وأخيرا، تمخض الجبل فولد فأرا، وقرر مجلس الوزراء استخدام القوة في تنفيذ ما اجترحه من حلول لأزمة النفايات العالقة منذ ثمانية أشهر، في خطوة تؤكد أن صبر الحكومة نفد، أو بمعنى آخر، لقد بلغ السيل الزبى!
لقد بات واضحا من اللهجة الواثقة لجهابذة السياسة في لبنان، أن ثمة اتفاقا ضمنيا بين سادة الطوائف لتمرير الحلول المقترحة بحد السيف، بعد أن عجزوا عن تسويغ وتمرير استثماراتهم طمرا وحرقا وترحيلا، وسيتبدى خلال الأيام القليلة المقبلة وجه آخر للسلطة عنوانه القمع، ولكن هذه المرة برعاية طوائفية، ستؤمن رفع الغطاء عن الرافضين الانتظام في قطعان طوائفهم، وتقديم الطاعة لرموز الفساد والسرقة وعصاباتهم في مراكز السلطة ومواقع القرار.
جميل أن تفرض الدولة، أية دولة، سلطة القانون، لكن هل توصيف “دولة” ينطبق على لبنان؟
وكي لا نغرق في تفاصيل تنأى بنا عن لب المسألة، نشير إلى أننا في لبنان لا نواجه أزمة نفايات فحسب، وإنما ما هو أعقد منها بكثير، ولو أن ثمة وعيا غير مصادر ولا مُضيَّع، كان الأجدر بنا أن نزيل أولا من ائتمنّاهم على مستقبلنا، أو من فرضوا حضورهم وزعاماتهم بقوة المال متسلحين بحصرية تمثيلهم المطلقة للطائفة والمذهب، هنا الداء، ولا يظننّ أحد أنه من الممكن أن نزيل نفايات الشارع قبل إزالة من حولوا لبنان بلدا غارقا في نفاياته.
قبل أن تفكر الحكومة في قمع واضطهاد الناس، من حقنا أن نسأل: ماذا عن تشغيل محرقة ضهور الشوير رغما عن قرار وزير البيئة بمنع استخدامها لأسباب فندها خبراء وأكدت أنها ملوِّثة؟ وماذا عن قضم جبال عين دارة، ورفد الوزير نقولا فتوش وشقيقه بيار جيوب من يغضون الطرف عن ارتكابات موصوفة حولت جبالا وتلالا إلى مهاوٍ مرعبة ومنبسطات لا أثر فيها لحياة؟ لا أن يقروا استخدام القوة بوجه معتصمين عزلا، سيكون ذنبهم الوحيد أنهم رفضوا تمرير صفقات مشبوهة على حساب بيئة لبنان وصحة أبنائه.
أسئلة كثيرة، لكنها جميعها تفضي إلى نتيجة واحدة، وهي أن “زعماء الغفلة” ليسوا أكثر من مافيات نموت حين يتقاتلون ولا يتفقون إلا على قتلنا!
أنور عقل ضو