لو تتنبه الدول الأكثر تلويثا للبيئة، وهي تتصدر في الوقت عينه قائمة الدول من حيث انبعاثات غازات الدفيئة، وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية وتليها الصين ومن ثم دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والهند واليابان أن كلفة ما تتكبده على مستوى الفاتورة الصحية الناجمة عن أمراض مصدرها التلوث، وما تتسبب به الظواهر المناخية المتطرفة كالأعاصير والجفاف، فضلا عن ارتفاع الفاتورة الاقتصادية التي تتهدد قطاع التأمين الذي يعتبر أحد دعائم اقتصادها، تفوق ما تجنيه من عائداتها الصناعية، لما توانت عن تبني الطاقة المتجددة خيارا استراتيجيا، دون الاستجارة بمؤتمر أو قمة مناخ.

ثمة ضرورة لمقاربة قضية الاحتباس الحراري من خاصرة الاقتصاد، ما يطرح هواجس كثيرة تؤرق الكثير من الدول لجهة ما تتكبده من خسائر ناجمة عن تغير المناخ، وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة استشعرت الخطر للمرة الأولى إزاء التغيرات المناخية عقب إعصار “ساندي” في العام 2012، وقبل ذلك أكدت دراسة نشرتها “الواشنطن بوست سنة 2010 أن “التغير المناخي الذي تشهده الولايات المتحدة من موجات حر شديدة وعواصف ثلجية غير معتادة تمثل أكبر رد على المشككين بمسألة الاحتباس الحراري”.

ونذكر في هذا السياق أن خسائر الولايات المتحدة السنوية في الممتلكات تبلغ نحو 35 مليار دولار بسبب الأعاصير والعواصف الساحلية، فضلا انخفاض إنتاجية المحاصيل 14 بالمئة مما يكبد مزارعي الذرة والقمح خسائر عشرات المليارات من الدولارات، إضافة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى زيادة الطلب على الكهرباء ويكلف المستهلكين ما يصل إلى 12 مليار دولار سنويا.

وهذا يعني أن قياس نجاح مؤتمر باريس لمناخ COP21 يبقى معلقا بين حجم الاقتصاد الحالي للدول الكبرى مع كوارث بيئية بكلفة عالية تسحب نفسها على قطاع التأمين وشركات الإعادة العالمية، أو ترشيد الاقتصاد وتعزيز الاستدامة عبر اعتماد الطاقة المتجددة كخيار أكيد مع كلفة بيئية أقل، أي أن قضية المناخ تبقى ماثلة بإشكالياتها الكبيرة في ميزان الاقتصاد، من هنا تتبدى إشكالية المناخ في مداها الراهن، ما يعزز فرضية التشاؤم حيال إمكانية التوصل إلى اتفاق بمستوى حجم المخاطر الماثلة، وإن استعاض بعض البيئيين عن “التشاؤم” بـ”التفاؤل الحذر”، فالنتيجة في كل الأحوال واحدة، أي الوصول إلى اتفاق الحد الأدنى الممكن.

من هنا، من المتوقع أن يكون مؤتمر باريس مجرد محطة في سياق مؤتمرات المناخ، لن تفضي إلى ما يبدد الهواجس، ما يعني أنه سيتم سحب المسائل الخلافية من التداول واستحضارها في مؤتمر COP22 في المغرب في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، ومن المتوقع أيضا أن نشهد ظواهر مناخية أشد وأخطر، لأن الأرض بإمكانها “الرد” على فشل المؤتمر، أو على الأقل عدم تلبيته لموجبات الاستدامة، بطرقها الخاصة!

الناشر: الشركة اللبنانية للاعلام والدراسات.
رئيس التحرير: حسن مقلد


استشاريون:
لبنان : د.زينب مقلد نور الدين، د. ناجي قديح
سوريا :جوزف الحلو | اسعد الخير | مازن القدسي
مصر : أحمد الدروبي
مدير التحرير: بسام القنطار

مدير اداري: ريان مقلد
العنوان : بيروت - بدارو - سامي الصلح - بناية الصنوبرة - ص.ب.: 6517/113 | تلفاكس: 01392444 - 01392555 – 01381664 | email: [email protected]

Pin It on Pinterest

Share This