإن كان ثمة من يتوقع أن يبقى الجدل قائما حتى اليومين الأخيرين من المؤتمر، عندها ستكون ثمة تسوية في اللحظات الأخيرة، بعنوان “اتفاق”!