يواجه محار اللؤلؤ في العالم خطر الانقراض، والسبب بالدرجة التغيرات المناخية وتأثيرها على موائله، ولا يقتصر الأمر على المحار في البحار المالحة فحسب، وإنما يطاول محار لؤلؤ المياه العذبة، ولا سيما في اسكتلندا، وهذا ما خلص إليه مؤتمر الإرث الوطني الإسكتلندي Scottish Natural Heritage، فضلا عن برنامج استغرق خمس سنوات من الجهد، وتسعة ملايين جنيه استرليني من الأموال، وكان يهدف إلى حماية 32 نوعاً، من ضمنها المحار، علما أن نصف الأنواع التي تعيش في الأنهار توجد في اسكتلندا.
وأبعد من تغير المناخ، دعا خبراء بيئيون في منطقة الخليج إلى ضرورة حماية اللؤلؤ الطبيعي من الثلوث الذي أدى إلى نفوق الكثير من الحيوانات الرخوية على الشواطىء بسبب التعرض للشمس والجفاف وردم البحار والخلجان، فضلا عن تأثر كل مَواطِن المحار في العالم.
لؤلؤ تاهيتي
والجديد في هذا المجال، ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية (ا ف ب) قبل يومين، من أن لؤلؤ تاهيتي الذي يعتبر أحد أعمدة اقتصاد بولينزيا الفرنسية يعاني من انعكاسات الاحترار المناخي، ويقول وزير الاقتصاد البولينيزي، تيفا روفريتش “الطبيعة تتكيف في نهاية المطاف، لكن علينا أن نتخذ إجراءات” لمواجهة الاحترار المناخي.
واللؤلؤ الذي يطلق عليه اسم “تاهيتي” في خطوة تسويقية، يرى النور في الحقيقة على بعد مئات الكيلومترات من هذه الجزيرة. فمحار “بينكتادا مارجاريتيفيرا” الذي ينتج اللؤلؤ يزرع في بحيرات شاطئية في جزر ارخبيليْ تواموتو وجامبييه.
ويعمل في مزارع اللؤلؤ 1300 شخص رسمياً، إلا أن القطاع يضم بين خمسة الآف وثمانية الآف شخص ويسمح لهذه الجزر المرجانية المعزولة بالمحافظة على سكانها.
هذا اللؤلؤ الذي يتعرف عليه محبو الحلى سريعاً بفضل لونه الرائع ولمعانه الذي لا مثيل له، حقق 73,7 مليون يورو لبولينزيا الفرنسية في العام 2014 ما يشكل 69 بالمئة من عائدات صادراتها. وبيع هذا اللؤلؤ خصوصاً في هونغ كون (49 بالمئة) واليابان (46 بالمئة).
مواجهة الاحترار
وتأخذ الحكومة البولينيزية التهديد الذي يطاول هذا النشاط بجدية كاملة، وأطلقت برنامج أبحاث وتطوير تشارك في تمويله الأطراف الخاصة العاملة في القطاع.
وتمت الاستعانة بعلماء للعناية بهذه المحار قبل 15 سنة تقريباً للعمل على تحسين نوعيتها وألونها (زهر وباذنجاني وأزرق وأخضر وسكري ورمادي)، ومنذ فترة قصيرة أيضاً لمواجهة الاحترار المناخي.
ويقول جيل لو مولاك، الباحث في مركز المحيط الهادئ التابع للمعهد الفرنسي لاستغلال البحار في فايرا: “يؤدي الاحترار إلى ارتفاع حرارة المياه ومعدل الحموضة فيها. والسؤال الذي يطرح هل يمكن لهذا المحار أن يصمد في وجه ذلك؟”.
وفي أبنية هذا المركز وضعت المحار في أحواض مياه يتماشى مستوى حموضتها مع توقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بعد 40 إلى 50 سنة وبعد قرن من الآن. وأتت النتائج مشجعة إذ يؤكد العالم “لم نسجل أي تأثير على نمو اللؤلؤ. ربما تكون محمية في الجيب الداخلي”.
في المقابل يثير ارتفاع حرارة المياه قلقاً أكبر. فهذا المحار يقدم أفضل أداء مع حرارة لا تتجاوز 28,7 درجة مئوية. واختبرت سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ هنا أيضاً.
ويقول العالم “مع ارتفاع في الحرارة بدرجتين مئويتين تمضي المحار غالبية وقتها في ظل حرارة تزيد عن الحرارة الفضلى لها وهذا ليس بجيد”.
اللؤلؤ في التاريخ
أول ذكر للبحث عن اللؤلؤ في التاريخ، ظهر في “ملحمة غلغامش” قبل 3000 عام قبل الميلاد، وأطلق عليه “عيون السمك”، وكان البحارة القدامى مولعين باستخراج اللؤلؤ من البحر، ففي دول خليج ثمة جهود لإعادة إحياء تجارة اللؤلؤ الذي اندثر صيده منذ خمسينيات القرن الماضي، نتيجة تغيّر مسار الاتجار به، وظهور مزارع اصطناعية في اليابان، وانتشارها في أنحاء العالم. وتسعى الدول الخليجية إلى تنشيط هذه التجارة، التي يبلغ حجم الاستثمار فيها حول العالم146 بليون دولار، يعتمد معظمها على اللؤلؤ الاصطناعي، ويُتداول ما تبقى من اللؤلؤ الطبيعي من خلال مزادات عالمية، وبأسعار مرتفعة للغاية.
ما هو اللؤلؤ؟
اللؤلؤ مادّة صَدَفية ذات لمعان خاصّ تنتجه بعض أنواع المحار، وذلك عندما تتعرّض لظروف معيّنة، ويتكوّن نتيجةً لدخول جسم غريب بين صدفة المحار وغلافها اللّحمي، ولأجل أن تحمي المحارة نفسها من هذا الدّخيل الصغير، تحيطه بمادّة كلسيّة “كربونات الكالسيوم مع قليل من المواد البروتينيّة”، طبقةً بعد طبقة.
ويتألّف اللؤلؤ من مادّة كلسية صَدَفية تُشبه السّطح الدّاخلي لغلاف المحار من حيث التّركيب الكيماوي، وإذا ما طال العهد بهذه المحارة، فإنّ اللّؤلؤة تلتصق بداخل الصّدفة نفسها، وقد لا تظهر للعَيان لأوّل وهلةٍ، بل تحتاج، لإخراجها من الصّدفة في بعض الأحيان، إلى قَطعِ الصّدفة نفسها.
وتعدّدت مصادر استخراج اللّؤلؤ من سواحل أستراليا وأميركا الوسطى وبعض الجزر الواقعة جنوبي المحيط الهادي وخليج المكسيك، حيث كان يقوم الهنود الحُمر باستخراجه.
أمّا أشهر مناطقه فكانت: الهند، والخليج العربي، وامتاز لؤلؤ البحرين عن غيره بالجودة، وقد عُرِفَ بـ” لؤلؤ بومباي” لأنه يُباع في هذه المدينة.